ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

العراقيون... فرح مصحوب بشتائم ومديح مقرون بحزن وتشاؤم

إيلاف - كتب:عبد الجبار العتابي | 2011-12-13 08:20:37

 أبدى إعلاميون عراقيون تصورات متباينة حول خطوة انسحاب القوات الأميركية من العراق، فهم منقسمون بين متطلع إلى أفق فسيح باخضراره وجمال فضاءاته البعيدة وبين ناظر إلى أفق كئيب متخم بالغمامات التي تحمل في بطونها أسرارًا لا تمتلك من المسرات شيئًا، وهناك من يستعيد الدروس من التاريخ من خلال منظار الخاص.


عبد الجبار العتابي من بغداد: لا يختلف تصور الإعلاميين عن فهم العراقيين، الذين تجدهم يختلفون مجددًا في وجهات نظرهم ومشاعرهم حول انسحاب القوات الأميركية بعد نحو ثمان سنوات من وجودها على أرضه، بعدما أطاحت مع جيوش من دول التحالف بنظام صدام حسين، فالآراء التي يمكن سماعها من العراقيين على اختلاف مشاربهم، تختلف في التفاصيل يتبعها أحيانا تطرف كبير، فليس من الصعب أن تسمع سبابًا وشتائم مقرونة بالتعبير عن الفرح والسعادة بخروج الأميركيين، مثلما من السهولة جدًا أن تسمع ثناءات كثيرة ومديحًا كبيرًا مقرونًا بحزن وندم على مغادرة الأميركيين البلاد بهذا الشكل، على الرغم من أن الطرفين يتحولان سريعًا ما بين التفاؤل والتشاؤم.
 

يقول الصحافي سرمد الطائي رئيس تحرير جريدة العالم إن تداعيات الانسحاب الأميركي اعترف بها وزير الداخلية عدنان الأسدي، الذي هو وكيل الوزير حاليًا، حيث قال: لقد اصبح العراق أعمى في كل المحافظات الساخنة، في اربع محافظات هي الأكثر سخونة، وهي الموصل، وديالى، وصلاح الدين والأنبار، والقوات العراقية اصبحت عمياء لانها افتقدت الغطاء الجوي الاميركي، وصارت لا تستطيع فهم حركة المسلحين في الاراضي والصحاري الشاسعة حول هذه المدن، ولا يوجد اي بديل عراقي من الغطاء الجوي الاميركي حتى الان.
 

واضاف إن "المقربين يقولون ان القاعدة تعيد تنظيم نفسها في هذه المناطق، كما إن المواطنين في تلك المناطق والساسة والاحزاب خائفون مما يمكن ان تفعله القاعدة بسبب فقدان السيطرة عليها بفقدان المعلومات الاستخباراتية الثمينة التي كان يقدمها الجانب الاميركي للقوات العراقية، هذا الاعتراف يلخص جانبا بسيطا من جوانب معاني انسحاب اميركا المرتجل من العراق، والذي لم يقم لا على دراسة ولا على نقاشات وسجالات في المجال الوطني والمحلي كافية، ولا سمعنا صوت خبرائنا الامنيين، ولا سمعنا صوت ضباطنا ولا قادتنا العسكريين.
 

وقال إن اميركا ربما ستعاقب القادة العراقيين، الذين تعاملوا بروح شعاراتية غير مسؤولة مع أخطر ملف في أخطر سنة في الشرق الاوسط، التي هي سنة التغيير الرهيب والتحولات والانهيارات، ربما اميركا ستعاقبهم مثلما نسمع الآن، بأن بعض المعسكرات الأميركية يحرقها الأميركيون قبل ان يتركوها، مثل الكرفانات والمنشآت والمعدات التقنية، التي كان من المفروض ان يتسلمها الجانب العراقي كهدية، ولكن بعض الضباط الأميركيين الذين كانوا يشعرون بنكران الجميل، قاموا بتكسيرها وحرقها، ولم يسلموها إلى الجانب العراقي اثناء الانسحاب، وان سلمت بعض الاشياء، مثل غرفة عمليات بغداد، التي كانت هدية من أميركا، وهي من اكثر غرف العمليات تطورًا في المنطقة كما يقال.
 

اما الإعلامي كريم راضي فقال: "الحديث عن الانسحاب الأميركي حديث طويل وذو شجون، علينا ان نتذكر ماذا فعل الأميركيون في العراق، الاحتلال مرحلة صعبة وقذرة وقاسية مرت على العراقيين، فبالضرورة خروج هؤلاء الأوباش هو شيء رائع وجميل، الأميركيون خرجوا بعد قناعتهم بأنهم سيخرجون رغمًا عنهم، لأن العراقيين أخرجوا قبلهم الكثيرين، أخرجوا المغول وغيرهم، انا متفائل وسعيد بخروج الأميركيين لانهم احتلوا العراق وقضوا على كثير من المقدسات.

وأضاف: الخارطة السياسية في العراق تشبه الطقس في العراق، فيقال إن هناك أربعة فصول، وفي العراق هناك خمسون فصلاً من المتغيرات، ولكنني اعتقد ان السياسيين العراقيين بعد الانسحاب ستحكمهم مصلحتهم، فأينما تكون هناك مصلحة للتقارب في ما بينهم فأنهم يقتربون. اما مصلحة الشعب العراقي فهي بعيدة عن السياسيين، الذين يحكمون العراق الآن، ولكن تفاؤلي مرده إلى خروج الاحتلال وثقتي عالية بالعراقيين.. العراقيون هم من سيرسم خارطة العراق، ولا أقصد الذين يحكمون الآن، لأننا كشعب عراقي لا توجد مشاكل بيننا، وموضوع الطائفية قد انتهى. اما الصراع على الكرسي فسوف يستمر الى نهاية الدورة الانتخابية الحالية، فالدورة المقبلة ستحل مشاكل كثيرة.
 

وقال الصحافي رزاق ابراهيم حسن من جريدة الزمان: مناسبة رائعة ينتظرها العراقيون بفرح غامر، حين ينسحب الأميركيون من العراق، وتخلو البلاد منهم، لكننا في الوقت نفسه نأمل أن يقترن الانسحاب بتحرك جديد ومسؤول وجاد من المسؤولين العراقيين لمعالجة وتجاوز ما يواجهون من خلافات، والناس يتوقعون أنه بعد الانسحاب، سيحاول السياسيون تصفية ما يكدر نفوسهم، ونأمل أن يجتمعوا، ويحلوا مشكلاتهم وخلافاتهم بالشكل الذي يضمن للعراقيين احتفالاً رائعًا بهذا الانسحاب.
 

واضاف: انا متفائل في كل الاحوال، ولكن هذا التفاؤل مرهون بمعالجة وتجاوز الخلافات السياسية، مرهون بلقاء السياسيين على ما يؤدي الى خدمة العراقيين وإسعادهم ومعالجة ما يعانونه من مشكلات، مثل البطالة وتوفير الخدمات، فضلاً عن التدهور الأمني وايضًا الانتباه الى مسألة وضع الانسان المناسب في المكان المناسب، ينبغي ان يقترن الانسحاب بمسرات، اشبه ما تكون بالمفاجآت، التي تدل على وعي السياسيين وجديتهم واحترامهم لوطنهم العراق الاصيل.
 

فيما قال المترجم والإعلامي الهادر المعموري: "في تصوري، أجد أن آثار غيوم الانسحاب الاميركي من العراق تلوح بطريقة تنذر بالخطر، إذ ان الكثير من العراقيين لم يتعلموا من دروس التاريخ قط، ولربما يكون السؤال العلمي البسيط مفاده: هل كنا افضل حالاً قبل مجيء الاميركيين ام لا؟ وهل يتصور العقلاء مثلاً ان مكاسب الحرية تأتي بالمجان؟ ام إن التفكير الخطابي بلغة الشعارات البعيدة عن الواقع لا يزال ديدن العراقيين وسيبقى كما هو دأبهم؟، وفي نهاية السؤال، سأقول لمن ينادون بضرورة خروج المحتل كموقف وطني حسب ما يقولون، سأقول لهم: هل سيصبح العراق افضل حالاً بعد خطاباتكم وشعاراتكم ونداءاتكم بخروج المحتل من هذا البلد الجريح يا ترى؟.
 

واضاف: قبل ايام قليلة، طالعنا الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ قائلاً ان الانسحاب الاميركي من العراق يمثل رسالة عميقة الاثر لشعوب اليابان والمانيا وكوريا الجنوبية، التي لا تزال ترى وجود القوة الاميركية احتلالاً على اراضيها، واني لأستغرب هذا الكلام الخطابي الفارغ الذي لا "يؤكل خبزًا" كما يقولون، فهل نحن بحاجة إلى مثل هذا الدرس لنعطيه الى امم عظيمة كتلك الامم؟، امم فكرت بالمنطق والعقل، وبنت نفسها وحلت مشاكلها، وسارت في طريق تحقيق رخاء وازدهار لشعوبها من دون الالتفات الى العقد النفسية والافكار البالية من عينة ما يقال عن ضرورة الانسحاب اليوم.
 

وتابع "سوف نعود لنسمع اسطوانات جديدة هذه المرة عن أذناب الاحتلال والمتعاونين معه في السر، وما سيجري من تصفيات جسدية لهذا وذاك باسم هذا الشعار الفارغ، و ما اشبه الامس باليوم، فقد تبجح العراقيون بمواقفهم من الانتداب البريطاني بداية القرن العشرين، متناسين ان الامة العراقية الوليدة ما ظهرت للوجود بعد التبعية التركية الطويلة، الا من خلال الوجود البريطاني، كما اننا نجهل او نرفض او نتناسى كيف كان ذلك الانتداب البريطاني سدًا منيعًا ضد اطماع الدول المجاورة، التي ارادت استقطاع العراق، كل حسب ما يراه، من حصص، ابتداء من ايران القاجارية الى تركيا ما بعد العثمانية وسوريا الفرنسيين انتهاء بالمملكة السعودية.
 

واختتم كلامه بالقول: ان كل احتلال على وجه الارض لا بد ان تشوبه شوائب واخطاء وسلبيات وجرائم يندى لها الجبين، لكن من الذي يفكر في إيجاد واقع المقارنة الموضوعية، ليقول كيف كنا قبل الاحتلال، وكيف اصبحنا من خلاله، وكيف سنكون من بعده يا ترى؟.
 

من جانبه قال الصحافي غانم عبد الزهرة: لا اعتقد .. ان تحدث تداعيات للانسحاب الاميركي، واعتقد ان البعض، الذي كان يتوعد الاخرين بالمحتل واللجوء اليه في ايام الانقسامات والصراعات السياسية، سوف يطوي هذه الصفحة، ويرضخ للامر الواقع، وهو ضرورة ان نحل مشاكلنا بأنفسنا بعيدًا عن تدخل الاجنبي او دول الجوار، لانها زادت في بعض الاحيان من تفاقم الامور والمشاكل بين الفرقاء السياسيين، لان كل جهة تدعم جهة، تريد أن تكون الجهة التي تساندها لها الغلبة في الصراع، مما يولد مزيدًا من الفرقة والتناحر بين الكتل السياسية.
 

واضاف: هل تعلم ان مشاكل العراق قبل عامين كانت بفعل تدخلات دول الجوار في شؤوننا الداخلية، والتي عقدت الامور، ولم يكن بالحسبان حل اي مشكلة صغيرة، لان كل طرف يرى ان له الحق، ويملك القوة والمساندة من الخارج في صلابة موقفه، مما يجعله يفشل في التوصل الى شيء مع الجهة الأخرى، التي تختلف معه في الرأي، وبعد حدوث الثورات العربية انشغلت الأنظمة العربية، التي لم ترقها الديمقراطية العراقية بقضايا ساخنة، هي مفاجئة لها، وربما انذهلت منها، ولم تحسب لها حسابًا، وبدأت تخاف على نفسها، وحتى لوكان هناك بعض الكتل السياسية التي تصرّ على إشراك دول الجوار في الشأن العراقي، فأعتقد انها ستفشل، لأن ما موجود الآن في المحيط العراقي يتفاعل يوميًا ويتعقد، وبحاجة الى حلول، والعرب عاجزون عن حل كثرة المشاكل التي ستواجهم الآن والتحديات، حتى إن البعض يعتبر أن الموضوع العراقي اصبح امرًا واقعًا ومسلمًا به وقد ترسخ بعد ثمان سنوات من الصراعات السياسية.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com