بقلم : أنطوني ولسن
fكاتش 22 والتي تعني خدعة الـ 22 أنك لا تستطيع أن تمسك بأي رقم من الإثنين ، لأن إن بدأت برقم 2 ستواجهك مشكلة الـ 2 الثانية وتجد نفسك في حيرة من أمرك أمام مشكلة الكاتش 22 هذه .
نطبق نظرية هذه الكاتش22 على ما هو عليه الوضع في مصر منذ الثورة وحتى اللحظة وإلى ما لا يعلمه غير الله.
الأحداث منذ 25 يناير العام الماضي 2011 ينطبق عليها وضع الـكاتش 22 ، أي خدعة الـ 22 التي لا يمكن أن تجد لها لا معنى ولا تفسير ولا حجة تستطيع أن تناقشها أو تتعقبها أو لماذا كل هذا و... و .. كل ما يخطر على بال أحد لا عاقل ولا مجنون ، لا حاكم ولا محكوم ، لا شريف ولا خائن ، كل شيء باهت ، لا رؤيا واضحة ، لا شفافية فيما يتكلم به أو يصرح به أي مسئول إن كان عسكريا أو شرطيا أو مدنيا أو حتى سياسيا ولن أكون مغاليا لوقلت ولا من رجال الدين المسيحي ولا المسلم كل يغني على ليلاه . الغريب في الأمر جميعهم يتشدقون بمصر ويقسمون بها وعليها ليثبت كل فريق منهم أنه هو ولا غيره المحب لمصر حتى من فضلوا أن يحكمهم ماليزي أو أندونيسي .
مصر في محنة ومنحنى خطير جدا . محنة مصر في تخبط بنيها بين الدين وبين الدنيا . والمنحنى ما سيأخذ مصر إلى التهلكة بسبب صراعات الفريقين .
الثورة قامت من أجل أن يحكم مصر نخبة من شبابها الذين قادوا الشعب المصري في مسيرة ثورية مطالبة بالتغير وإقصاء الحاكم ونظامه . قيادات الثورة لم تستخدم سلاحا للوصول إلى تحقيق غايتهم ، ولا لبسوا عباءة الدين ليحصلوا عن طريقها بتأيد وتعاطف البعيدين الذين لم يشاركوا معهم في البداية إن كانوا رجال دين أو مدنيين . لكنهم إعتمدوا على إيمانهم بحتمية التغير لملاحقة الركب الحضاري الذي بجزء صغير منه إستطاعوا جمع الملايين من أبناء مصر على قلب رجل واحد لإسقاط نظام ثبت فساده وعدم صلاحيته للحكم ولا إمكانية إصلاحه ليحكم بما يطالبونه .. عيش ، حرية وعدالة إجتماعية . والواضح من طلباتهم ، عيش ، بمعنى الخبز الذي هو أبسط ما يمكن أن يكون عاملا على العيش أي الحياة . والحرية التي تحميها العدالة الإجتماعية هي مطلب كل إنسان له تطلعات لن يستطيع تحقيقها في مجتمع القمع وعدم وجود العدالة الإجتماعية التي تعني الجميع متساون في الواجبات والحقوق وحق العيش الكريم . مطالب بسيطة حرم منها الشعب المصري لعهود وعقود تراكم خلالها ذلك الكم الهائل من ظلم وتخلف وإضطهادات لشعب قالوا له إرفع رأسك فرفعها ظانا منه أن قامته سترتفع ويشعر بكيانه ووجوده فإذ بهم يضربونه على قفاه ويذلونه أو يقطعون رأسه فيخاف الأخر ويحني رأسه ويعيش ذليلا .
قامت الثورة مدنية لا دينية والتف حولها كل الشعب شبابا وشابات ، رجالا ونساء ، مسلمين ومسيحيين وغير متدينين جمعتهم جميعا بوتقة واحدة صهرتهم في حب مصر ولا شيء غير ذلك حتى أن ذلك الحب أعماهم أو جعلهم لا يفكرون في تولي مناصب أو تكوين حكومة أو ما شابه ذلك .لهذا كانت تجمعاتهم وأهدافهم لها إتجاه واحد ومطلب واحد " إرحل .. إرحل" .
رفضت التيارات الدينية وعلى رأسها الإخوان تلك الثورة وهاجمت شبابها بعضا من الإسلامين السلفيين بالشرع على أساس أن الحاكم طاعته واجبة ومقدسة حتى لو كان فاسدا .. والأخر لم يتخيل أو يظن أن أولئك الشباب الأعزل يستطيع إسقاط صرح حاكم أحاط نفسه بسياج متين من قوات أمن حماه طوال سنين عديدة وحمى أسرته وجيش يأتمر بأوامره . لذا لم يعيروا الثورة إهتماما وتعاطفوا مع الحاكم ولو ظاهريا وتنكروا للشباب .
أثبت الشباب قدرته على الصمود .. ساند الجيش الشباب ، لا حماية لهم ولا إيمانا بهم وبحقوقهم المهدورة .لكن لأن الجيش الذي على رأسه المشير طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يكن راضياعلى فكرة توريث الحكم لمدني " جمال مبارك الذي لم يجند " .
بدأت الرؤيا تطضح أمام الإخوان أن الشباب لن يتراجع فأداروا ظهرهم للحاكم وبدأوا المشاركة ونزلوا بكل ثقلهم الديني في الشارع المصري،وسارع للحاق بهم من إعترضوا على معارضة الحاكم وبدأ تقسيم مصر بينهما متجاهلين تماما شباب الثورة وساندهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي توهم أنه سيستطيع إستمالتهم إليه إذا ما وقف إلى جوارهم وساندهم وفضلهم على غيرهم من قطاعات الشعب إن كان على المستوى الديني أو المدني . فماذا حدث ؟؟!!.
على الرغم أننا جميعا نعرف ماذا حدث ، إلا أنه من المستحسن أن نعيد للذاكرة بعضا من الشبهات التي أحاطت بكل من المجلس الأعلى للقوات المسلحة والجماعات الإسلامية وعلى رأسهم الإخوان .
أحداث قرية أطفيح وهدم الكنيسة بأيدي المتشددين بعد حرقها وتهديد سبعة الاف أسرة بالتهجير ولجوء المجلس إلى شيوخ السلفيين للتدخل لحل المشكلة . لو حدث هذا في ظرف غير الظرف لقلنا كتر خير تدخل المشايخ ، لكن أن تستعين القوة الحاكمة بهم له أكبر دليل على إعطاء الضوء الأخضر للجماعات الإسلامية بزيادة نفوذها على أحداث الشارع المصري في طول البلاد وعرضها مما وضع علامات إستفهام كثيرة على تصرفات المجلس الأعلى . ومع ذلك في كل مرة كنا نأمل بتغير الأسلوب الذي يتعامل به المجلس مع الأحداث المتتالية ومنها ما كان داميا ومؤسفا وباعثا على الإمتعاض من تصرف المجلس الذي ظهرت نواياه واضحة برغبته بتولي الإخوان وبقية الجماعات الإسلامية السلطة الكاملة لهم آملا في أن يتركوا لهم " المجلس الأعلى " سدة الحكم بأن يكون رئيس الجمهورية من بينهم . لكن يبدو أن المجلس شعر بعطش ونهم الإخوان للتملك الكامل والسيطرة الكاملة على كل أمور مصر.
وهنا بدأت الكثير من الأحداث تأخذ شكل الرخوة من المجلس الأعلى في إدارة أمور الوطن فازدادت الجريمة والعصيان وأستمر الخلل الأمني على الرغم من تغير الوزارة ومجيء وزارة الجنزوري وتعين وزيرا للداخلية مشهود له بالحزم ، وبالفعل أظهر وجوده في حالات وغيابه في الكثير من الحالات أخرها ما تعيشه مصر مع ما حدث في إستاد النادي المصري ببورسعيد يوم ألأربعاء الأول من شهر فبراير لعام 2012 والمجزرة التي فاقت كل المجازر السابقة إن كان في موقعة الجمل وماسبيرو وشارع محمد محمود وميدان التحريروغيرها من أحداث هنا وهناك وكلها تشير إلى الفلتان الأمني .
أحداث بور سعيد أوضحت تماما أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت رئاسة المشير محمد حسين طنطاوي لها يد فيها ولن يغفر للمجلس ولا للمشير إعلان الحداد على أرواح الشهداء بأيدي مأجورين يعرف الأمن عنهم مقدما ما كانوا ينون فعله ، فقد قام الأمن متعمدا بفتح البوابات أمام الجماهير ليسمح لهم بالدخول المجاني وبدون تذاكر أو حتى تفتيش ، لتدخل مجموعات مسلحة بالمسدسات والسيوف والكثير من التجاوزات من الأمن منها عدم التدخل لوقف المجزرة التي راح ضحيتها ما فاق ضحايا الأحداث الدامية السابقة والتي بلغت مايقرب من 76 شهيدا وأكثر من 450 مصابا بعضهم بإصابات خطيرة .
وهنا يقودنا بضرورة العودة إلى الــ " كاتش 22 " والتي يحتار العقل فيها بمن يجب البدء بتوجيه اللوم له لما حدث لمصر ويحدث وسوف يحدث وإقصاءه !!.
كتبت في جزء من بداية المقال " مصر في محنة ومنحنى خطير جدا . محنة مصر في تخبط بنيها بين الدين والدنيا " ، وفي هذا القول الحقيقة كل الحقيقة فقد ساهم المجلس الأعلى في حدوث ذلك لمناصرته مناصرة كاملة للجماعات الإسلامية على حساب الجماعات المدنية والليبرالية مما حول الدفة إلى صالح الإسلامين بدءا بالإستفتاء المؤسف على تغير بعضا من مواد الدستور في 19 مارس من العام الماضي 2011 وإلى النجاح الذي حققته الجماعات الإسلامية من فوز بالأكثرية في المجلس " البرلمان " وتم الحسم في السيطرة على المجلس الذي سيدير شئون مصر مستندا إلى دستورية شرعية وهي الأنتخابات التي أعطتهم الحق في ذلك . وأستطيع أن أقول أن خدعة الـ " كاتش 22 " لم يعد لها مكان من الإعراب .
لكن بقيت هناك مشكلة أخري وتشكل أيضا نفس مشكلة الـ " كاتش 22 " والتي أصبحت بين الجماعات الإسلامية الراغبة في كل شيء والمجلس الأعلى الذي بدأ يستشعر بخروجه من المولد بلا" حمص " . فهل هناك حل لهذه الخدعة حتى يمكن لأحدهما أن يفوز على الأخر في هذه المرحلة الحرجة ؟؟؟!!!. أعتقد أن خدعة الـ " كاتش 22 " لا حل لها لأرضاء أحد الطرفين مثلما حدث مع التيارات الأسلامية وتغليبهاعلى التيارا ت المدنية بتفضيل أحدهما على الأخر . لكن في وضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعلى رأسه المشير طنطاوي وهذه المرة التيارات الإسلامية الحاكمة وعلى رأسها الإخوان المسلمين يبدو لا حل لها إلا بتغاضي أحدهما عن أحلامه وخروجه من الحلبة والصراع الدائر بينهما والذي يدفع ثمنه الشعب المصري .وهذا الأمر تشوبه شبهات عدم الرغبة من الطرفين للتنازل للأخر . وهذا يعني المزيد من دماء الشعب المصري المغلوب على أمره .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com