بقلم: د. محمد منير مجاهد
لعب أشباه العلماء دورا رئيسيا في تحريض أهالي الضبعة ضد المشروع النووي بإثارة خوفهم ونشر الشائعات والمزاعم الوهمية حول الطاقة النووية عموما، والمحطة النووية في الضبعة خصوصا، ومن المزاعم التي يروجها المعارضين للمشروع النووي أنه لو أقيمت المحطة النووية في الضبعة وحدث تسرب إشعاعي منها فإن هذا سيقضي على مصر بالكامل، لأن اتجاه الرياح في مصر هو الشمالي الغربي، وبالتالي ستحمل الرياح المواد المشعة لتقضي على الضبعة ثم تعبر الصحراء الغربية لتقضي على القاهرة، وإذا مددنا هذا القول على استقامته فإن الرياح لن تتوقف في القاهرة بل ستندفع حاملة الإشعاع ليصل إلى اليمن فيدمرها ويعبر المحيط الهندي إلى استراليا ليدمرها، ويلف الكرة الأرضية ويرجع إلينا مرة أخرى وهكذا إلى مالا نهاية، ولكن من رحمة الله بنا أن للعلم ولقوانين الطبيعة قول آخر، فلو حدثت مثل هذه الحادثة - لا قدر الله - فإن انتشار الملوثات سواء في الماء أو الهواء تخضع لقانون الانتشار الذي يوضح أن تركيز المادة الملوثة (المشعة في حالتنا) يقل كلما بعدنا عن مصدر الإشعاع، وفي حالة حادثتي تشيرنوبل وفوكوشيما فقد تم إجلاء السكان احترازيا من دائرة نصف قطرها 30 كيلومتر فقط، ونستطيع التعرف على هذا القانون بمراقبة انبعاث الدخان من مداخن المنشآت الصناعية حيث تنتشر سحب الدخان رأسيا وأفقيا وتظل كثافة الدخان تقل مع البعد عن المصدر (المدخنة) حتى تنعدم رؤية الدخان تماما بعد بضع كيلومترات علي الأكثر.
من المزاعم الغريبة أن التيارات البحرية في جنوب البحر المتوسط تسير من الغرب للشرق ولكنها عند اليونان تدور لتعود مرة أخرى، وبالتالي فإن المياه الساخنة المطرودة من المحطة النووية (أو أي محطة بخارية لتوليد الكهرباء) ستعود مرة أخرى إلى المحطة، والحقيقة أن الفارق في درجات الحرارة بين الدخول والخروج من المحطة لا يتعدى خمس درجات، وأن دراسات معهد بحوث الهيدروليكا التابع للمركز القومي لبحوث المياه بوزارة الري قد أثبتت أن وجود مسافة خمسة كيلومترات بين المخرج والمأخذ تضمن ألا يحدث هذا، ناهيك عن صعوبة تصور احتفاظ مياه المخرج بدرجة حرارتها لمئات الكيلومترات حتى ولو سارت في أنبوب وليس تيار يختلط بمياه البحر، كما أن محطة سيدي كرير العملاقة تعمل منذ سنوات على الساحل الشمالي الغربي ولم يتم رصد ما يؤيد هذه المزاعم، ومن كل ما سبق يتبين لنا تهافت ما يروجه أشباه العلماء والذي لا يقف على أي أرضية علمية، وإنما تهدف فقط إلى إثارة الفزع في نفوس أهل الضبعة لتأليبهم ضد تنفيذ المشروع.
رغم الدراسات المتخصصة لموقع المحطة النووية بالضبعة، والتي شملت بحوث ميدانية مكثفة عن: خواص التربة السطحية وتحت السطحية ومناسبتها للبناء، والجيولوجيا الإقليمية والتحركات الأرضية والزلازل، والمياه الجوفية، والخصائص البحرية، وغيرها، يأتي إلينا من لم تطأ قدمه الموقع ليصرح «بعدم صلاحية التربة فى الضبعة لإنشاء المفاعل النووي المصري ذلك لأنها تتكون من الحجر الجيري الطفلي على السطح ثم الحجر الجيري المرمركي الذي تشوبه الشقوق والفراغات التي تحتفظ بالمياه الجوفية وهو ما يوضح عدم صلاحية التربة لبناء مشروع المحطة النووية عليها لأنها تُعتبر تربة هشة، وأنها قابلة للذوبان في المياه»، وقد رد على هذه المزاعم في لجنة الصناعة والطاقة الجيولوجي فرحات جمعة الصادي أحد الخبراء الجيولوجيين المتخصصين في دراسات وتأهيل مواقع المحطات النووية بقوله أن هذه هي نصف الحقيقة لأن طبقات التربة الجيرية بطول الساحل الشمالي الغربي من الإسكندرية حتى السلوم تتشابه في طبيعتها، ونعرف أنه توجد منشآت هندسية عالية بكل مناطق الإسكندرية، ولم ينهار أي منها بسبب طبيعة التربة نظرا لأنه يتم تصميمها وتنفيذها طبقا للأصول الهندسية، وبالنسبة لموقع الضبعة فقد أظهرت دراسة الخصائص الهندسية للتربة قدرتها على تحمل منشآت المحطة بكفاءة عالية، وأنه لا يوجد بهذه الخواص ما يؤثر على أمان وسلامة المحطة النووية، ومن ناحية أخرى فإن نوعية المياه الجوفية هي مياه مالحة تميل للقلوية ومصدرها الرئيسي مياه البحر ومشبعة بالأملاح وتزيد ملوحتها أحيانا عن ملوحة مياه البحر، ومن ثم لا تتوافر البيئة اللازمة لإذابة الحجر الجيري، وأضاف أنه إذا صحت الفرضية العلمية بذوبان الحجر الجيري فإن ذلك من شأنه اختفاء آثار العصر الروماني بالساحل الشمالي الغربي وانهيار المنشآت الهندسية بوسط وغرب مدينة الإسكندرية حتى السلوم، وهو ما لم يحدث بالطبع.
في تصيد غير برئ لتنفيذ مخطط الاستيلاء على موقع الضبعة وتحويل استخدامه إلى أغراض أخرى غير إنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء، استغل رجال مافيا الأراضي التصريح المنسوب للدكتور فاروق عبد الرحمن الرئيس الأسبق للمركز القومي للأمان النووي والوقاية من الإشعاع أمام لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب في 12 فبراير 2012 الذي جاء به «إن الهيئة لم تُعط حتى الآن ترخيصا لإنشاء محطة للطاقة النووية فى الضبعة لعدم استكمال التقارير المطلوبة» ليصوروه على أنه رفض لإنشاء المحطة النووية بالضبعة.
والحقيقة أن ما قصد إليه العالم الكبير هو طمأنة الرأي العام إلى أن "هيئة الرقابة النووية والإشعاعية" - التي حلت محل المركز - تتولى "كافة الأعمال التنظيمية والمهام الرقابية المتعلقة بالأنشطة النووية والإشعاعية للاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وذلك على نحو يضمن أمان وسلامة الإنسان والممتلكات والبيئة من أخطار التعرض للإشعاعات المؤينة ولها في سبيل تحقيق ذلك كافة الصلاحيات اللازمة"، ومنها إصدار وتعديل وتجديد وسحب وإلغاء كافة أنواع التراخيص للمنشآت والأنشطة النووية والإشعاعية، وممارسة المهام التنظيمية والرقابية ومنها: مراجعة وتقييم تحاليل الأمان وإصدار القرارات بشأنها، وإجراء التفتيش التنظيمي على كافة الممارسات النووية والإشعاعية في كافة المراحل، وغيرها من الأمور التي حددها تفصيلا القانون.
إذَن هناك هيئة مستقلة عن الجهة المشغلة للمحطة النووية، وبغض النظر عن ما تراه الجهة المشغلة من سلامة موقع وتصميم وتنفيذ وتشغيل المنشأة النووية، فلا يمكن البدء في تنفيذ المشروع قبل الحصول على موافقة "هيئة الرقابة النووية والإشعاعية" التي تمثل الدولة وتدافع عن حق الشعب في الأمان الشخصي وأمان البيئة من التعرض لأي إشعاعات نووية، ولهذا الغرض فقد حددت الهيئة مراحل الترخيص للمحطة النووية كالتالي:
1- إذن قبول الموقع
2- إذن الإنشاء
3- إذن تحميل الوقود النووي وإجراء اختبارات بدء التشغيل
4- ترخيص التشغيل
5- ترخيص التكهين عند انتهاء العمر الافتراضي للمحطة
يتطلب الحصول على إذن قبول الموقع التقدم بمستندات كثيرة من ضمنها "بيانات عن المفاعل" المزمع إنشاءه، و"تقرير التقويم البيئي حسب القوانين واللوائح"، والتي تتطلب أيضا معرفة تفاصيل كاملة عن المفاعل النووي المزمع إنشاءه لتقدير قيمة "المصدر الإشعاعي" Source Term المستخدم في كافة الحسابات، ومن البديهي أن هذه المعلومات لن تكون متاحة قبل الاتفاق على محطة نووية معينة ذات تصميم محدد، وسوف تكون جزء من تقرير الأمان الأولي الذي سيتم تقديمه لهيئة الرقابة النووية والإشعاعية ضمن مستندات إذن الإنشاء وهو ما تم الاتفاق عليه بالفعل بتاريخ 6/1/2010 بين هيئة المحطات النووية والمركز القومي للأمان النووي والرقابة الإشعاعية (القائم بعمل هيئة الرقابة النووية والإشعاعية لحين الانتهاء من تأسيسها)، وبناء عليه صدر تقرير من المركز في 27/9/2010 جاء فيه "بدراسة معايير الرفض الواردة بالمتطلبات التنظيمية لإذن قبول الموقع فقد وجد أن معايير الرفض هذه لا تنطبق على موقع المفاعل الأول للمحطة النووية الأولى بالضبعة ... ويجب على هيئة المحطات النووية استكمال كافة الدراسات المطلوبة لإذن قبول الموقع ..... بما فيها تقرير الأثر البيئي قبل البدء في دراسة أي تقارير خاصة بإذن الإنشاء"، وبدون هذا التقرير ما كان يمكن أن تبدأ هيئة المحطات النووية في وضع المواصفات والتأهب لطرحها في مناقصة عالمية.
الخلاصة: أحد العلامات الهامة في تطور أي مشروع لإنشاء محطة نووية هي اختيار موقع مناسب، ودراسة هذا الموقع لتحديد مدخلات تصميم المحطة النووية المتعلقة بالموقع، وإثبات أن الموقع لا يتضمن خصائص تحول دون التصميم الآمن لها، وقد تم إجراء كل الدراسات المطلوبة بالنسبة لموقع الضبعة، وثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الموقع – عكس مزاعم الطامعين فيه – هو واحد من أفضل المواقع النووية في العالم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com