"الانسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء عائشاً كالمساكين مهاناً كالضعفاء مصلوباً كالمجرمين فتبكيه وترثيه وتندبه وهذا كلّ ما تفعله لتكريمه"، هذا الاقتباس جزء من مقال بعنوان "يسوع المصلوب"، كتبه جبران خليل جبران في ذكرى الجمعة العظيمة وضمن رائعته كتاب "العواصف"، وهذا هو مسيح أغلب رجال الدين المسيحيين وأغلب المسيحيين الذين يسمعون لهم.
أما المسيح الذى يراه جبران فقال عنه "منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع، ويسوع كان قويّاً ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة، لم يكن يسوع طائراً مكسورَ الجناحين بل كان عاصفةً هوجاء تكسر بهبوبها جميعَ الاجنحةَ المعوجةَ، لم يجئ يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزاً للحياة بل جاء ليجعل الحياة رمزاً للحق والحريّة"، وهو ليس مسيح جبران فقط بل مسيح الشباب الثائر على الظلم.
الآن ونحن على أعتاب التصويت في انتخابات الرئاسة، يظهر الأقباط اختلافا حادا حول المرشح الذي سيصوتون له، وبعد رحيل البابا شنودة واصرار القائمقام البطريركى الأنبا باخوميوس على "وقوف الكنيسة على مسافة واحدة من جميع المرشحين" أي يلتزم الكهنة والأساقفة بعدم تعبيرهم عمن سينتخبون ويؤيدون، فهناك فئة رجال الدين والقيادات الكنسية الذين كان لهم علاقة مع ضباط أمن الدولة بالنظام السابق، وكانوا يحصلون على ما يريدون من خلالهم، يميلون لانتخاب عمرو موسى وأحمد شفيق (الذين عملوا داخل النظام السابق)، كذلك يشترك معهم فئة "الأراخنة" وأغنياء الأقباط الذين لم يشعروا بأي ظلم أو معاناة من نظام مبارك، وارتبطت مصالحهم بهذا النظام، ومعهم فئة ليست بقليلة من كبار السن فى الطبقة الوسطى واعتادوا التعايش مع نظام مبارك الظالم لهم، بالإضافة لفقراء وبسطاء الأقباط الذين ليس لهم حول ولا قوة ولا يتمتعوا بمستوى تعليم جيد يجعل لهم وعى يبنوا عليه اختيارات سياسية تجعل حياتهم أفضل، ويخضعون للكهنة ورجال الدين سيختارون موسى أو شفيق عملا بمبدأ "أهو اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش"، أو "ده اللي أبونا قالنا عليه في القداس نختاره".
أما عدد كبير من فئة الشباب الذي يتمتع بقدر كبير من الوعي، فيميل للاختيار بين حمدين صباحي وخالد علي، إيمانا منهم بالثورة والبحث عن تغيير حقيقي للوطن، وهذه الفئة خرجت عن طوع "المؤسسة الكنسية"، التى تحدد للأقباط من يختاروا، وظهر هذا في إعلان بعض الحركات الشبابية القبطية دعمها لحمدين صباحي، في حين إن هذه الفئة من الشباب تواجهها فئة آخرى مؤمنة بالثورة لكنها تقاطع الانتخابات رفضا منها "لإجراء انتخابات تحت حكم العسكر".
نعم ليس للأقباط مسيح واحد، فمنهم من له "مسيح" ضعيف وخانع يبحث عن مصالحه الشخصية على حساب بسطاء وفقراء الأقباط، وترك ونسي دماء الشهداء والقتلى في حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية مطلع العام الماضي المسؤول عنها بشكل أساسي مبارك والعادلي وكل نظامه، وقتلى ومدهوسي ماسبيرو الذين قتلتهم مدرعات الجيش، لذا قرر أن ينتخب المسؤولين عن هذه الحوادث.. هذا مسيح النظام البائد.
وهناك مسيح آخر ثائر، متمرد وجبار، لا يصمت عن قول الحق ورد الظلم عن المظلومين، مستعد أن يصلب لأجل قضيته التي يؤمن بها، يصلب لأجل الفقراء والمساكين، لأجل العمال والفلاحين المطحونين ولا يحصلون على حقوقهم، هذا مسيح الثورة.. أنه مسيح التحرير.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com