بقلم: د. رأفت فهيم جندي
في قصة "المتمردون" للكاتب العراقي "صباح عطوان حواس الزيدي"، ذهب الدكتور "عزيز" للعلاج في إحدى المصحات العلاجية النائية وسط الصحراء، ويكتشف خلال تواجده أن المصحة تنقسم إلى قسمين، أفضلهما يتواجد فيه المرضى الذين يملكون الثروة والمال وينعمون بالعلاج المنتظم والماء المثلج والمراوح في قيظ الحر اللاهب. أما القسم الأغلب فهو مرضى الدرجة المجانية، حيث يتكدسون في عنابر حُرمت وسائل الحياة والعلاج والمعاملة الإنسانية.
يتمرَّد المرضى على الفساد السائد، يستولون على المصحة ويطردون المدير ويختارون د. "عزيز" زعيمًا لهم ولكنهم يعجزون عن إدارتها. تقضى السلطات على التمرد ولكن يبقى الأمل في التغيير. وهذا هو ما حدث لثورة "مصر"، وسرق المجلس العسكري نجاح التغيير لكي يدبر الأمور بما يضمن له السلطة، وأن لا يُحاسب على فساده أيضًا أيام "مبارك" وبعدها.
الكثير من الحالمين بالحرية والعدالة أتت لهم الانتخابات بحزب يحمل هذا الاسم، ولكن جوهره يحمل النقيض من اسمه تمامًا؛ لأن مبادئه هي نفس مبادئ الوحش الذي أشار له الأصحاح 13 من سفر الرؤيا وأتباعه لهم سمة على جبهتهم نراها في ذبيبة الصلاة.
كل من يظن أن وجود "مبارك" كان أفضل من وصول هؤلاء للبرلمان هو غير مدرك أن "مبارك" كان له نفس لحية هؤلاء ومبادئهم، ولكن "مبارك" كان يخفيها في ثوب مدني، بل كان "مبارك" يستغل وجود هؤلاء تحت الأرض لكر يبرِّر كل عمل إجرامي يقوم به نظامه ضد الأقباط ويلصقه بهم، بينما كانوا هم أبرياء من بعض مما فعله نظام "مبارك" بنفسه. وأحيانًا يكون التعامل مع شر الشخص الواضح أفضل من التعامل مع الشرير الملتوي والمظهر لغير ما يبطنه.
والمتشائمون لا يرون أن الكتلة الليبرالية حديثة العهد جدًا قد فازت بمكانة كبيرة بالنسبة لتكوينها فقط في بضعة أشهر، بينما الإخوان كانوا يعملون في الخفاء لمدة (80) عامًا، وتنفق عليهم "قطر" و"السعودية" من أموال البترول الوفيرة.
النظام المصري حتى الآن هو نظام "رئاسي برلماني"، والذي فيه أن البرلمان لن يكوِّن الحكومة بل الرئيس. وفي النظام الديمقراطي يستطيع الشعب إسقاط البرلمان والرئيس والحكومة في الانتخابات التالية بغير الحاجة لثورة لخلعه يسقط فيها مئات القتلى. وحتى ولو كان الإسلاميون أغلبية هذه المرة فلقد كتب "فرج فودة" من قبل متمنيًا أن يعطي هؤلاء الفرصة لكي يثبت فشلهم، والذي نصر عليه حتى الموت هو عدم العودة لنظام "مبارك" ومن كانوا قبله لمدة (60) عامًا، والذي به يخرج الرئيس من الحكم فقط بالموت.
"مصر" في أول خطوات الديمقراطية، والتشاؤم من بعض النتائج التي لا توافق هو ضعف لا يليق بنا، ومن أكبر عوامل النجاح في جميع المجالات حتى الروحية منها هو عدم اليأس، والقديس "بولس" يقول في رسالته الثانية لتلميذه "تيموثاوس": "لأن الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com