بقلم منير بشاى
لا يعلم أحد من سيكون البابا الجديد للكنيسة القبطية. كل ما نعلمه انه سيكون واحدا من خمسة مرشحين معروفة أسمائهم وتم اختيارهم بواسطة اللجنة المكلفة بالترشيحات البابوية. هؤلاء سيتم تصفيتهم الى ثلاثة بعد انتخابات الاراخنة واكليروس الشعب القبطى. ومن هؤلاء سيتم اختيار واحد عن طريق القرعة الهيكلية ليصبح هو البابا ال 118 للكنيسة القبطية الارثوذكسية.
يأتى اختيار بابا جديد للاقباط فى هذه المرة فى ظروف حساسة تمر فيها مصر. فمصر تعيش ما بعد ثورة أطاحت بالنظام الذى حكم مصر حوالى ثلاثة عقود وأتت الثورة بجماعة الأخوان المسلمين الى سدة الحكم. ورغم أن أحوال الأقباط لم تكن خالية من المشاكل فى ظل النظام السابق، ولكنهم بكيفية ما كانوا قد وصلوا مع النظام الى تفاهمات لما يستطيع النظام ان يفعله للاقباط وما يعجز عن عمله، أو ما لا يريد عمله. وفهم الأقباط ان هذا أفضل ما يستطيع النظام أن يقدمه. وكان هذا يعطى الأقباط الاحساس بشىء من الاستقرار النسبى.
مضى مبارك وزمانه، وقفز الاخوان المسلمين على الحكم ومعها تغير المناخ العام الذى يسيطر على البلاد. ورغم ما نسمعه من شعارات معسولة ولكن الواضح ان البلاد تبتعد عن الحكم المدنى وتقترب الى الحكم الدينى بطريقة تدريجية مؤكدة. ويظهر ذلك فى كل ما يجرى فى مصر من انتخابات مجلسى الشعب المنحل الذى كان يسطر عليه ذوى اللحى ولابسى الطرح، ومن نصوص مسودة الدستور ذا الصبغة الاسلامية، ومن طغيان مليشيات جماعة الأخوان. ومن التصريحات بحلم الخلافة الذى بدأ يداعب الاسلاميين. هذا كله أعطى غير المسلمين الاحساس أن الوطن تتغير ملامحه أمام عيونهم يوما بعد يوم، وانهم يتحولون الى غرباء فى وطن أجدادهم.
ولكن ازدياد الجرعة الدينية المتطرفة جعلت الحياة لا تطاق بالنسبة للبعض ومهددة مخيفة بالنسبة للبعض الآخر. ازدادت أعمال البلطجة وفرض الأتاوات، وتصاعدت الاعتداءات على كنائس وبيوت ومحلات الأقباط. وكثرت حوادث خطف الفتيات للحصول على أتاوة أو لاسلمتهن قسريا. واستغل البعض من المتطرفين فرصة ضعف الأمن أو تواطؤه لتهجير المسيحيين من مناطق تواجدهم وخلق مجتعات اسلامية. والدولة تقف أمام هذا كله موقف المتفرج الذى يشجب ويطمئن ولكن بالكلام فقط.
مع كل هذه التغييرات أحس الأقباط بافتقادهم الى البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث. فقد كان محنكا متمرسا لبقا حكيما بارعا، واستطيع ان أستمر فى وصف كفاءاته فى احساس بالعجز عن وجود الكلمات اللغوية التى توفيه حقه. ومع احترامى وتقديرى لكل المرشحين للكرسى البابوى ولكن من سيخلف الأنبا شنودة – المتعدد المواهب- سيجد على كاهله حملا يصعب حمله، ويزيد من هذا العبء الظروف الغير عادية التى يمر بها الشعب القبطى فى هذه الأيام.
من المؤكد انه لا يستطيع البابا الجديد مهما فعل أن يباعد نفسه عن الحياة الدنيوية، أو الاصطدام بالواقع السياسى والتفاعل معه. هذا رغم ارتفاع المطالب التى تنادى الكنيسة وعلى رأسها البابا الجديد بعدم التدخل فى السياسة. وهذا كلام سهل النطق به ولكن مستحيل التنفيذ. فالبابا وكل رجال الاكليروس هم مواطنون مصريون ومن حقهم الانتخاب وابداء الرأى فيما يجرى حولهم وهذا كله سياسة. ولكنها سياسة بمعناها النظيف وهو ان يكون للمواطن حق ابداء الرأى فى القضايا التى تؤثر على مسار البلد. ولكن هناك جانبا داكنا من السياسة يتضمن ألاعيب واحتيالات ومخططات ملتوية لا تليق برجل الدين. مثل هذه نربأ بالكنيسة ان تكون طرفا فيها.
رجل الدين من وظيفته ان يدين الظلم ويطالب بالعدل ويشجب الارهاب ويرفض الاعتداءات على الآمنين وينادى بالتكافؤ الوظيفى ويشجع على تحسين أحوال الناس ورفع مستوى المعيشة وتوفير احتياجات المواطن من الطعام والسكن والتعليم والصحة والمواصلات الخ. وقد قال قداسة البابا شنودة ان لم يتكلم رجل الدين ضد الظلم فمن يتكلم؟ هذه القضايا جوهرية وأتوقع من البابا الجديد ان يتطرق اليها من وقت لآخر. وان كنت أتمنى ان يتغير مفهوم البابا كممثل سياسى للاقباط ويوكل هذا التمثيل السياسى لقيادات علمانية سياسية قبطية.
البابا الجديد سيجد نفسه مضطرا الى التعامل مع كل القضايا ذات الطابع السياسى لأنها تدخل فى صميم اختصاصه. وسواء كان البابا من الرهبان الذين قضوا حياتهم فى الدير بعيدا عن الأضواء، أو حتى من الأساقفة الذين اقتربوا قليلا منها فانه سيشعر بالصعوبة البالغة فى الكلام مع الاعلام الذى سيحاول ان ينصب له الفخاخ ليحصل منه على تصريحات تختلف عن ما كان يريد ان يقوله.
ومن هنا أعتقد ان البابا الجديد يحتاج ان يعين شخصا وظيفته ان يتكلم باسمه الى الاعلام وينقل له ما يريد ان يقوله. يمكن تسميته المتكلم الرسمى باسم البابا أو السكرتير الاعلامى للباب أو أى اسم آخر. المهم ان يكون هذا الشخص متخصصا فى هذا العمل ولذلك افضل ان يكون علمانيا وليس من رجال الاكليروس. ولكن يجب ان يكون اختياره، بالاضافة الى المعايير المهنية، مبنيا أيضا على اعتبارات دينية أخلاقية مسيحية كنسية سليمة.
شىء مهم سينتج عن هذا وهو علاج بعض الصدع القائم بين العلمانيين والاكليرس، ويقوى من السلام ووحدة القلب بين صفوف الشعب القبطى.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com