بقلم: هيام فاروق
لا شك أن جزءًا كبيرًا من صراع "مصر" الحضاري نحو المستقبل يكمن في صراعه مع بلد مجاور اسمه "المملكة العربية السعودية". فهذا البلد لن يسمح لـ"مصر" أبدًا أن تتحوَّل إلى دولة ديمقراطية.. مدنية.. تتبنى القيم الإنسانية الحديثة التي يتعايش فيها الإنسان مع أخيه الإنسان؛ لأن هذا البلد الذي تأسَّس على التعصب القبلي والديني يرى في وجود "مصر" الديمقراطية القوية خطرًا على وجوده نفسه. ولذلك فقد تحداها منذ البداية.. تحداها عندما دعم حركة الإخوان المسلمين ضد قيم ومبادئ ثورة 1919م الليبرالية العلمانية.. ثم تحداها عندما ناهض التجربة الناصرية الإشتراكية العربية وساهم في إسقاطها، وهو الآن يتحدى ثورة يناير وتطلع الشعب المصري نحو الحرية والعدالة الاجتماعية، ويدعم الحزب السلفي الذي زرعه على أرض بلادنا بكل ما يملك من مال ونفوذ.
تريد "السعودية" لنا أن نظل بلدًا تابعًا ذليلًا، نفتح لها أبواب بلادنا على مصراعيها دون قيد أو شرط، تبيع وتشتري فينا دون قيد أو شرط، تتزوَّج وتطلِّق نسائنا دون قيد أو شرط، تستورد عمالتنا الرخيصة دون قيد أو شرط، نمجِّد لها ثقافتها وتاريخها دون قيد أو شرط، فيلتحي رجالنا وتتنقب نساؤنا عائدين إلى غياهب القرون الوسطى دون قيد أو شرط، لننسى بكل ذلك تاريخنا المجيد دون قيد أو شرط. وها هو حزبها السلفي قد بدأ العمل على تنفيذ سياسة سيده السعودي، فاستولى على لجنة التعليم بمجلس الشعب تمهيدًا لسعودة الإنسان المصري، وبدأ في جلب العصي الكهربائية من "السعودية" ظنًا أنه سيرهبنا بها، ناسيًا أو متناسيًا أن "مصر" ليست "سعودية"، وأن "مصر" بلد لكل دين وكل ثقافة وكل فن وكل أدب.. إن "مصر" قامت على الود والدفء والمحبة منذ نشأتها، فالدين فيها لله والوطن للجميع منذ فجر التاريخ.
لو كانت "السعودية" مثالًا ناجحًا فربما أصبح هناك مبررًا لإتِّباعه، ولكن أين ذلك المثل؟ فبلد يملك جزءًا كبيرًا من ثروات العالم مازال يُحسب ضمن دول العالم الثالث بسبب قيمه اللاإنسانية المتخلفة التي تحظر على أصحاب الديانات الأخرى دخول أماكنه المقدَّسة بينما يقتحم هو كل مقدسات العالم. بلد مازال يمارس قوانين الكفالة التي تبيح للإنسان استعباد أخيه الإنسان، بلد لا يخرج منه علماء أو أدباء أو فنانون، بلد لا يساهم بشئ في مسيرة الحضارة سوى ببراميل البترول، أي مثل لـ"مصر" تحتذيه في "السعودية"؟ "مصر" التي اخترعت الزراعة والكتابة والحكمة والحضارة، "مصر" التي عاصرت وساهمت في كل تاريخ البشر أي مثل تحتذيه في "السعودية" سوى أن تخرج في النهاية كيانًا مشوَّهًا، فلا هي تصبح "سعودية" ولا هي تظل عظيمة مصرية؟
فيا شباب ثورة يناير، أفيقوا إلى الخطر المحدق ببلادنا. أتريدون تسليم السلطة؟ لمن؟ للتيار الديني؟ (ما أسخم من سيدي إلا ستي)، فليس العسكر وحدهم هم منْ يجب أن تخافوا، ولكن السلفيين والإخوان ومن ورائهم هم منْ يجب أن تخافوا بالفعل. فإذا رفعتم شعار "يسقط يسقط حكم العسكر" لا تنسوا أن ترفعوا معه شعار "يسقط يسقط حكم السعودية وتيارها السلفي الإخواني".. هكذا تتحدَّد أهداف الثورة الحقيقية، وتصبح الديمقراطية والعدالة الاجتماعية هي أهدافنا المعلنة، وتصطف الصفوف، وتبدأ المعركة بين أنصار الحرية وأنصار "السعودية". معركة شاقة مريرة طويلة، لكن الأمل فيها ليس معدومًا، فإذا كنا شعبًا فقيرًا ترتفع فيه نسبة الأمية وتنتشر فيه الأفكار الأصولية بسهولة، فلا تنسوا أن العالم المتحضر كله معنا، ولا تنسوا أيضًا أن الله معنا.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com