ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

عن المادة الثانية والشريعة

د. صبري فوزي جوهرة | 2012-02-08 00:00:00

بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
قدَّم برنامج "وطن ف المهجر"، الذي يُعرض على موقع "الأقباط متحدون" وقدَّمه الأستاذ "مايكل فارس" منذ أيام قليلة، حلقة اُستضيف فيها الزميل والصديق العزيز الناشط القبطي الكندي المعروف الأستاذ "نبيل عبد الملك". ولقد استمتعت بالكثير جدًا مما قال "نبيل" بأسلوبه المنطقي القوي الواضح إلى أن قارب البرنامج نهايته، وتطرَّق الحديث عن المادة الثانية من الدستور وتطبيق الشريعة الإسلامية في "مصر". عندئذ صرَّح "نبيل" بأنه لا يمانع في تطبيق الشريعة الإسلامية وإعادة وضع المادة الثانية في الدستور الجديد، وهنا أؤكِّد- عن علم بتاريخ وأعمال "نبيل"- ثقتي التامة في إخلاصه التام للقضية القبطية وحبه الشديد لـ"مصر". وأعلم مدى التزامه المطلق بالمطالبة بحقوق المواطنة الكاملة غير المنقوصة لأقباط "مصر" أسوة بمسلميها، إلا أنني وجدت نفسي على خلاف معه في بعض ما قال، وشرعت في أن أعرض الأمر عليه وعليكم.

فإذا تطرقنا إلى مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية في "مصر"، ألح علينا سؤال آخر: أمال اللي بيتطبق في "مصر" الأن ومنذ قرون- باستثناء ما أصبح معاديًا لمفاهيم الإنسان في هذا العصر- شريعة منْ؟ حقيقة الأمر هي أنه ما تبقى مما يمكن ممارسته من الشريعة الإسلامية مطبَّق فعلاً في "مصر". إن الشريعة أيها السادة تطبَّق على مسيحيي "مصر" عند تقاضيهم بحجج مختلفة، مثل أفضلية الدين الإسلامي على غيره من الديانات عندما يريد زوج مثلاً أن "يبهدل" زوجه الآخر بإشهار الإسلام ويسحل الطرف الباقي على ديانته في المحاكم وخارجها، أو فرض شروط الشريعة السمحاء على مختلفي الملة من المسييحيين كما لو كان ليس من المستطاع وضع قانون محايد يتناول مثل هذه القضايا دون اللجوء إلى شريعة أبعد ما تكون عن عقيدة أي من الطرفين المتنازعين. وماذا عن تحريم قتل المسلم بدم المسيحي؟ بل إنني على استعداد بالقول بأن السواد الأعظم من مسلمي "مصر" لا يقبلون التمادي في فرض حدود شريعة الإسلام أكثر من هذا، مثل قطع يد السارق أو رجم الزناه كما شاهدهم العالم بأكمله على الشبكة العنكبوتية، أو ممارسة قواعد "الاقتصاد الإسلامي" في كوكب تشابكت فيه تلك المعاملات بقدر يجعل من المستحيل، ولا أقول من غير صالح "مصر"، التعامل به.

لا أريد كذلك أن أعاود ذكر ما يعلمه الجميع، المسلمون قبل المسيحيين، من أن الشريعة قائمة على معطيات القرآن والأحاديث والسنة، وفي ثلاثتها نصوص تحتوي على الكثير من الأمور ونقيضها التام. وبالطبع هناك تفسير لكل شيىء تحت السماء. الله مش متلخبط ولا حاجة لا سمح الله، بل أنه أراد أن تكون أحكامه، تعالى في علاه وحكمته، "مبهوقه" حتى تسمح بالتغيير المستديم في الحياة. أليس الدين يسر والناس أعلم بأمور دنياهم؟ يقوم ربنا يضيق عليهم ليه؟ وفي رأي آخر أن التناقض الظاهر يرجع إلى عدم تفهم الظروف التي أحاطت بكل قولين متناقضين. وبالتالي تتطلب هذه الأوضاع غير الثابتة والمتغيرة تفسير هذه الأحكام الإلهية بواسطة أناس من البشر قد يكون بينهم المصيب والمخطىء و"المتحين" بالبترودولار والمتملق والطامع في منصب أو في سلطة أو حكم، إلى آخر هذه القائمة المخزية الحزينة. ثم ما هو "موقع" هؤلاء المفسرون وقد رفض الإسلام "الكهانة" وسمح لكل مسلم بأن "يجتهد"، بالرغم من أن كل الاجتهاد اللي في الدنيا لم يؤدي إلى الآن سوى لفشل وخيبة ومقبع مؤكد في أسفل سافلين العامود الطوطمي.

بقى يا نبيل عايز ده يبقى حالنا بعد كل هذه القرون من البؤس والشقاء، وأخيرًا عندما أفقنا من سبات أهل الكهف وبذلنا الدماء والأرواح، عايزنا نتمسك بمكاننا المعهود في الحضيض؟ الله يسامحك!

ولقد اعتمدت في حديثك على ظهو وفكر مستنير لتصحيح هذه الأوضاع الحزينة، ولو افترضنا أنه لسبب أو آخر، ربنا رزقنا بتيار إسلامي "مستنير" للقيام بهذا العمل شبه المستحيل، فمن أين لنا ضمان بقاء هذا الفكر المستنير في ظل ما أشرت إليه عاليه من تناقضات مبنية في صميم الشريعة. أيها السادة، مستقبل الأوطان والشعوب لا يجب أن يكون رهينة حسن نوايا فرد أو جماعة، بل يجب أن يقوم على أسس من الحق والعدالة والأخلاق.

حاول "نبيل" تفسير قبوله للمادة الثانية وتطبيق الشريعة بما اعتقد أنه سيؤدي إلى ما أسماه "وطن متحاب"! متحاب إزاي يا باشا لو كان بين أبنائه "أعلون" أنعم عليهم بنعمة الإسلام و"مخفوسون" ليس لنقص بهم أو لتقصير منهم أو لانتمائهم إلى قبائل أكلة لحوم البشر وليس لـ"مصر"، بل لأنهم ببساطة من غير المسلمين؟ كيف "يتحاب" واحد مسجل أنه "أعلى" مع واحد "أوطى" ومش من مقامه وأبوه مش قائد طابيه؟ فيه حد شاف صاحب قصر منيف "يتحاب" مع شوفير المدام؟

أصر "نبيل" كذلك وأكَّد أكثر من مرة أن الشعب المصري "لن يقبل بالقهر". هنا يجب أن أذكره، مع حبي الشديد لبني وطني كافة، والله وحده الذي يعلم ما في قلبي نحوهم جميعًا وفخري بمصريتي بلا حدود، إلا أن "رفض القهر" هذا ظاهرة جديدة جدًا علينا يا دوب بتكمل السنة وربنا يستر عليها ولا تموت في طفولتها. لندعو كل منا ربه أن تكبر وتنضج وتجيب لنا صبيان وبنات.

وإحقاقًا للحق، فإن الأستاذ "نبيل" في حديثه عن قبول المادة السامة قد عاد وكرَّر لأكثر من مرة أن هذا القبول مشروط تمامًا بوجود نص واضح في الدستور يؤكد ويرسخ مبدأ تساوي المواطنين تمامًا وقاطبةً بصرف النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم إلخ.... مرة ثانية: ألا تجد هذا النص في كل دستور من دساتير "مصر" بما فيها دستور "السادات" المشئوم؟ فيه دستور في الدنيا يجرؤ على أن ينص على غير ذلك؟ ولماذا الإصرار علي هذه المادة أصلاً وهي تعطي للجهلاء والمتعصبين النص اللازم لإصدار الأحكام الظالمة ضد المسيحيين؟ وهل "اتدهولت" جميع البلاد التي لم تفطن إلى ضرورتها الشرطية لتحقيق آمال الشعوب؟  دعني الآن أسرد أسباب رفضي القاطع لهذه المادة الثانية وما شابهها مع علمي التام بأنها ستبقى في الدستور الجديد مهما قلت أنا وأمثالي، فقد تبرمَّج هذا الخطأ الفاحش في واقعنا بلا أمل في تصحيح قريب. أرفض المادة الثانية أو أمثالها حتى ولو جاءت في آخر سطر فى الدستور، للأسباب الأتية:

أولاً- ليس للدول ديانات، فلم نسمع عن دولة تعمدت أو طافت حول الكعبة وقبَّلت الحجر الأسود.

ثانيًا- في قبول هذه المادة تجاهل ونفي لمكون أساسي من أعرق مكونات "مصر" وأكثرها أصالة، وهو المكون المسيحي للحضارة والثقافة والحاضر والتاريخ المصري.

ثالثًا- الأقباط هم ما تبقى من الحضارة المصرية الأصيلة غير الممتزجة (بلاش أقول كلمة تانية)، ويتحتَّم عليهم إذا أصروا على شرف الانتماء إلى تلك الحضارة الحفاظ على القدر الندير المتبقي منها. نحن حراس حضارة "مصر" يجب أن نتصدى لأي غزو جديد بقدر المستطاع. نحن أمل "مصر" في ألا تكتسح بتيارات التأخر والهمجية.

رابعًا- يجب أن نسجِّل للتاريخ رفضنا القاطع لإغراق وطننا بمفاهيم وعادات غريبة هي أبعد ما تكون عن حضارة "مصر". لا نريد أن يُقال عنا في المستقبل ما قيل عن أسلافنا كذبًا وافتراء إننا قد قبلنا فكر همجي متأخر قادم من الخارج لانتشال بلادنا من التردي. لا شك أن رفضنا هذا سينتهي بالفشل هذه المرة، ولكن ستبقى لنا حقيقة التاريخ إلى أن تزول الغمامة ويشرق نور الوعي والحضارة مرة ثانية على أرض "مصر" وما يجاورها.

يجب أن تتجمع كتلة حرجة من المصريين المحبين لوطنهم والآملين في مستقبل أفضل لأولادهم ليعملوا جميعًا على مقاومة المادة الثانية وعلى تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل أكثر تشددًا مما هو قائم فعلاً، بل وإلغاء المجحف منها لحقوق الأقباط والأقليات العددية. وعلى هذه الكتلة العمل على تحقيق هذه الأهداف في كل محيط ومجال داخل أروقة السياسة وخارجها. مهمة شبه مستحيلة، ولكنها هي الطريق القويم الوحيد، أما ما عدا ذلك فمبني على أسس ملوثة، وسيأتي انهياره مدويًا ومبهرًا إن آجلاً أو عاجلاً.

تيار الحضارة معنا. فلنقل كلمتنا بشجاعة من يمتلك الحق ولا نمارس خداع الذات أو الجري وراء السراب.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com