ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

رجال الإسلام السياسى من الإصلاح التربوى إلى التكفير والعنف

| 2012-06-28 13:38:57

«الأفغانى» تبنى الثورات الإصلاحية.. و«البنا» رفض التعددية.. و«قطب» اتهم المخالفين بالجاهلية

«عبدالسلام فرج» اغتال السادات.. و«شكرى مصطفى» نصب نفسه أميرًا للمؤمنين

«باسم الدين سُن السكين».. وتحت لافتات السماء سالت أنهار الدماء.

ففى كل دول العالم كان ضحايا الحروب الدينية هم الأكثر وكانت جثث الأبرياء هى القربان لما يعتقده الناس حقاً مطلقاً.
كان الدين ومازال مقدساً، ثابتاً، منزها لا يقبل صداً ولا رداً، بينما كانت السياسة وستبقى فعلاً بشرياً يحتمل الصواب والخطأ، ويرضى البعض ويغضب آخرين ويتأرجح يميناً ويساراً ويتغير كل يوم، لذا غالباً ما أدى استخدام الدين فى السياسة إلى استبداد سياسى ووأد للحرية وجنوح نحو الطغيان. وفى تاريخنا الإسلامى كان الحكام الطغاة كثيراً ما يستخدمون الدين فى تبرير مذابحهم والدفاع عن فسادهم وتحريم معارضتهم.
وكان من اللافت أن الإسلام السياسى بدأ فى الظهور كفكر وتيار واضح أواخر القرن التاسع عشر الميلادى مع حالة التردى الواضحة فى دول الشرق والعالم العربى، ومع دخول الدول الاستعمارية إلى بلادنا فى ظل تخلف واضح فى العلم والسياسة والدين.

الأفغانى وخطاب العدالة
فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادى ظهر فى مصر رجل غريب الزى قصير القامة، ممتلئ الجسم أسمر اللون، الشعر على رأسه جبة سوداء وعمامة بيضاء اسمه جمال الدين الأفغانى يبشر ببلاد جديدة ويدعو إلى إصلاح تام ويتبنى أفكاراً تحررية ودعوات للعدل والمساواة، فى ذلك الوقت كان الرجل يؤكد أن العلم والدين لا يتعارضان، وأن الإسلام أطلق حرية الفرد فى التفكير والاجتهاد، وأن الاستبداد السياسى هو سبب تخلف المسلمين وتشوه صورة الإسلام، وكان الأفغانى يؤكد للناس فى مصر وتركيا أن الناس «سواسية من نفس الطين وأن التفاضل يكون للأنفع».
وعندما خرج «الأفغاني» من مصر واصل صديقه وتلميذه الشيخ محمد عبده فى تبنى الأفكار الإصلاحية المرتكزة على الإسلام. وكان واضحاً أن طرح محمد عبده الأكثر اعتدالاً بشأن الإصلاح السياسى كان أقرب للفكر الإسلامى المستنير خاصة مع تأكيده أنه «لا يوجد فى الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير من الشر». واستمر خطاب «عبده» معتدلاً يرفض الثورة ويفضل التربية كمنهج إصلاحى.
والغريب - وطبقاً لدراسة للدكتور رفعت السعيد - فإن خطاب الإصلاح الإسلامى التزم خطاً متشدداً مع توالى الزمن فكان التطور الفعلى لخطاب الإسلام السياسى يأخذ نهجاً متطرفاً ثم يعلو التطرف شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى حد تكفير الآخر والدعوة إلى محاربته، لذا فإنه يرى خطاب الشيخ رشيد رضا أجنح للتشدد عن خطاب الإمام محمد عبده ثم ترتفع حدة التشدد مع قدوم حسن البنا ثم يتشدد أكثر من طرح سيد قطب حتى يصل إلى أعلى درجات التطرف فى خطاب شكرى مصطفى ومحمد عبدالسلام فرج.

وجاء حسن البنا
عندما جاء حسن البنا كانت مصر تعاني من الاحتلال البريطاني، وكانت الخلافة العثمانية باسطنبول قد ألغيت على يد ضابط مغامر اسمه مصطفى كمال أتاتورك وكانت محاولات إعادة إحيائها قد جرت في مصر على يد السلطان فؤاد الذي تصدى له عالم أزهري هو على عبدالرازق بكتاب شهير اسمه «الإسلام وأصول الحكم» نفى فيه وجود نظام محدد للخلافة في الاسلام.
ويؤسس حسن البنا وعدد من أصدقائه جمعية تسمى الاخوان المسلمين عام 1929 ما تلبث أن تتوسع وتنشئ لها فرقاً وشعباً في مختلف محافظات الجمهورية.
ومن الطبيعي أن تثير تلك الجماعة المتوسعة قلق الجهات الأمنية التي ترفع تقريراً الى اسماعيل صدقي عام 1930 ببعض المخاوف ويتم التحقيق مع الرجل ولا يجد المحققون أي تهمة واضحة، ويقرر «صدقي» استغلال الجماعة ضد «الوفد» ويعرض عليهم اعانات مالية مقابل تأييد الحكومة ضد «الوفد»، ويعرف وقتها البنا حجم جماعته وقوتها ويقرر الانتقال بها الى القاهرة.
ويتوافد المنضمون الى الجماعة الوليدة وبعد عام واحد يرتفع عدد شعب الاخوان داخل القاهرة وقتها الى 50 شعبة، ثم تعقد الجماعة أولى مؤتمراتها عام 1933 ويتوالى الصعود والانتشار والتدخل في السياسة.
ويأخذ كثير من الباحثين علي الشيخ البنا ما يعتبرونه انتهازية ووقوفاً الى جوار الظلم والطغيان، ومما أخذ على الإخوان في سنوات القوة تسيير مظاهرات في شوارع القاهرة تهتف «الله مع الملك» والمناداة باختيار فاروق خليفة للمسلمين، فضلاً عن رؤى وأطروحات الشيخ البنا نفسه في كتابه الشهير «مذكرات الدعوة والداعية» التي من بينها اعتباره التعددية الحزبية انقساماً وتشرذم ورؤيته ضرورة حل جميع الأحزاب وإقامة حزب واحد إسلامي.
ويؤسس «البنا» جهازاً خاصاً للجماعة بين عامي 1942 و1943 وكان الغرض المعلن هو محاربة الإنجليز، وتطورت اعمال الجهاز الخاص الذي اسندت مهمة الإشراف عليه إلى عبدالرحمن السندي وضم اكثر من ألف شخص لا يعرف احدهم الآخر من الاعتداء على الإنجليز الى الاعتداء على المصريين بدءا بالقاضي أحمد الخازندار الذي اغتيل في مارس 1928، ثم الاعتداء على محلات اليهود بالقاهرة في يونيو 1948، ثم تدمير محلات ماركوني وبنزايون في سبتمبر من نفس العام وتصل الاحداث الى ذروتها بعد اغتيال مجموعة من المتظاهرين الاخوان سليم زكي حكمدار العاصمة، ووقتها يجد الشيخ البنا نفسه متهما ومحاصراً ويحاول السيطرة على الجهاز الخاص فيفشل، الى أن يتم اغتياله عام 1949 على يد ضباط بالداخلية انتقاما لاغتيال محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء على يد أحد الاخوان.

التحول إلى العنف
ويعد المفكر سيد قطب هو صاحب النقلة الأكبر في خطاب الاسلام السياسي في مصر، فعلى الرغم من بدايات الرجل الليبرالية وتبنيه في البداية خطابا أقرب للاشتراكية، إلا أنه انتهى الى منظر خطير للراديكالية الإسلامية عندما كتب كتابه الشهير «معالم في الطريق» الذي ذكر فيه أن «الإسلام لا يعرف سوى نوعين من المجتمعات: مجتمع اسلامي ومجتمع جاهلي، ويدخل في اطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة على الأرض، الشيوعية، والوثنية واليهودية والمسيحية، والمجتمعات التي تزعم أنها مسلمة.
ويقول الرجل في نفس الكتاب: «الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية، ليس هذا إسلاما وليس هؤلاء مسلمين»، وفي كتابه «خصائص التصور الإسلامي» يقول: «إما أن يلتزم الناس الاسلام دينا أي منهجا للحياة ونظاما وإلا فهو الكفر والجاهلية».
وفي «الظلال ج1» نجده يقول: «القوى الانسانية نوعان، قوة مهتدية تؤمن بالله وتتبع منهجه ومذهبه يجب أن نؤازرها ونتعاون معها على الخير والحق والصلاح.. وقوة ضالة لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه، وهذه يجب أن نحاربها ونكافحها ونغير عليها».
ومن الطبيعي أن يقتنع كثير من الشباب بنظرية «الحاكمية» التي نقلها «قطب» عن المفكر الباكستاني أبي الأعلى المودودي ويؤدي ذلك الى ميلاد عشرات التنظيمات المسلحة، وأن ينتهي دور سيد قطب إلى الحكم بإعدامه بزعم تنظيم انقلاب مسلح ضد نظام ناصر ويتم تنفيذه فعلياً في أغسطس 1966.
بعد ذلك تعرف مصر سلسلة من المفكرين الراديكاليين الذين ينادون بصراحة بتكفير الآخر والدعوة الى قتاله وينشئ أحد تلاميذ قطب وهو شكري مصطفى تنظيماً كبيراً يمتد في كافة محافظات الجمهورية، ويتم تنصيبه أميراً للمؤمنين ثم يختطف ذلك التنظيم وزير الأوقاف الشيخ الذهبي ويقتله لتتم ملاحقة أعضاء التنظيم ومحاكمة قادتهم وإعدامهم، كما يخرج الى العالم تنظيم آخر يتبنى أفكار مهندس كهربائي اسمه محمد عبدالسلام فرج يكتب كتابا بعنوان «الجهاد.. الفريضة الغائبة» يكرر فكر تكفير المجتمع ونظام الحكم ويتبنى مخططاً للانقلاب وينجح تنظيم تابع لـ «فرج» في أكتوبر 1981 في اغتيال أنور السادات رئيس الجمهورية وسط رجال جيشه.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com