ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

البابا شنودة الثالث مسيرة حب وعطاء (2) المحبة فى حياته وتعاليمه

القمص. أفرايم الأنبا بيشوي | 2012-03-27 00:00:00

بقلم :  القمص أفرايم الانبا بيشوى


البابا المحب لله ...


+ قدوة صالحة وميراث عظيم وكنوز لا تفنى من العظات والكتب تركها لنا قداسته..     فلم يترك أحد عبر التاريخ الحديث، عظات ذهبية مكتوبة ومسموعة ومرئية مثلما ترك  قداسة البابا شنودة، والذى جال يبشر بتعاليم وقيم السيد المسيح عبر مسيرة حياته ومنذ ان بدء يخدم الاولاد الصغار، كان يحب ان يخدم الجميع لاسيما التلاميذ الصغار الذين لا يود غيره خدمتهم لكونهم مشاكسين ويجذبهم بالمحبة الى الله ويعدل من سلوكهم ويحررهم ويستغل نشاطهم الذائد فى العمل الروحى منذ ان كان طالباً  جامعياً فى جامعة فؤاد الاول قسم التاريخ بكلية الاداب بالقاهرة فى 1943م  ودارس للاهوت وخادم يخدم فى مدارس الاحد ثم طالبا للاهوت ووعاظاً وخادماً امينا. وعبر عن محبته لله فى اشعاره التى كتبها فى شبابه المبكر، ثم من محبته لله ذهب دير السريان ليحيا حياة المحبة لله ويمارسها فقد تمت رسامته راهبا باسم الاب أنطونيوس السريانى حبا فى أب الرهبان فى18/7/1954م على يد الانبا ثاؤفيلس وكان قد تتلمذ على اب قديس هو القمص ميخائيل ابراهيم وشرب محبة الله من ارشاد سلفه العظيم القمص مينا المتوحد الذى صار البابا كيرلس السادس.


+ من اجل محبته لله عاش وعمل وعلم ... فقد دخل الى حياة الوحدة عقب رهبنة بسنتين وكان يقضى الليل فى صلاة وسجود وعمل وبحث وترجمة للكتب الروحية والنسكية وكان له الصلة القوية بالله كرجل صلاة . ذات مرة ذهب اليه الاب صرابامون السريانى الذى سامه البابا بعد ذلك فى سنة 1973 اسقفا ورئيس لدير الانبا بيشوى ، بالماء وبعض البقول والخبز وكان يحملها على جمل واراد ان يسأله عن بعض الامور الروحية وترك الجمل خارج المغارة واخذهما الحديث وعندما هم بالرحيل  لم يجدا الجمل فقد اختفى فى الصحراء وطمأن الاب انطونيوس صديقه فبعد رحلة بحث فى الصحراء اقبل القديس مارمينا يجر اليهم الجمل ثم يختفى . وعندما دُعى من الله ليكون أول أسقف للكلية الأكليريكة والتعليم فى سبتمبر 1962م لم يكف عن محبة الله واشعالها فى النفوس، فالانسان المتذوق لمحبة الله يريد ان يشعل العالم كله حبا. وكما قالت النفس البشرية فى سفر النشيد {اجذبني وراءك فنجري .. نبتهج ونفرح بك نذكر حبك اكثر من الخمر بالحق يحبونك} (نش 1 : 4).

 

هكذا كان قداسة البابا سفير المحبة الالهية على الارض والداعية اليها وكل من سمعه راى فيه المحبة العاملة والمتأملة والتى تقول ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب. واستطاع قداسته ان يجمع بين الخدمة ومحبة الوحدة وحياة النسك . فحتى بعد ان ترك الدير للخدمة وبعد ان صار بطريركاً كان يقضى  كاول بابا وبطريرك للكنيسة القبطية نصف اسبوعه فى القاهرة والاسكندريه فى الخدمة ومتابعة شئون الكنيسة والنصف الاخر فى مقره فى دير الانبا بيشوى بالصحراء وكنت تراه يسير فى الدير كواحد من الاباء فى تواضع ووداعه القديسين وبقى هكذا حتى وقت قريب عندما ضعف الجسد وكثرت الامراض واذدادت المسئوليات  فى العقد الاخير من حياته .


المحبة لله والغير كصدى لمحبة الله لنا


+ المحبة قمة الفضائل .. هكذا عاش البابا شنودة الثالث يعلم عن عظمة محبة الله لنا { الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه} (1يو 4 :  1). وكان البابا يدعو فى كل تعاليمه على نهج معلمه الصالح الى محبة اللة وان نحب بعضنا بعضا. وهذا ما علمه الرب عندما سأله واحد عن أعظم الوصايا أجابه قائلاً { وساله واحد منهم وهو ناموسي ليجربه قائلا. يا معلم اية وصية هي العظمى في الناموس. فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء} مت 35:22-40. والمحبة كما قال قداستة البابا هى جامعة لكل الفضائل { وأما غاية الوصية فهى المحبة، من قلب طاهر وضمير صالح  وإيمان بلا رياء} (1كو 1:13-3). ان المحبة المطلوبة منا هى صدى لمحبة الله لنا { فى هذا هى المحبة . ليس اننا نحن أحببنا الله، بل ان الله قد أحبنا وقد ارسل ابنه كفارة لخطايانا} (1يو 10:4). يقول قداسة البابا : ( ان الله قد أحبنا قبل أن نوجد، ومن اجل ذلك أوجدنا. فوجودنا هو ثمرة محبة لله. حينما كنا فى عقلة فكرة وفى قلبة مسرة) .


+  الله ومحبته كهدف روحى فى حياتنا ... اننا يجب ان نسعى الى معرفة الله ومحبته والاتحاد به كهدف روحى لحياتنا. كتب قداسة البابا فى شبابه المبكر قائلا : (لماذا أصوم؟ ولماذا اصلى؟ ولماذا أقرأ؟ هل لكى اصبح رجل صلاة، أو رجل صوم أو خلوة أو معرفة ؟ هل اريد ان تكبر نفسي، أو أن أكبر فى عينى نفسى، عن طرق النجاح والنبوغ فى هذا الطريق؟ هل أنا أحب الله ذاته، أم أحب الطريق الذى يوصل اليه؟ وتسأل قداسته قائلا هل اصلى من أجل لذة ومتعة الحديث مع الله وحلاوة الوجود فى حضرته أم من أجل أن أكتسب فضيلة أصل بها الى الحياة الاخري؟ وهل الصلاة فى نظرى هدف فى ذاتها أم مجرد وسيلة ؟ يجب قداسته قائلا ومعلماً ان كنت أثور على انسان عطل خلوتى وصلاتى ومن اجل الصلاة والخلوة، افقد سلامى الداخلى، وافقد سلامى مع الناس، وبالتالى يتعكر قلبى وافقد سلامى مع الله أيضا، اذن فقد اصبحت الصلاة هدفاً لا وسيلة، وفى سبيل هذا الهدف قد انحرف واخطى !. ان العبادة هى مجرد طرق يوصل الى الله، ولكن الهدف هو الله ذاته. والمحبة طريق والخدمة طريق ولكن واحداً هو الهدف، أعنى الله .. لماذا اذن نفقد الله من اجل المحافظة على الطريق الذى يوصل اليه ؟! . اننا نحب الصلاة والحديث مع الله لانها تقودنا الى الله. ثم يخلص قداسته فى نهاية الامر للقول : الكمال هو ان يكون طريقنا الى الله هو الله لانه ذاته هو الطريق ).


+ السيد المسيح جعل المحبة كعلامة يتميز بها تلاميذه... وكانت المحبة هى آخر وصية طلبها منا الرب { وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا. بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كان لكم حب بعض لبعض} يو 34:13-35. بل نجد ان القديس يوحنا الحبيب يجعل المحبة علامة للميلاد من الله فقال { كل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله. ومن لا يحب لم يعرف الله، لان الله محبة } 1يو 1:7-8. لقد أحب المسيح شعبه وبذل ذاته فداءا عنه وهكذا تعلم البابا شنودة من سيده واحب شعبه وقضى سنة حياته يناضل من أجل تعليمنا محبة الله وكان قائداً ذو رؤية ثاقبة وتواضع جم ومحبة روحية خالصة تسعى لخلاص كل أحد وهكذا احبه شعبه وتقاطرت الالف المولفة لحضور جنازنه حتى ان البعض اربعة قد ماتوا من شدة التزاحم  من أجل الوصول الى الكنيسة  التى كان جثمانه الطاهر مسجى فيها لالقاء نظرة الوداع عليه

. كما تابع الملايين عبر شاشات التلفاز من مختلف القارات جنازة القرن كما اسمتها الجرائد المصرية وغيرها من وسائل الاعلام . لقد كان البابا شنودة وسيبقى سفير المحبة ورجل السعى الى السلام والوحده بين كل ابناء الشعب المصرى . عانى البابا اليتم من امه عقب ولادته بثلاثة أيام وعانى انتقال ابيه فى الصغر ولكن نعمة الآب السماوى غمرت قلبه وأضاءت حياته فاعطى حياته لله والكنيسة والوطن ولهذا اصبح سفير للسماء ونورا للعالم وسيرة عطرة نتعلم منه فى حياته وحتى فى انتقاله للسماء تعلقت الملايين به وسنظل ننهل من بحر تعاليمه وسيرته العطرة .


+ الدين رحلة حب نحو الله والناس ...  ان الدين هو مسيرة محبة نحو قلب الله وتعبر فى طريقها ويعبر عنها فى محبة الناس وخدمتهم، فالمحبة كما قال عنها القديس بولس الرسول هى رباط الكمال{ وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال }(كو  3 :  14). فهى الرباط المقدس الذى يربط الناس بالله وهى جوهر الدين والتدين . ونحن لا نستطيع ان نصل الى محبة الله دون ان نحب الناس ولهذا نجد الانجيل يعلمنا  { الذى لا يحب أخاه الذى يبصره، فكيف يحب الله الذى لا يبصره} 1يو20:4. ان محبتنا للناس تنتج عنها العديد من الفضائل: تلد الثقة والتعاون، والعطاء والبذل، والصداقة والتضحية، والسلام مع الغير. وتجعل الانسان يضحى ويحتمل ويبذل من أجل راحة الآخرين وسعادتهم وهكذا كان قداسة البابا، فكما عمل وعلم قداسته قائلاً : (المحبة هى خروج من الذات وانانيتها . بحيث ينسى الانسان ذاته ليربحها، فلا ينحصر الانسان فى مصلحته وانانيته انما فى داخل قلوب الناس ويحيا لاجل الغير وعمل الخير ويري الانسان ان خير الغير هو خير له وهكذا عاش ابينا البابا شنودة الثالث فملك على قلوبنا بمحبته وقادنا الى محبة الله والغير والخير ).
 
المحبة فى العلاقة بالناس وعمل الخير
 
+ بالمحبة عاش البابا ... المحبة هى الاصل فى العلاقة بين الله والانسان، وبين آدم وحواء ونسلهما بل وبين الانسان والحيونات وفى ظل المحبة لم يكن فى طبع الحيونات الوحشية أوالافتراس ولم يعمل الانسان على قتل او اصطياد الحيونات وهكذا عاش الانسان مع كل اشكال الحيونات والطيور حتى عصر نوح وفى الفلك . المحبة هى الاصل والبغضة دخيلة على الطبع البشرى بسبب الطمع والانانية والكراهيته وعمل وحسد ابليس . هكذا عاش ابائنا المتوحدين فى الصحراء مع الوحوش فى آلفة وعدم اعتداء بل خضعت لهم الوحوش فنسمع عن اسدين ياتيا للانبا انطونيوس ليقوما بنبش واعداد مكان ليوارى فيه جسد الانبا بولا أول السواح فى منتصف الفرن الثالث الميلادى، وكما قال احد الاباء ان الطاعة والتواضع يخضعان لنا الوحوش ، كان قداسة البابا كيرلس السادس فى وحدته تتألف معه حتى الوحوش والزحافات من حيات وعقارب وهكذا عاش البابا شنودة فى مغارته فى الصحراء بل استطاع بمحبته ان يحول كثيرا من الذين هم ضده الى اصدقاء.


+  المحبة فضيلة عظمى ... يعلمنا الكتاب ان المحبة هى أعظم الفضائل وكل فضيلة خالية من المحبة ليس فضيلة حقيقية ، هكذا ان لم يكن عطائنا للفقراء فيه محبة فهو ليس شئ. هكذا كان قداسة البابا كما شهد عنه المقربين منه لاسيما فى لجنة البر كل خميس التى كان يحرص على خدمتها بنفسه فكل الحالات التى كانت تصل اليه كان يقدم لها أكثر مما تطلب وكان المحتاجين يشعرون بمدى حرصه على خدمتهم وارضائهم كمن يرضى الله وهذه هى الديانته الطاهرة الكاملة  المرضية لدى الله الآب. فهو الذى قال : (ان الله فى يوم الحساب، سيفحص جميع فضائلنا ويكافئنا فقط على ما فيها من حب. اما الفضائل الخالية من الحب فليس محسوبة لنا بل أخشى ان تكون محسوبة علينا. فالمحبة تدخل فى كل وصية حسب قول الكتاب {لتصر كل أموركم فى محبة}1 كو14:16. فان وصلت الى المحبة تكون قد وصلت الى الله  واذا ملكت محبة الله على قلبك فانها تطرد منه الخطية وتطرد الخوف).


+ نقص المحبة يولد الرذائل ... ان كانت المحبة لها قوتها ولا تنهار {المحبة لا تسقط ابداً } 1كو8:13. فان نقص وضعف المحبة يولد البغضه والكراهية والعداوة والغضب والحقد وقد يتطور الى اشاعة المذمة أو القتل والكبرياء والقسوة وكلها اعمال ابليس الذي كان قتالاً من البدء وهو كذاب وابو كل كذاب.  كما ان نقص محبتنا لله يقود الى السقوط واهمال الصلاة والبعد عن الله والكنيسة وعدم الشعور بوجود الله والهروب منه .
+ كانت حياة السيد المسيح وتجسدة مسيرة حب من الله نحو الانسان وكل معجزاته وأعماله كان يفعلها من اجل محبته وتحننه وهكذا على خطاه كانت مسيرة حياة قداسة البابا مسيرة محبة وبذل وكانت المحبة هى الدافع لخدمته القوية ومن اجل المحبة نجحت الخدمة ونمت وأمتدت وكما يقول قداسته (الاصل فى الخدمة هو ان نحب الله وملكوته وابنائه وبناته ونريد ان يحبوا الله ونبذل كل جهد لنقوم بعمل المحبة نحوهم ) وهذا  ما رايناه فى راعى رعاة كنيستنا فليذكر له الله تعب محبته وعطائه من أجل خدمة الكنيسة وشعبها وبلاده واستقرارها وسلامها .

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com