بقلم: شريف منصور
عزيزي الأستاذ "فريد الديب"، لا أعرف إن كنت ستقرأ هذا المقال أم لا. وإن قرأته فأرجوك أن توصّله إلى السيد "محمد حسني مبارك".
القائد المغوار "محمد حسني مبارك" انتهى من اللحظة الذي فقد فيها إنسانيته، وعندما أقول إنسانيته أعني عندما تلاشى الإنسان وظهر علينا الإنسان المغرور المتكبِّر.
في يوم ما جاء والدي- الله يرحمه- بعد غيبة شهور في حرب "اليمن"، وهو زميل السيد "محمد حسني مبارك" في الكلية الجوية، والذين كانوا يقيمون معًا في عنبر واحد عندما كانوا مستجدين في الكلية الجوية. قال لنا بعد عودته: اليوم عدتُ حيًا بسبب البطل "محمد حسني مبارك" قائد سرب القاذفات التي أنقذتنا من حصار طريق صنعاء، والذي استشهد فيه اللواء "المرتجي" برصاصة قناصة يمني وهو جالس في سيارة المدرعة.
قال: فتح البطل "محمد حسني مبارك" طريق صنعاء الجديدة والذي حوصرنا فيه بمجرد نزول وحداتنا من السفينة التي أقلتنا. ودارت حرب بيننا وبين عدو يعرف تمامًا كل شيء عن هذه الأرض التي لم تطأها أقدامنا من قبل. نعم لم يتخرج والدي من الكلية الجوية لقصور في النظر حدث بعد قبوله في القوات الجوية، وأصبح ضابط مشاة، وحارب جنبًا إلى جنب مع الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" في "الفالوجا" وهو ضابط صغير، وكان مكلَّف بحماية- الله يرحمه- الرئيس "جمال عبد الناصر".
لم يتغيَّر السيد "محمد حسني مبارك" طيلة مدة خدمته كنائب لرئيس الجمهورية، بل يشهد له الجميع عن قدر شهامته ورجولته ووقوفه مع الحق، وحتى ثالث سنة كرئيس، وحدث التغيير الفجائي. انفصل السيد الرئيس عن زملاء الكفاح ولم يعد يحضر اجتماعهم، بل رفض مقابلتهم وهم ليسوا أصدقاء بل زملاء كفاح طويل مديد. وعرف والدي بحكم خبرته وزمالته لمعظم اللواءات في ذلك الوقت، أن المحيطين بالرئيس أصبحوا يمنعون عنه كل أخبار "مصر"، وأصبحوا هم من يديرون "مصر" كعزبة ملاكي لهم. وحدث أن تقابل والدي- الله يرحمه- مع السيد الرئيس "محمد حسني مبارك" في حفل زفاف ابنة أحد دفعتهم، وذُهل الرئيس "مبارك" من كيف أن المحيطين به يمنعون حتى أصدقائه أو أكثر الناس وفاءًا له من الاتصال به، عندما قالوا له: زملاؤك يريدون منك وسائط وطلبات كثيرة، فمنعناهم عنك.
ومرت الأيام وقبضة المحيطين به تزداد، والفساد ينتشر، وعزلة الرئيس تزداد. وزاد من الطين بله أن شلة الفساد احتوت ابنه "جمال مبارك"، وخضع لهم واستخدموه أسوأ استخدام. "جمال" و"علاء مبارك" وهم شباب أصغر منا في نادي ضباط الجلاء كانوا مثالًا للأدب والخلق الرفيع والتربية العالية.
وفي يوم ما في أوائل عام 2006 تقابل وفد أجنبي مع السيد الرئيس بعد أن عارض مدير مكتبه أو لنقل رئيس سكرتارية الرئيس وجود أقباط في هذا الوفد. فما كان إلا أن رئيس الوفد قال: فإذن نحن لا نريد مقابلة الرئيس لأن أحد الأسئلة هي سوء معاملة الأقباط في "مصر". فما كان إلا أن سكرتير الرئيس شدَّد وقال "يحضروا ولكن لا يفتحوا أفواههم بكلمة".
وسأل "مبارك" الفرد الوفد، هل أحد المصاحبين لكم مضَّطهد في "مصر"؟ فأشار رئيس الوفد وقال: نعم يا سيدي الرئيس الأقباط مضطهدون في مصر. استأذن رئيس الوفد أن يقرأ ما كتبه عضو الوفد تلخيصًا لما تحسب أن يسأله الرئيس "مبارك" لرئيس الوفد. فقال: كيف هذا وأبوه فلان كُرِّم أفضل تكريم. فقال رئيس الوفد: كتب عضو الوفد وقال "كان تكريمًا مستترًا لم يعرف به الشعب، وهذا التكريم كان سببه المشير "أحمد إسماعيل علي"، عندما اختار هذا الضابط القبطي من ضمن فرقة الضباط الذين وضعوا معًا خطة العبور، ولمعرفة السيد المشير "أحمد إسماعيل علي" بقدرة هذا الضابط الأمين العسكرية.
واستطرد رئيس الوفد وقال: لا تنسى يا سيدي الرئيس أن اضطهاد والد أحد أعضاء الوفد بدأ بعد أن عاد من حرب 1967، وهو القائد الوحيد الذي ثبتت وفرقته خمسة أيام في حرب بينه وبين القوات الإسرائيلية المتفوقة في العدد والعداد. وقال- على حسب تعبير عضو الوفد- وإن كان ما أقرأه عليكم لا يعتبر شهادة من الوفد الرسمي "إن الطائرات المستيير كانت تقذف حمم النابلم على هذا الموقع خمسة أيام متصلة حتى سالت الرمال وصارت مثل الزجاج". وما أثَّر في هذا الابن ما قاله له أبوه عندما قيل له بعد عودته: للأسف الذي حارب في هذه الحرب مسيحي. أليس هذا يُعد خير دليل على التحقير والاضطهاد بسبب العقيدة يا سيادة الرئيس؟. وعندما كرمتم القادة بعد حرب 1973 لم يُكرَّم هذا الرجل كما كُرِّم البقية، فلماذا يا سيدي الرئيس؟ هل لأنه لم يقم بما يستحق عليه التكريم من الدولة وهو أحد من خطط لما بعد إحداث الثغرات في الجدار العازل؟.
يا عزيزي الأستاذ "الديب"، كتبتُ مِرارًا وتكرارًا أنبِّه السيد الرئيس السابق حرصًا على سمعته وتاريخه من مغبة أفعال الفاسدين من المحيطين به. وقلت مرات عديدة إن لم يكن الرئيس يعرف ما يدور حوله وما يعانيه شعبه فهو لا يصلح للرئاسة، وإن كان يعرف وموافق فهو أيضًا لا يصلح للرئاسة بل يصلح للسجن والمحاكمة، وأيضًا فهو لا يصلح.
قبل ثورة 25 يناير كتبت مقالًا ونصحته فيه أن يأخذ بزمام الأمور ويقيل الأشرار من حوله، بدايةً من الأفعى الرقطاء "حبيب العادلي" وسكرتير مكتبه، وأن يؤكِّد للشعب أن "جمال" لن يرث الحكم، ويقيل رؤساء مجلسي الشعب والشورى، ويعيد انتخابات مجلس الشعب بعد حله لأن مجلس الشعب الأخير كان سبة ومهزلة، وفضائح التزوير كانت ومازالت على صفحات الانترنت بالصوت والصورة. فإن لم تصل إليه نصيحتي فالسبب أنه أصم، والرئيس الأصم اختياريًا أو قسريًا هو إذن لم يكن يصلح للرئاسة. لو كان "محمد حسني مبارك" القائد استخدم نفس روح القتال العالية والتي كانت كلمة السر لسربه "مبارك" ترعب الأعداء، لكان مكانه اليوم في أعلى مرتبة، بل كان سيذكره التاريخ كالملك "مينا" موحد القطرين؛ لأن عمله كان سيكون عملًا عظيمًا في إنقاذ "مصر" مما آلت إليه اليوم. ويُقال عنه أنه أبو شباب "مصر"، وهو من أرسى قواعد الديموقراطية الحقيقية في "مصر".
من الرجولة وروح القائد، إن كانت لدية ولو قطرة منها، ألا يتنصل مما دار تحت قيادته، فالقائد الشريف لا يلقي باللوم على الصغار الفاسدين من حوله، بل الرجولة أن يعترف بأنه مخطئ ويتقبَّل جزائه على خطأه. نعم ماضيه سيشفع له، ولكن ماضيه مهما كان فيه من أعمال مضيئة، هذه الأعمال انطفأت بسبب أعمال الظلمة والفساد التي ارتكبها رجال تحت إمرته وقيادته.
السيد رئيس "مصر" السابق "محمد حسني مبارك"، كن رجلًا وتحمَّل ما وقع تحت قيادتك من خطايا في حق شعبك. الاعتراف بالخطأ اليوم هو الشيء الوحيد الذي قد يقبله منك شعب "مصر"، وإنني متأكد أن شعب "مصر" وإن كان نزف قلبه من دماء أبنائه على يد الغادرين الفاسدين الخونة ممن كانوا حولك، سيستطيعون أن يغفروا لك، وإن كان من المستحيل النسيان. فسيتركونك في آخر أيام عمرك تتحسَّر وتندم على ما أضعته بنفسك من نفسك، وهذا خير عقاب للمتكبرين.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com