الطريق إلى دهشور محمل بـ"ذكريات" حادثتي "أطفيح " و"إمبابة" ،أشهر حادثتي فتنة طائفية في "مصر الثورة" ،دهشور ثالث ثلاثة في قائمة القرى "ذات التوتر الطائفي"رغم تباين الأسباب في كل واقعة،والفتنة المروج لها إعلاميا غائبة على الأرض حسبما تطالع عيناك إذا وطأت قدماك أرض القرية ،لاشيء مختلف هناك عن سائر القرى التي أصابها الانفلات الأمني بـ"داء القلق".
ودهشور التي تعرفها الفضائيات والصحف على أنها أرض "الطائفية" الآن في المشهد الإعلامي عبر ادعاءات كاذبة بـ"تهجير الأقباط" ،تعرفها-ويكبيديا-على أنها "بلد في محافظة الجيزة ،جنوب سقارة ،بها خمسة أهرامات –هرمان للملك سنفرو ،وثلاثة لفراعنة الدولة الوسطى ،وفيها جبانات من عصور الدولة القديمة والدولة الوسطى،با ختصار دهشور موقع مهم من مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو منذ 1979.
الفارق بين حادثة "دهشور" عن سابقتيها هو غياب "المرأة" ،تلك التي كانت قاسما مشتركا في حادثتي "أطفيح ،وإمبابة" ،والثلاثة تشابهوا في سطحية التناول الإعلامي بعيد الفكرة عن مضمون ما جرى في القرية التي يحتل مدخلها 3سيارات للأمن المركزي ،وعلى جانبيه جدران الحوائط شاهدة على تحطيم محلات الأقباط ،لاشيء ينذر بـ"فتنة طائفية" حسبما يروج البعض ،الواقع الذي يعرفه "أهالي الجنوب"في أعقاب حوادث القتل هو المشهد الراهن ،أسرة القاتل المسيحي هاربة ،وقطعا أقاربه "من الأقباط "يهربون بحسب عرف توارثته أجيال الجنوب ممتدا حتى أسوان .
في وسط القرية تتراص سيارات الأمن المركزي على مشارف شارع "الفرن" الذي تسكنه أسرة "معاذ حسب الله "ضحية الحادث ،ويزداد التواجد الأمني بكثافة أمام كنيسة "مارجرجس" التي تقع في صورة مبنى صغير ضيقة مساحته،تعود قصة بنائه إلى عام 1999 وفقا لرواية شهود العيان ،الكنيسة كما كان الوضع في قرية "صول" ،كانت مجرد دار مناسبات تحولت بين عشية وضحاها إلى دار مناسبات دون احتجاج يذكر من أهالي القرية منزوعة" التيار الطائفي"حسبما تكشف التفاصيل في السطور القادمة.
قوات الأمن المركزي مثلها مثل أهالي دهشور ،تقضي ليلها بعد ساعات ممتدة من الصيام ،على المقاهي المتواجدة في مدخل القرية ،أشهرها حسبما يبدو "مقهى المصريين" ،وبعض الجنود يفضلون الركون إلى جلسات ريفية ذات مذاق ريفي ممتع يتماشى مع "أصالة القرية" تاريخيا،يتبادلون حديثا ينتهي دائما على عكس بدايته كعادة حكايات "الريف" متعددة الأطراف كـ"أساطير" الإغريق.
لايزال مظهر العزاء متواجدا أمام منزل "معاذ" ..عدد من المقاعد و"كنبتين" متقابلتين ،ومضيفة مفتحة الأبواب ،أشياء معدة لـ"استقبال" المعزين ،والمتفاوضين من الوفود البرلمانية والشعبية الساعين لـ"التهدئة" ،بعد حملة إعلامية منزوعة"التوثيق" استهدفت تصوير دهشور على أنها قرية"تطهير عرقي "ضد الأقباط بعكس الحقيقة –حسبما رصدت "الوفد" في زيارتها التي امتدت مايقرب من 4ساعات ،أدلى فيها شهود عيان بما لديهم من معلومات موثقة ،وكشفوا عن مفاجآت ربما تمكن الرأي من قراءة ما بين السطور فيما يسمى إعلاميا في "فتنة دهشور".
كان في استقبالنا على يمين "شارع الفرن" –الشيخ عيد حسب الله –على خلفية تنسيق جرى معه حول رغبة"الوفد" في الحديث إلى شقيقه "الحاج محمد حسب الله-والد معاذ"،بضع دقائق انتظرناها في "مضيفة العائلة" ،وكانت فرصة "تسلل ودي" لـ"أعماق " ما يجري منذ 3 ايام من مفاوضات تستهدف "التهدئة"،واستطلاع حقيقة "التهجير" الذي تقرر بفعل "تكراره" إعلاميا..
"علاقتنا كويسة بالمسيحيين" ،كانت تلك العبارة ذات "الكلمات الثلاث" ملخص لـ"إجابة" حول استعدادهم لـتقبل عودة الأقباط "المغادرين" ،متبوعة بأول مفاجأة في "دهشور " حسبما قال –عم معاذ-اللي طلع الأقباط من البلد هو اللي لازم يرجعهم"،سألته تقصد من ؟..رد قائلا"القمص تكلا كاهن الكنيسة".
واستطرد "عدد الأسر المسيحية في دهشور لايتجاوز 19 أسرة ،وما يتردد عن تهجير 130 أسرة كذب وادعاء".
وواصل الشيخ عيد –مفاجآته- الكاهن "تكلا" كان متواجدا في القرية يوم الوفاة ،ورأيته وهو خارج منها في سيارة مع أسرته بعد ساعات من شيوع نبأ وفاة معاذ-،والقاتل "سامح يوسف "المكوجي ،تعمد إثارة الفتنة بالقرية بشكل دوري ،حيث تورط في حرق وجه أحد الأهالي بـ"مكواة" في رمضان ماقبل الثورة مباشرة.
واختتم قائلا" لاتوجد أزمة إطلاقا مع الكنيسة التي هي "دار عبادة" لها احترامها ،وإنما القضية في الذي استعمل أدوات حارقة في مشاجرة عادية،ولوكان معاذ عاش محروقا ،كنا هنجيب اللي عمل فيه كده ونحرقه".
كان والد معاذ في لقاء خارجي ،بينما يسترسل شقيقه في سرد الأحداث ،أمام المنزل كان عدد من المحامين المتطوعين من أهالي القرية متواجدين لـ"متابعة" التطورات ،وأثناء خروجنا لـ"لقائهم" ،كان محمد حسب الله –والد معاذ- مندمجا في حديث إليهم ..
الوالد "المكلوم" لم يفتأ ينتهى من لقاء إعلامي حتى يفاجأ بـآخر على مدار اليوم ،لاتزال عيناه محملة بالدموع التي تأبى مخالطة "وجنتيه" ،استقبلنا الرجل بعفوية حملته على الإفصاح عن عدم رغبة في الحديث للصحف والفضائيات بحجة "أن شيئا لم يعد خافيا " ،وأن الإعلام يقتطع الحقيقة وينشر ويذيع مايريد للرأي العام.
"محمد حسب الله" الذي فقد معاذ في حادثة –لاناقة للإبن فيها ولاجمل- أفقده الإعلام المضلل توازنه في التعاطي مع القادمين إليه ،لكن دافع التقصي ،يبقى دائما رقما مهما في معادلة الوصول إلى حقيقة الأوضاع رغم انفعال امتد إلى مجاوريه.
بادرت "والد معاذ" ذا الملامح الغاضبة –بسؤال عن تصريحات قال فيها "لو حد من الأقباط نزل القرية هولع فيه"،ضرب الرجل كفا على كف ،وتنهد قائلا"أنا بقول المسيحيين شركاء وطن ،ولكن اللي حرق ابني مش هسيبه"،نافيا مزاعم تهجير الأقباط من القرية.
وعن وفود "التهدئة" البرلمانية ، قال "من يأتي للتهدئة عليه أن يتحدث في إطارها ،لكن الصلح "لا"،وأهلا وسهلا بالأسر القبطية بهدف رفع العناء عن قوات الأمن التي بذلت مجهودا كبيرا".
وأضاف –والد معاذ-أنا مع تطبيق القانون ،لكن هذا القانون إذا اكتفى بـ"السجن" على "المكوجي" دون الإعدام" فلن يرضيني "،وحول مطلب رفض عودة الكاهن للقرية ،أكدعلى أنه متسبب في التوتر الناجم بين المسلمين والأقباط بحكم علاقته بـ"أمن الدولة".،واستطرد قائلا" لوهما مش عايزين يغيروا الكاهن ده ويبعدوه عن البلد ،يبقوا مش عايزين تهدئة،لافتا إلى أن مطالبه-التي هي مطالب عائلات القرية- تتلخص في "القصاص العادل " ،عدم عودة الكاهن ،وأسرة "المكوجي" .
ضمن مفاجآت زيارة دهشور ما جاء على لسان الشيخ رضا الحلواني- أحد أهالي القرية –حول كفالته لـ"سيدة مسيحية" تدعى سميحة وهبة-على مشارف السبعين من عمرها-،قال رضا"تأتينا السيدة سميحة "وهي عذراء لم تتزوج" بالليل للمبيت مع أسرتي ،وفي نهارها تعود إلى منزلها لرعاية "طيورها".
وأضاف" أن –سميحة وهبة –التي لازوج لها ولا أخ –عقبت قائلة على خروج الأقباط "الله لا يرجعهم"،باعتبار أن إحدى الأسر المسيحية حرصت على اصطحاب كلب معهم ،وتركوها بمفردها.
رضا ذو المظهر السلفي الذي يكفل السيدة المسيحية –قال إنه قبل 8سنوات تعرض منزل كاهن الكنيسة الحالي إلى حريق ،أصاب أمه وزوجته وإخواته ،وقمت بنزع البطاطين من فوق "أولادي" في الشتاء ،و"لفيت أسرة الكاهن" ونقلناهم للمستشفى ..وهو مايؤكد كذب ادعاءات "التهجير" والفتنة الطائفية.
واستطرد قائلا" قبل 10 سنوات كانت الأوضاع في البلد مستقرة تماما ،وقتها كان الكاهن الحالي "تكلا عبد السيد" مجرد فرد عادي حاصل على ديلوم صنايع، ولكن بعد رسامته قسا للكنيسة تبدلت الأوضاع".
على الطريق الرئيسي للقرية كان إسلام شكري -طالب بالصف الثاني الإعدادي- جالسا على مقهى "المصريين" المقابلة لـ"سلسلة محلات محطمة ،تبقى بداخلها أطلال أشياء تدل على طبيعة نشاطها"، و"إسلام" الذي أكد على مشاهدته للأحداث منذ البداية ،طلب تصويره أثناء قيامي بتصوير المحلات المتراصة حوائطها –شاهدة على ساعات "الفتنة".
قال إسلام مستجيبا لـ"شرط تصويره" الذي جاء في سرد تفاصيل مايشاع عن "تهجير الأقباط" الـ"6" المجاورة لمنزله ،قبل وفاة معاذ بيوم المسيحيين جيراننا تركوا منازلهم ،ووقفنا لحماية منزل جارنا "غالي" من الإعتداء ،وغالي أعطى مفتاح البيت لـ"واحد جارنا مسلم" وهو اللي بيحمي البيت دلوقتي".
وأضاف" الحاج "شهدا أبو عطوية " كان مؤجر محل قطع غيار سيارات ل"واحد اسمه وديع" ،أثناء الأحداث ،قام الحاج شهدا بـ"حماية المحل" ،وحفظ لـ"وديع" حاجته في منزله.
وأردف قائلا" إن حل الأزمة من البداية هو قتل "المكوجي" ،لافتا إلى أن مشهد معاذ وجلده يتساقط أمام الناس هيج مشاعر الجميع.
الغريب في المحلات الـ"6" المقابلة للمقهى أن حوائطها تحمل على امتدادها صور "حازم صلاح أبو إسماعيل" المرشح الرئاسي المستبعد ،والرئيس محمد مرسي ،ولاثالث لهما.
قبيل مغادرة القرية التي تسير فيها الحياة بـ"طبيعتها" ،باستثناء تواجد شكلي لـ"سيارات الأمن المركزي" ،أبدى صابر السماني –صاحب المقهى-رغبته في تسجيل شهادته على وقائع ماجرى ،قائلا"حاولت أحمي المحلات دي لكن مقدرتش ،والأمن كان موجودا لكنه لم يستطع أن يفعل شيئا".
وأضاف المحلات الـ"6" تابعة لـ"شخص قبطي "يدعى ظريف نعيم ،وهو –حسبما أفاد صاحب المقهى –طيب جدا ،وصاحبي وأخويا ،,أنا بطمن عليه يوميا".
صابر السماني الذي لايجيد نطق اسم كاهن كنيسة مارجرجس بـ"دهشور" –تكلا عبد السيد –لايرغب في عودته مرة أخرى ،لافتا إلى أنه يعرف جيدا أن "المكوجي" بلطجي ،وسيئ الأخلاق لكنه لم يفعل شيئا ،وكان عليه حل الأزمة في ساعتها..
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com