بقلم- جمال محمود الهاشمي
جاء في كتاب "تاريخ الوهابيـين" لقائـد البحرية العثمانية العميد "أيوب صبري":
أرسل سعود بن عبد العزيز شروطًا إلى أهل المدينة في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي عند محاصرتهم في المدينة المنورة، جاء فيها:
المادة الأولى: يجب عبادة الله طبق أحكام الدين الوهابي وعقائده.
المادة الرابعة: يجب هجر دين الآباء والأجداد واعتناق الدين الوهابي والعمل بأحكام هذا الدين.
المادة السادسة: مـن يبقى ثابتًا على دين الآباء والأجداد، ولا يعتنق الدين الوهابي، يجب التضييق عليه بإظهار السخط والامتعاض منه واضطهاده بالحيف والعسف وامتهانه والإزدراء به.
المادة السابعة: يجب قتل العلماء الذين يأبون اعتناق الدين الوهابي أو إخبار أمراء الوهابيين بمكمنهم. اهـ.
وبهذه النصوص الواضحة يتبـين أن الوهابية عندما نشأت، نشأت على أنها دين جديد هو دين الوهابية وليس دين الإسلام.
ولقد نشأت الوهابية أول ما نشأت على أيدى الاستعمار الغربي لتكون الممهد الأكبر والأداة العظمى لتحقيق هدفين مقدسين عند الاستعمار الغربي العنصري الذي ما فتىء يستعمر ويدمر ويقتل في العالم الإسلامي باسم الصليب، هذا الصليب البرىء من كل ذلك، والذي هو عند المسيحي رمز الخلاص ورمز الفداء.
هذان الهدفان المقدسان عند الاستعمار الغربي العنصري هما: هـدم الإسلام وإقامة دولة يهودية صهيونية في قلب العالم الإسلامي.
هذان الهدفان هما الاستراتيجية الكبرى للاستعمار الغربي العنصري بكل صوره وأشكاله وأساليبه اللادينية واللاإنسانية، سواء كان هذا الاستعمار حربيًا أو ثقافيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا أو غير ذلك من صور وأشكال الاستعمار البغيضة.
هذه الاستراتيجية الكبرى كان لها تكتيكات وخطوات نظرية وعملية لتنفيذها، كان أهم هذه الخطوات هو إقامة دولة دينية ملكية في العالم الإسلامي تدَّعي في الظاهر أنها إسلامية وفي الباطن تكون هي المعول لهدم الإسلام والقضاء عليه نهائيًا.
لذلك، تعاون الاستعمار الغربي مع اليهود الصهاينة لإنشاء هذه الدولة مع وعد لليهود الصهاينة بمساعدتهم على إنشاء دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات.
قام الاستعمار الغربي بتجنيد الكثير والعديد من الشواذ فكريًا وعقائديًا داخل العالم الإسلامي من خلال أجهزة مخابراتهم لتنفيذ هذين الهدفين المقدسين للغرب الاستعماري، فاستقر الأمر في أواخر القرن السابع عشر الميلادي على اثنين كانا هما الأكثر شذوذًا فكريًا وعقائديًا وأخلاقيًا: الأول هو "محمد بن عبد الوهاب" الذي كان مولعًا بتتبع أخبار المدعين للنبوة حتى أن أخيه "سليمان بن عبد الوهاب" مؤلف كتاب "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية" قال: "إن محمد بن عبد الوهاب كان يدعي النبوة".
والثاني هو "محمد بن سعود"، هذه الشخصية التي اختلف عليها الباحثون والمؤرخون، فما بين أنه قاطعٌ للطريق وما بين مثبت أنه من عائلة يهودية من يهود خيبر.
الأول ليكون رجل الدين والثاني ليكون رجل المُلك والدولة، وذلك لإقامة دولة دينية ملكية في العالم الإسلامي، لأن التاريخ أثبت في جميع أطواره أن الدولة الدينية الملكية القائمة على البطش والوأد الفكري والجسدي هي الأدوم عمرًا.
نجح الاستعمار الغربي العنصري في إنشاء الدولة السعودية حكمًا وملكًا والوهابية دينًا، والمقصود بــ"الوهابية دينًا" هنا أنها قامت في الظاهر على أساس الإسلام ولكنها في الباطن قامت على دين جديد هو الدين الوهابي.
هذه الدولة السعودية الوهابية كان ضحاياها في بداية تثبيت حكمها أكثر من عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى كما أثبت ذلك المؤرخون، فقد كانوا يغيرون على قرى وإمارات يبـيدونها بأكملها قتلاً وحرقًا وتشريدًا، بناء على أن الوهابية دين جديد ومن لا يدخل فيه فهو حلال الدم حلال العرض.
فالوهابية تعتقد أنهم وحدهم أهل التوحيد الخالص، وأما سائر المسلمين فهم مشركون لا حرمة لدمائهم وذراريهم وأموالهم، ودارهم دار حرب وشرك.
وعلى هذا الاعتقاد المزيف الذى يخدعون به العوام، هل فكرت الوهابية يومًا ما بمصالح المسلمين الكبرى؟ هل فكروا يومًا في التصدي للمطامع الاستعمارية في بلادنا الإسلامية؟ هل شغلهم الغزو الغربي لبلاد المسلمين؟ ماذا قدموا في مواجهة النفوذ الغربي الاستعماري والنفوذ الصهيوني في بلاد الإسلام؟ ما هو موقفهم من الولاء للغرب الاستعماري وفتح الأبواب أمامه ليبسط يديه على ثروات المسلمين وعلى سيادتهم وكرامتهم؟
إن المتـتبع لتراث "محمد بن عبد الوهاب" وعلماء الوهابية من بعده لا يجد فيه أثرًا لعمارة الأرض، وإقامة العدل، وإنصاف المظلوم، ومكافحة الفقر والجهل.. ولا يجد فيه أثرًا لتحسين وجه الحياة، وتحقيق التقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي.. ولا أثرًا للسلم والرخاء.
إن الحقيقة التي أصبحت جلية لا ريب فيها أن الوهابية منذ نشأتها وحتى اليوم هي أول وأخلص خُـدام الاستعمار الغربي والكيان الصهيوني في بلاد المسلمين لنهب ثرواتها وخيراتها وإثارة الفتن والحروب وتمزيق المسلمين وهدم الإسلام.
وإذا كان هدفهم هدم الإسلام، فما بالك بالأديان الأخرى؟ وأهل الأديان الأخرى؟ إن الوهابيين هم مغول هذا العصر وتتاره، فهم إذا تمكنوا لن يتركوا أخضر ولا يابس لأنهم أعداء الإنسانية وأعداء التقدم والتطور.
* الباحث والكاتب الإسلامي
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com