بقلم: عادل جرجس
الحجاج بن يوسف الثقفي.. سياسي أموي وقائد عسكري، وخطيب بليغ من الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي والعربي، عُرف بـ (المبير) أي المبيد.. لعب دورًا كبيرًا في تثبيت أركان الدولة الأموية،. وأختلط في المخيلة الشعبية بروايات تدل على ميراث الرعب الهائل الذي خلفه. كان الحجاج بن يوسف بليغًا فصيحًا، محبًا للشعر، مُعظمًا للقرآن وآياته كثير الاستشهاد به غير عاملاً به، ويقول عنه الحسن البصري "إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإنه تعالى يقول "وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ"، سورة المؤمنون آية 76."
والحجاج كان يكفر من يخرج عن طوعة معللاً ذلك بأنه خروج على الحاكم وهو ما يعتبر خروجًا على الدين وهو ما يستوجب قتله فكان هو الخصم والمدعي والحكم والقاضي والجلاد وقد ولاه الخليفة عبد الملك بن مروان على العراق والعلاقة بين الحجاج وأهل العراق هي من أكثر العلاقات تعقيدًا وطرافة، ومن أكثرها ترويعًا في التاريخ الإسلامي، فالحجاج وُلي على العراق كارهًا لأهلها، وهُم له كارهون، واستمرت العلاقة بينهم كزواج كاثوليكي بالإجبار لا يجوز فيه الطلاق ولا أمل للفكاك منه إلا بموت أحد الزوجين.
كان الحجاج دائم السب لأهل العراق في خطبه، فكثيرة خطبه التي يذكر فيها أهل العراق بشكل سيئ، والتي يرى فيها العراقيون إساءة إلى اليوم. فدائمًا كان يذكرهم: "يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق...." و"فإنكم قد اضجعتم في مراقد الضلالة ".
فالحجاج هو رمز للتعنت والنفي والأقصاء بإسم الدين وهو ما يصل إلى "عذاب الله" كما وصفه الحسن البصرى إذا ما اقترن بالسلطة والقوة. وقد يكون هو الأصل الذي يتخذه كل المتطرفين الدينيين كقدوة ومثال في التعامل مع الآخر المختلف معهم في الرأي، ومقولته الشهيرة لأهل العراق "أني أرى رؤسًا قد أينعت وقد حان قطافها وإني لها" أصبحت هي دستور التطرف في القهر والقمع.
ولكن لماذا نتذكر الآن الحجاج بن يوسف الثقفي وقد مضى عهده وولى من عقود كثيرة وطويلة؟ السبب في ذلك أنني أحس أن شبح الحجاج يطل علينا بين الحين والآخر بظلاله الثقيلة متمثلاً فى قرينه "الشيخ يوسف البدرى".
* فالبدري هو "عذاب الله" لكل المبدعين والمفكرين اللذين أينعت رؤسهم فيتصدى لتلك الرؤس.
* البدري يتخذ من الدين وسيلة لقمع وقهر ومصادرة ونفي وتكفير كل من يختلف معه في الرؤى بحجة الخروج على الدين.
* لا يمتلك البدري القوة التي كانت تمكن الحجاج من تنفيذ كل نزعاته التكفيرية وهو ما فطن إليه البدري مبكرًا، فلجأ إلى تكوين جيش من المحامين ذوي الخبرة في لي ذراع القانون والدخول من ثغراته ليستنطقوا القضاء بما يريدون من أحكام، فأصبح البدري يملك من القوة ما يفوق ما كان للحجاج من قوة بحكم السلطة.
* من المعروف أن عناصر الفساد ثلاثة هي السلطة المطلقة والحقيقة المطلقة والثروة المطلقة، فامتلاك عنصر من هذه العناصر الثلاثة كفيل بإشاعة الفساد في المجتمع، والبدري هنا يمتلك على الأقل عنصران هما الحقيقة المطلقة النابعة من الاستقواء بالدين وهي ما ولدت له العنصر الثاني وهو السلطة المطلقة التي يستطيع من خلالها قهر كل المخالفين له.
* إن علاقة البدري بالمجتمع تشبه تمامًا علاقة القهر التي كان يحكم بها الحجاج أهل العراق، فالمجتمع لا يستطيع أن يتخلص من البدري لأن هذا سوف يعد خروجًا من المجتمع على الدين وأهله، كما أن البدري يريد إن إستطاع أن يتخلص من المجتمع ولكنه لم تتجمع له القوة بعد ليفعل هذا.
فالعلاقة إذًا قائمة بين الاثنين البدري والمجتمع على الرغم من كراهية كل منهم للآخر.
ولكن هل يستطيع البدري ولو على المدى الطويل منفردًا أن يقمع المجتمع كما فعل بن يوسف الثقفي؟ والأجابة هي بالتأكيد نعم، فمن يظن أن البدري يعمل منفردًا هو واهم، فالبدري تيار استشرى داخل المجتمع منذ سبعينات القرن الماضي حينما أطلق الرئيس السادات للتيار الديني العنان في التحكم في المجتمع، ولم يكن يدري السادات أن هذا التيار هو المارد الذي خرج من القمقم ولن يستطيع أحد أن يحبسه مرة أخرى في ذلك القمقم، وحينما شعر السادات بخطورة هذا المارد وحاول حبسه مرة أخرى ابتلع المارد السادات وأخذ المارد يعيث في الأرض فسادًا.
إن الخلاص من خلفاء الحجاج بن يوسف الثقفي لم يعد يقع على عاتق الشارع المصري، فلقد غيّب هؤلاء ذلك الشارع ولم يعد لدى الشارع المصري القدرة على المقاومة، فلم يعد المارد الديني هو الذي يهاجم هذا الشعب فلدينا مارد الفقر ومارد الجهل والمرض والبطالة والعنوسة وغيرها، كل هذا ينهش في عظام ذلك الشعب فأصبح مستسلمًا ولم تعد لدية قدرة على المقاومة، ولكن يبقى الأمل وإن كان ضعيفًا في مقاومة التيار القبطي والتيار العلماني وهو التحالف الذي يجب أن يتم في مواجهه التيار التكفيري، لأن الأقباط والعلمانيين أصحاب مصلحة واحدة في مواجهة هذا التيار -وأنا هنا أقصد بالتيار العلماني التيار الذي يتبنى العلمانية بالمعنى الإصطلاحي للكلمة "فصل الدين عن الدولة" وليس العلمانية بمعناها الكنسي-، فالجماعتين في حاجة إلى بعضهما - الأقباط والعلمانين- بل أنني أرى أن كل منهما يكمّل الآخر في تحالف تتضح معالمة كما يلي:
* العلمانيين لديهم القدرة على التنظير والتخطيط السياسي وهو ما يفتقر إليه الأقباط نظرًا لقلة خبرتهم السياسية، في حين أن العلمانيين تظل آرائهم محل التنظير بعيدًا عن التطبيق العملي على أرض الواقع لإفتقارهم إلى قواعد شعبية وهو ما يمتلكه الأقباط.
* إفتقار الأقباط إلى رموز سياسية بحتة فرموز الأقباط كلها رموز دينية حتى العلمانيين منهم تأتي علمانيتهم على خلفية دينية كنسية، كما أن علمانيو الكنيسة لا يتمتعون بشعبية وسط الأقباط نظرًا لمعادتهم للقيادة الكنسية ومحاولة تدخلهم فى الشأن الكنسي وهو ما يرفضه الأقباط، فالأقباط إذًا في حاجة إلى رموز محايدة لا تهتم بالشأن الديني ولكن تهتم بالشأن العام.
* نأتي هنا إلى أهم ملمح لهذا التحالف ألا وهو دور القيادة الكنسية، فلقد تحملت تلك القيادة الكنسية مرغمة التمثيل السياسي الضمني للأقباط وهو الدور الغير منوطة به فأثقل هذا كاهلها وأثر بالسلب على دورها الأساسي وهو الدور الروحي، ووجود قيادة علمانية سياسية سوف يجعل الكنيسة تنسحب تدريجيًا من الحياة العامة للأقباط ويبقى لها الدور التنويري الذي سوف يؤثر في خلق الوازع السياسي داخل التحالف.
هذه دعوة أطلقها لمن يهمهم الأمر ويكون قادرًا عليه في إنشاء تحالف قبطي علماني من أجل الدفع وراء الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية.. فهل من مستجيب؟
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com