بقلم: منير بشاي
لم تكد تقترب فترة الأربعين المقررة كحداد على نياحة البابا الراحل من نهايتها، حتى بدأنا نرى ماكينة الدعاية الانتخابية للبابا الجديد تنطلق بقوة، وكأنها لا تطيق الانتظار. فى خبر نشر فى موقع "الأقباط متحدون" بتاريخ 20 أبريل 2012 كتب جرجس وهيب:
الأنبا غبريال: أساقفة دير الأنبا بولا والمحرق يزكون الأنبا يؤنس للبابوية.
وكان رد الفعل عندى فور قراءة الخبر "هو احنا ابتدينا؟!". ورغم ان التزكية شىء سليم وهى جزء من عملية الاختيار ولكن ماذا عن الاعلان عنها واستخدامها للترويج لمرشح ما خاصة ان الانبا غبريال هو شقيق الأنبا يؤنس. فهل هذه محاولة عائلية لتحقيق ما رأته السيدة والدة الأسقفين فى المنام من أن ابنها سيصبح البابا القادم؟ وهل هذه بداية دعاية انتخابية من الأقارب والأصحاب للالتفاف كل حول مرشحهم المفضل مستخدمين ما هو متاح من أبواق الدعاية لفرضه على الجميع؟ واذا كان هناك من يعتقد ان الله كلمه فى حلم أو رؤيا، أليس من الأفضل الاحتفاظ بالامر لنفسه ولا يستخدمه للتأثير على الغير، الى أن يتحقق الأمر كما فعلت السيدة العذراء القديسة مريم عندما كانت تراقب شخصية طفلها يسوع الاعجازية اذ يقول عنها الانجيل انها "كانت تحفظ جميع هذه الأمور فى قلبها" لوقا 2: 51.
ومع ذلك أؤكد أن هذا المقال ليس محاولة لاستبعاد مرشح أو تلميع آخر، لأننا ان فعلنا نكون قد ارتكبنا نفس الاخطاء التى نحاول ان ننهى عنها. ولكن الهدف توضيح ان عملية اختيار من سيجلس على كرسى مار مرقس يجب ان تتبع معايير سامية تليق به، وتختلف عن ما يحدث عند اختيار المناصب الأرضية. لأننا لو لم نسموا بعملية اختيار البابا قد تنحدر الى المستوى الذى نرى المرشحين يستخدمون المساومة على ثوابت العقيدة كمحاولة لاكتساب رضاء الناخبين. فمثلا قد يأتى من يعد الناخبين بتغييرات ترضى مزاجهم البشرى مثل تقليل أيام الصوم أو تيسيير الطلاق أواباحة الزواج الثانى أو الخ. قد يبدو هذا مضحكا ولكنه وارد.
إن اختيار المرشح للمنصب البابوى يفرض صفات خاصة يجب ان يتحلى بها المرشح
أولا: الاحساس بالزهد فى المنصب
الكرسى البابوى لا يجب ان يكون منصبا يتهافت من أجله المرشحون. لا يجب ان يعلنوا عن أنفسهم ورغبتهم فى الحصول على المنصب مستخدمين وسائل الدعاية الأرضية الرخيصة لاقناع الناس بالتصويت لصالحهم.
جميع من سيتم الاختيار بينهم رهبان تركوا العالم بما فيه ليعيشوا حياة الزهد والتقشف والبتولية وليتفرغوا للصلاة والعبادة. لو كان هدفهم المناصب الأرضية لكان الأفضل لهم ان يظلوا خارج أسوار الأديرة. فالفرص هناك اكثر مواتية لتحقيق هذا عن العيش فى عزلة فى البرية. فكيف من مات عن العالم يتحول فجأة الى من يسعى للرئاسات والتسلط؟ كيف ينبهر بالاضواء والكاميرات والميكروفونات؟ كيف تستعذب أذناه كلمات الاطراء والتفخيم.
وقد سمعنا عن رهبان بعد ان علموا بترشيحهم للبابوية انهم لم يفرحوا بل حزنوا على اجبارهم ترك حياة النسك والرجوع للاضواء، وبعضهم كان يتهرب من المنصب بكل قوته. وحتى بعد جلوسهم على العرش البابوى، كانو يحسون أن قدرتهم على القيام بأعباء المنصب تنبع من تخصيص أوقات فى برنامجهم المزدحم للعودة الى الدير من وقت لآخر التماسا لأخذ شحنة روحية تساعدهم على أداء مهام وظيفتهم.
ثانيا: الإحساس بعدم الأهلية للمنصب
من الفضائل الهامة التى يجب ان يتحلى به الانسان عامة والراهب على وجه الخصوص هو الاحساس بالضعف البشرى فى مواجهة المسئوليات الكبيرة التى تنتظره. وهذا الشعور صحى اذا كان يقود الانسان لمعرفة قدر نفسه حتى يعتمد على قوة الله معطيا اياه كل الفضل. وهو يختلف عن الشعور المرضى المعروف بعقدة الشعور بالنقصinferiority complex الذى يشل الانسان ويوصمه بالعجز وقلة الحيلة ويؤدى به للفشل.
منصب البابا مسئولية كبيرة لا يجب ان يستخف بها انسان. على كتفي البابا يقع عبء الاهتمام بملايين الناس وآلاف الكنائس فى العالم. وقد عبر عن هذه المسئولية الرسول بولس عندما قال "التراكم على كل يوم.الاهتمام بجميع الكنائس. من يضعف وأنا لا أضعف. من يعثر وأنا لا ألتهب." 2 كو 28:11 و 29
البابا هو راعى الرعاة والذى يأخذ قرارات حساسة تؤثر على حياة ملايين من الرعية. ان لم يكن المرشح مدركا لجسامة المهمة التى تنتظره وانه غير كفء لها مهما كانت قدراته فلا يكون فى وضع من يلتمس عون الله بالحكمة والمشورة.
ثالثا: الاقتناع ان المنصب تكليف من الله
بالتأكيد من حق البشر ان يكون لهم دور فى اختيار للبابا الجديد ولكن الاختيار النهائى هو للروح القدس عن طريق القرعة الهيكلية. الناس تميل الى اختيار الأكثر شهرة والأكبر شعبية والأقرب الى قلوب الناس، ولكن الله يختار من يراه صالحا للعمل الذى أفرزه من أجله.
وما دام الاختيار هو لله، فلذلك لنتحذر من التدخل فى عمل هو صميم عمل الله. واجبنا هو ان نعطى الله الفرصة ليعلن لنا عن من يريده. ونبتعد عن التصرف كمن يريد ان يساعد الله فى الاختيار. الله لا يحتاج مساعدتنا بل يطلب خضوعنا الكامل لإرادته.
أقباط مصر أمامهم فى هذه الأيام اختيارين فى منتهى الأهمية والخطورة: اختيار رئيس الجمهورية واختيار رئيس الكنيسة. ومن بين هذين أعتقد ان اختيار البطريرك هو الأهم والأخطر بالنسبة للاقباط. ان البطريرك المؤيد بقوة الله يعرف كيف يتعامل مع رئيس الدولة بالحكمة والشجاعة ومهما كانت خلفيته وتوجهاته فلن يقدر ان يمس الكنيسة بأذى..
اللهم اعنا حتى نسلمك قيادة سفينة حياتنا، خاصة فى هذه الأيام حيث العواصف عاتية والأمواج عنيفة. وساعدنا أن نثق بأن من له السلطان ان يسكت العواصف ويهدىء الأمواج موجود فى السفينة وسيقودها الى بر الأمان.
ومن أجل كرامة الكرسى البابوى أتمنى ان يكون اختيار البابا القادم اختبارا روحيا نطلب فيه وجه الله ونسعى لتحقيق مشيئته، وليس ان نحولها الى معركة انتخابية سياسية.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com