ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

كنيسة قصر الدوبارة

بقلم : إكرام يوسف | 2012-01-09 08:17:38

بقلم : إكرام يوسف
 كان احتفال مصر بمطلع العام الجديد في ميدان التحرير صورة مجسدة للبهجة، الجميع مصريون؛ لا يرفعون سوى علم عشقهم النبيل؛ مصر المحروسة أم الدنيا..لا يستطيع الناظر التمييز بين أي من بنيها وبناتها. . يغمر الحب الجميع، بينما تصدح أصوات العاشقين بإنشاد صوفي وترانيم كنسية وأغاني وطنية.. ولمعت دموع التأثر في العيون ، ونحن نتابع عروسا محجبة تتمايل مع عريسها على ألحان كنسية.. ليشهد العالم أجمع مصر الحقيقية.. التي اقترن الدين فيها بالبهجة وحب البشر منذ آلاف السنين، كما اقترن الحزن النبيل على رحيل الشهداء بالأمل في الحياة، ومواصلة النضال من أجل التغيير.
وكانت كنيسة قصر الدوبارة نجم الحفل عن جدارة. وعندما يسجل التاريخ قصة ثورة 25 يناير، لا يستطيع منصف أن ينكر الدور الذي قامت به لدعم الثوار منذ اليوم الأول.. فكان قساوسة الكنيسة وخدمها يدًا حانية، امتدت بالمياه والعصائر والبركة طوال عام كامل. وتحولت الكنيسة لموئل يضم المصريين دون تفرقة: وجد المصابون فيها محبة تشفي جراحهم، قبل العلاج في مستشفى ميداني ضمته جدرانها. ووجد مسلمون بعد ازدحام جامع عمر مكرم، مكانا للوضوء والصلاة. ولم يتردد قساوسة الكنيسة في إقامة أكثر من قداس في الميدان، ليؤدي الثوار المسيحيون صلواتهم، في حماية اخوتهم المسلمين.. مثلما يحمونهم بدورهم في صلواتهم.

وفتحت الكنيسة أبوابها لجميع من اقترنت أسماؤهم بالثورة؛ فأقامت حفل تأبين للشهداء، كرمت فيه أسرهم ومسحت دموعهم. حضره أيضا معظم رموز الثورة من شباب الثوار والإعلاميين والشخصيات العامة. ثم دعت الجميع لمشاركتها احتفال عيد القيامة. وحرصت على تنظيم حفل إفطار رمضاني. وفي جميع هذه الاحتفالات كان الكل مصريين، لا فرق بين المناضل الوطني جورج اسحق وممثلي جماعة الإخوان المسلمين والشيخ مظهر شاهين الأزهري إمام جامع عمر مكرم.

أكتب هذا الكلام بعد عودتي من احتفال الكنيسة بعيد الميلاد المجيد، وانضم إلى الجمع المعتاد، نجوم جديدة على احتفالات الكنيسة، وإن لم تكن جديدة على المدعوين، أو على ميدان التحرير؛ حيث انضم إلى الحفل هذه المرة البطل أحمد حرارة ووالدته، وعلاء عبد الفتاح وشقيقته منى ووالدته الدكتورة ليلى سويف، ووالده أحمد سيف الإسلام الناشط السياسي والحقوقي المعروف.

وامتزجت في الحفل البديع، دعوات القساوسة لمصر بالخير والسلام وأن يحفظها الله ويجعل العام الجديد مقبلا بالسلام والأمان، طالبين من الله أن يظهر معجزاته ويشفي جميع المصابين، بالترانيم الروحانية الرائعة لكورال الكنيسة الذي تعجز جميع كلمات الإعجاب والتقدير عن توصيف جميع أفراده.. تلحينا وعزفا وغناء لكلمات طيبة صادرة من القلب فعلا.. وكان أداء الكورال العذب يهز القلوب تأثرا بأصوات نورانية تنضح صدقا وإخلاصا لما تنطقه شفاههم .. ورددنا معهم ترنيمتي "بارك بلادي"، و"احفظ بلادنا يارب" والدموع تملأ المآقي.. وإذا بالرائعة الرقيقة، القوية في الحق، ريم ماجد يهتز جسدها بجواري من البكاء تأثرا؛ وهي تردد الدعوات لله القادر على أن يحمي مصر ويحفظ أبناءها، ويرد حق المظلومين.
تذكرت العام الماضي، عندما وقعت حادثة القديسين، في ذكرى حادثة نجع حمادي قبلها بعام. كما لو أن هناك جهة حريصة على أن تحل ذكرى الشهداء السنوية محل الفرحة بالعام الجديد ـ فكتبت بعد الحادث بنصف ساعة "مطلوب دروع بشرية لحماية الكنائس" وقلت: " مع تكرار تعرض اخوتنا وشركاء الوطن لمحن دامية في أعيادهم، ومع تخاذل أجهزة الدولة في التصدي لحالة الاحتقان التي رعتها مؤسسات دينية وإعلامية وثقافية وتعليمة، وتراخيها في مواجهة المحرضين على الفتنة ومنفذيها؛ لم يعد أمامنا ـ نحن أبناء مصر الحريصين على أمنها واستقرارها ـ إلا أن نتولى بأنفسنا حماية أخوتنا المسيحيين، ودور عبادتهم التي يذكرون فيها اسم الله ـ بصدورنا."

وسرعان ما تلقفت حملة دعم البرادعي الدعوة ونشرتها على موقعها، وتبادلها أفرادها مع النشطاء في حركات وتيارات؛ شكلت فيما بعد "إئتلاف شباب الثورة"، وشاركت في الدعوة ليوم الغضب في 25 يناير، وتحديد أماكن التجمع ومواعيد التحرك ومسارات المظاهرات، كما شاركت في قيادة ميادين التحرير حتى 11 فبراير. ونشرت جريدتا البديل والدستور الدعوة صباح يوم أول يناير. وفي ليلة عيد الميلاد من العام الماضي، وقفت وسط الأصدقاء والأبناء أمام كنيسة كليوباترا. وامتزجت في استقبالنا، مشاعر المحبة والامتنان بالحزن على شهداء لم تجف دماؤهم بعد.. كنا نتبادل مع المحتفلين بالعيد التهاني والدموع تترقرق في أعيننا.

علمت يومها أن الشباب نظموا وقفات مماثلة في 16 محافظة، فأيقنت أن اليوم الذي يرتقبه أبناء جيلي منذ أكثر من ثلاثة عقود قد اقترب. وبالفعل خرجت من هذه المحافظات الجموع الأولى يوم 25 يناير تؤكد أن دماء الشهداء لم تذهب هدرًا.

وامتزجت دماء المصريين، بتراب ميادين الوطن دفاعا عن الحرية والكرامة، ولم تفرق أجهزة القمع ـ سواء قبل 11 فبراير أو بعده حتى الآن ـ بين الثوار، وفقا للانتماء الديني، بالضبط مثلما لم يفرق سلاح العدو الإسرائيلي بين المصريين المدافعين عن تراب الوطن.

ولأن الشدائد تصهر معادن البشر، فقد صهرت مواجهة القمع المعدن المصري لتخلصه من شوائب التمييز والطائفية، فيخرج من المحنة خالصا نقيا.. ولا أشك في أن كثيرا ممن كانوا قد تأثروا ـ على الجانبين ـ بدعايات تمزيق اللحمة الوطنية، بدأوا يراجعون أنفسهم الآن، ويرون الصورة أكثر وضوحا. ساعد على ذلك أحداث الثورة، التي شهدت حماية دور العبادة المسيحية بسواعد المسلمين، فضلا عن جهود العقلاء على الجانبين، ومن أبرزها دور كنيسة قصر الدوبارة الذي يضرب المثل ـ في صمت ـ على أن حق المواطنة أصيل، ليس منحة، وهو يمارس ولا يوهب. فلم تخرج سالي توما أو منى مينا لإسعاف المصابين في الميدان باعتبارهما مسيحيتين، وإنما باعتبارهما مواطنتان مصريتان خرجتا للمطالبة مع رفاقهما بالتغيير والحرية والعدالة الاجتماعية. ولم يستشهد مينا دانيال دفاعا عن حق المسيحيين فحسب، وإنما استشهد وهو يمارس حقه الأصيل كمواطن مصري يناضل من أجل رد الكرامة لجميع المصريين. ولم يهب إيهاب حنا أشعيا لنجدة عزة هلال ـ عندما افترسها المجرمون في الميدان بعد أن حاولت إنقاذ "ست البنات" ـ باعتباره مسيحيا، وإنما مواطن مصري، هرع لنجدة أخته المواطنة المصرية.

لقد أزالت المحن الصدأ الذي ران على كثير من العقول، ونفضت الغبار عن جوهر الشخصية المصرية، ولم يعد مقبولا أن نسمح بعودة أفكار الفتنة والتمييز بين المصريين. وصار واجبا على كل من يهمه أمر هذا الوطن أن يسعى لإزالة ما بقي من شوائب في عقول البعض، ويبني على ما تحقق حتى الآن من تنوير بفضل طاقة النور التي فتحتها الثورة. ولاشك أن ما تقدمه كنيسة قصر الدوبارة في هذا الصدد يستحق التأييد والدعم، كما يوجب التقدير لكل من القس الدكتور سامح موريس راعي الكنيسة، والقس ناجي موريس، والقس منيس عبد النور، والقس سامح حنا والجميلة إيفا بطرس، دينامو جميع الفعاليات وطاقة
العطاء والحب الهائلة، والمهندس لبيب مشرقي، والأستاذ فوزي وهيب، والأستاذ ماجد عادل، وغيرهم من شباب وفتيات خدمة الكنيسة النبلاء.

نقلا عن الحوار
 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com