اعتدنا، فى شهر رمضان، أن يكون هناك عمل درامى يعرض على الشاشة الصغيرة يتعلق بإسرائيل، وغالباً ما يتناول ذلك العمل إحدى العمليات المخابراتية داخل إسرائيل، اعتماداً على بعض ملفات المخابرات العامة، هكذا شاهدنا مسلسل رأفت الهجان ومن قبله جمعة الشوان، دعك الآن من اختلاط الخيال فى العمل بما هو حقيقى وحدث على أرض الواقع، مثل انهيار نساء المجتمع الإسرائيلى أمام رأفت الهجان، كل هذا يمكن أن يكون مقبولاً فى عمل درامى ويمكن أن نتفهمه، حتى لو انتقدناه، واعتبرناه من سذاجة أو فجاجة الخيال، لكننا فوجئنا - هذا العام - بعمل جديد تماماً، هذه المرة لا يتعلق بعملية مخابراتية بل تشكيل عصابى لسرقة بنك داخل تل أبيب.
العمل، حتى الآن، به عدة رسائل مخيفة، أولاها إعطاء المشروعية للسرقة والسطو، وليس سرقة شخص بل بنك، أما السبب فهو أن البطل لديه ودائع معلقة داخل بنك، وتم تعليقها بسبب غير مفهوم، فضلاً عن أنه ليس مفهوماً أن يقوم دبلوماسى مصرى بإيداع مبالغ ضخمة فى بنك بتل أبيب، وكأن بنوك العالم قد تلاشت ولم يعد هناك سوى بنك تل أبيب، الحجة الواضحة أنه كان يعمل هناك، وفى العادة يضع الإنسان أمواله فى بنك خارج مصر حين يريد تهريبها أو ينوى هو الهروب منها، وبغض النظر عن هذا كله فليس مفهوماً أن تتعثر الأموال داخل البنك فيتم التخطيط للسطو على البنك، طبعاً يتم تمرير هذه الرسالة بدعوى أن إسرائيل هى العدو، ويستخدم البطل هذه الفكرة ليمرر تشكيله العصابى وفكرته الجهنمية واللا أخلاقية.
وتصوير الإسرائيليين من الداخل ينطوى على التبسيط والاستخفاف، القمار والخمور والخيانة الزوجية، وفوق ذلك جماعات الأمر بالمعروف الإسرائيلية، كما حدث فى مشهد المطعم، حيث يدخل بعض المتطرفين الإسرائيليين فيلاحظون طبق البطل المصرى وبه بعض المأكولات البحرية «الجمبرى» فيحملون الطبق من أمامه ويقومون بكسره أمام الجميع، ولم نسمع أن شيئاً مثل هذا يحدث هناك، صحيح أن هناك متشددين ومتطرفين دينياً، لكن هناك دولة تضمن حقوق مواطنيها، وأخشى أن يستخدم هذا المشهد العبثى لتبرير دعاوى جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، التى تطل علينا هذه الأيام، والحجة أن هذا يحدث فى إسرائيل، يفعله اليهود، فلماذا لا نفعله نحن؟!
الاستخفاف بإسرائيل وبالمجتمع الإسرائيلى على هذا النحو مضر جداً. طوال الخمسينيات والستينيات ساد منطق الاستخفاف وأنهم مجموعة من العصابات - أى ليسوا دولة - حتى فوجئنا بما جرى فى ٥ يونيو ١٩٦٧، وعالمنا اليوم فى المنطقة مازال عالم ما بعد الخامس من يونيو، سواء فى القضايا الكبرى وطنياً وقومياً أو القضايا الداخلية والمحلية بكل بلد، على الأقل بنا نحن فى مصر والدول المحيطة بإسرائيل.. الاستخفاف بالآخر هو بداية الانهيار والهزيمة أمامه معنوياً ونفسياً - على الأقل - ويجب ألا ننسى عن إسرائيل أنها دولة نووية، هى الوحيدة فى المنطقة التى تمتلك السلاح الاستثنائى، بتعبير شيمون بيريز، وهى الدولة التى اخترعت الطائرة دون طيار، وهى.. وهى، مجتمع به الكثير من الأزمات، لكن هناك دولة قوية وحديثة، حتى لو امتلأت بالمتشددين دينياً، وهذا ما لا نريد أن نستوعبه.
فى مصر أناس عاشوا فى إسرائيل، دبلوماسيون وشباب ذهبوا للعمل، وهناك الدارسون والمتخصصون فى الأدب العبرى وفى المجتمع الإسرائيلى، فضلاً عن بعض إخواننا الفلسطينيين الذين عرفوا المجتمع الإسرائيلى وعاشوه عن قرب، وكان الأجدى للقائمين على مسلسل «فرقة ناجى عطا الله» الجلوس إليهم والاستماع منهم، لكننا بهذا الشكل بإزاء عصابة ناجى عطا الله، وهو درس فى السطو على بنك، لسنا بإزاء عمل وطنى ولا عمل إنسانى، بل بإزاء درس سخيف فى السرقة.
لا أريد أن أتساءل لماذا أقدم الفنان عادل إمام على مثل هذا العمل، فى ذلك التوقيت، لكن الثابت أن مسلسل جمعة الشوان فتح أمامه طريق النجومية الواسع، وسبق له أن قدم فيلم «السفارة فى العمارة»، وتناول قضية حقيقية حول وجود السفارة الإسرائيلية فى منطقة سكنية، لكن هذه المرة الأمر مختلف، ولا يليق بفنان كبير أن يقدم عملاً محملاً بالكثير من الرسائل السلبية للمشاهد.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com