بقلم: منير بشاى
تمر مصر حاليا بأول تجربة ديمقراطية فى تاريخها. التجربة تتعثر بعد ارتكاب أخطاء فادحة، ومع ان الاحتكام لصندوق الانتخاب لا يمثل الديمقراطية كلها ولكنه جزء هام منها. هذا طبعا اذا كان الصندوق حرا ونزيها. عملية الانتخاب تعنى اختيار ما تراه انه الأفضل عن طريق التصويت بطريقة سلمية مستخدمين القلم وليس السيف، والصوت الانتخابى وليس صوت طلقات المدافع. وعادة يقبل الناس فى كل بقاع الدنيا ما يقرره الصندوق دون نقاش فيرفع المهزوم التليفون ويهنىء الفائز مؤكدا ان الشعب قال كلمته ويتمنى له التوفيق فيما كلفه الشعب من مهمام. هذا طبعا ما لم يحدث فى مصر.
المشكلة اننا لم نتعود قبول الهزيمة. هذا أوضحه الدكتور محمد مرسي المرشح الرئاسي عن حزب الحرية والعدالة فى حوار فى قناة الــ«سي بي سي» مع الاعلامي عماد اديب وكان أحد الأسئلة التى وجهها له: ماذا ستفعلون فى حالة فوز الفريق أحمد شفيق بالانتخابات. وكان رد مرسى استبعاد أى احتمال لفوز شفيق. وعاد أديب ليكرر السؤال: نحن لا نقول ان منافسك سينجح، ولكن نوجه مجرد سؤال افتراضى انه اذا نجح ماذا ستفعلون؟ ومرة أخرى يعود مرسى لينكر وجود هذا الاحتمال وبالتالى ليس هناك داع لاجابة سؤال لن يتحقق والى ان انتهى البرنامج لم يستطع عماد أديب اخذ اجابة من مرسى لتوضيح ما يشاع عن نية حزب الحرية والعدالة فرض الرئاسة لصالح مرسى بالقوة وبالرغم عن نتيجة صندوق الانتخابات.
وظهر اسلوب فرد العضلات منذ الساعات الأولى بعد غلق اللجان. وفى الساعة الرابعة من فجر اليوم التالى دعا مرسى الى مؤتمر صحفى ليعلن فوزه حتى قبل ان يتم فرز جميع البطاقات وقبل ان يبت فى الطعون وقبل ان يعلن المجلس الأعلى للانتخابات من يكون الفائز الرسمى.
وبعد ذلك أخذت تتدفق على ميدان التحرير المتعاطفين مع الاخوان فى مظاهرات مليونية جديدة تنذر بالعواقب الجسيمة ان لم ينجح مرشح الأخوان فى محاولة لى ذراع المجلس العسكرى والأعلى للانتخابات ليختاروا مرسى وحتى يمكن تفادى التهديدات بحرق البلد وتحويل الشوارع الى حمامات من الدماء. وصدرت تصريحات من قادتهم مثل خيرت الشاطر الذى قال أنهم جاهزون للكفاح المسلح اذا ما فاز الفلول بالرئاسة فى اشارة الى الفريق أحمد شفيق. وأضاف الشاطر، في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست كتبه ديفيد إيجناتيوس، إن مصر أصبحت بين خيارين حقيقيين إما الانتقال لنظام جديد بطريقة سهلة أو انتظار الأسوأ، وأشار إلي أن الطريقة السهلة تتمثل في انتخاب محمد مرسي رئيسا للجمهورية.
واذا أضفنا الى هذا حقيقة وجود انفلات أمنى فى البلاد وانتشار السلاح فى أيدى الناس، وما يبرهن على ذلك ضبط 101 صاروخ أرضى أرضى وأسلحة أخرى كثيرة فى محافظة الشرقية. ثم ما هو معروف ان الأخوان ينظمون كتائب من المليشيات العسكرية لاستخدامها وقت الحاجة. كل هذا يزيد المخاوف من احتمالات رد الفعل العنيف اذا لم يفز مرسى بالرئاسة.
وضمن حرب الاعصاب بدأت حملة نشر الشائعات فى المجتمع تروج ان انتخاب مرسى أصبح أمرا واقعا لا هروب منه خاصة بادعائهم ان أمريكا قد وافقت على هذا وطلبت رسميا من المجلس العسكرى ان تسلم مرسى الرئاسة وتعود الى ثكناتها. وهذا ما أنكرته هيلارى كلينتون فى نفس اليوم مؤكدة أن أمريكا لا تعلم من سيكون الفائز فى الانتخابات وانها ستؤيد الرئيس المنتخب بطريقة شرعية مهما كان.
فى المقابل احتشدت الجماهير من المحافظات من مؤيدى الدولة المدنية فى تظاهرة مليونية "من أجل مصر" فى شارع المنصة بمدينة نصر ابتداء من كوبرى أكتوبر وحتى نهاية شارع رابعة العدوية. وكان المتظاهرون يهتفون شعارات تأييد للشرعية ودعم للجيش المصرى والمجلس العسكرى الأعلى. وسمعنا أحد المتظاهرين يعترض على صعود الاسلاميين للحكم ويقول "بلد حضارة 7000 سنة يمسكها شيخ؟...مينفعش".
ويبدو ان حمى المنافسة أصابت أخلاقيات الناس بالعطب فالغريب ان حزبا يدعى التدين والتكلم بلسان جماعة دعوية وهى الاخوان المسلمين تسعى للوصول للحكم عن طريق التزوير. فسمعنا عن الملايين من الجنيهات الى دفعت لموظفى المطبعة الأميرية لطبع بطاقات الانتخابات الجاهزة التسويد لصالح مرسى. كما سمعنا عن الطفل الطيار الذى يدخل مع الناخب المرتشى ليتأكد من انتخابه مرسى قبل ان يخرج ويتقاضى أجره. وسمعنا عن أقلام الحبر التى تمحى بعد نصف ساعة من استعمالها والتى يعطونها لمن يشتبهون انه سيصوت لصالح شفيق. كل هذا محاولات لاستخدام عضلات الاغراء بالمال لمساندة الصندوق الانتخابى اذا لم ينجح فى ترجيح كفة مرشحهم.
مر على الانتخابات حولى اسبوع من الترقب وشد الأعصاب نتيجة الشائعات المتناقضة. وعكف المجلس الأعلى على الانتخابات على دراسة الطعون المقدمة من الطرفين واعادة العد فى اللجان المتنازع عليها. وتحسبا من حدوث شغب انتشرت قوات الجيش فى الشوارع لتفرض الشرعية بقوة السلاح. وأخيرا جاء يوم اعلان النتيجة التى كانت فى صالح الدكتور أحمد مرسى.
ولكن نتيجة الانتخابات كانت متكافئة بين الطرفين مفرحة لنصف عدد السكان ومحبطة للنصف الآخر. هذين القسمين يمثلان اتجاهين مضادين فى الحكم واحد يمثل الدولة الدينية والآخر يمثل الدولة المدنية، مع ما يعنى كل هذا من تبعات.
لا أستطيع ادعاء ان هذه النتيجة مرصية خاصة لأقباط مصر وأتباع الفكر العلمانى من المسلمين وهم يقربون من نصف القوة الانتخابية فى البلاد. ولكن كاناس متحضرين علينا ان نقبل الشرعية التى تمثل رأى صندوق الانتخابات وقرار لجان البت فى الطعون.
ليس معنى هذا اننا سنقف مكتوفى الأيدى ونقبل الأمر الواقع مهما كان دون مقاومة. بل علينا ان نحدد استراتيجيتنا فى التعامل مع تحديات المرحلة القادمة. اليأس ليس ضمن خياراتنا. الجهاد نحو تغيير مصر نحو الحداثة لم ينته بل قد بدأ. وهناك قنوات شرعية يمكن ان نطرقها اذا لزم الأمر وميدان التحرير لن يذهب بعيدا. لن نفترض سوء النية، وسنعطى الرئيس الجديد كل فرصة للنجاح. ولكن أداؤه هو الذى سيعمل اما لصالحه أو ضده. والله معنا.
Mounir.bishay@sbcglobal.ne
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com