ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

"مصر" أول دولة في التاريخ

لطيف شاكر | 2011-11-26 00:00:00

بقلم: لطيف شاكر
قدَّمت "مصر" للإنسانية أقدم نظام سياسي في العالم، وعلى ضفاف نهر النيل قامت أول دولة مركزية موحَّدة في تاريخ البشرية، وكان لـ"مصر" السبق في تجسيد ذلك من خلال أطر مؤسسية كان لها الدور الهام في صياغة حياة الشعب وحماية قيم الحرية والديمقراطية فيها.

وحظيت "مصر" بأول حكومة منظَّمة (جهاز حكومي منظَّم) في العالم، وقبل أن تتحد مصر العليا ومصر السفلى، كان يحكم كل منطقة منهما ملك. وفي عام 3100 قبل الميلاد، وبعد توحد القطر في نظام مركزي للحكم، قسِّم إداريًا إلى 42 إقليمًا، وكان على رأس كل إقليم حاكم يديره، لكنه يتبع الفرعون ويطيعه.

وكان الفرعون أعلى سلطة وله السيادة الكاملة على الشعب، وكانت له السيطرة الكاملة على السلطتين التنفيذية والتشريعية للحكومة، ويعاونه عدد كبير من الموظفين المدنيين المعينين، وفي اختياره لأولئك المعاونين، فإن الفرعون كان يراعي قواعد الأقدمية والتعليم.

 

وكان كبار موظفي الحكومة، في عصر الدولة القديمة، يتقلدون مناصب عليا، مثل: أعضاء بالبلاط الملكي (الحاشية الملكية)، أو مستشارين، أو وزراء، أو أعضاء بالمجلس الأعلى للحكم. وارتقى منصب الحاشية الملكية في القدر مع الزمن؛ ليغطي مهام ووجبات دينية ومدنية وقضائية وعسكرية. وكان منصب المستشار هو أعلى منصب في الدولة، ولكن المستشار لم يكن عضوًا في المجلس الأعلى للحكم. وقد كان المجلس يتكون من كبار مسئولي الدولة الذين يتولون فرض التشريعات والمراسيم (الأوامر) الملكية، وقد تولوا فيما بعد مهام قضائية. وكان الوزير رئيس القضاة.

وتخصص عدد من المسئولين الإداريين في التعامل مع الضرائب والشئون المالية والأعمال العامة وتوزيع القوى العاملة على المشاريع المختلفة. وكانت "مصر" أول قطر يطبق نظامًا للعاملين في المشروعات الحكومية، مثل الحرف والصناعة والزراعة والبناء.

 

وكانت هناك محاكم في جميع أنحاء "مصر". وتبرهن العقود والبرديات التي تضم أحكامًا والتماسات، على أنه كانت هناك قوانين ثابتة محدَّدة تتعلق بالمعاملات اليومية؛ مثل الميراث والزواج والهبات والوصايا وملكية الأراضي، وغير ذلك من التعاملات التجارية. وكان كل شيء يسجل في الحفظ (الأرشيف)، بما في ذلك الوصايا وعقود الملكية وقوائم الإحصاء العام والأوامر وقوائم الضريبة والخطابات وقوائم الجرد واللوائح ومحاضر المحاكمات.

وخلال العصر اليوناني- الروماني، اتخذ الملك البطلمي موقع الفرعون؛ واتبع نظام الحكومة المركزية. ولأن الكهنة كانوا يهددون سيطرة الغزاة، فإن البطالمة حاولوا إضعافهم بتجريد المعابد من حقوقها وممتلكاتها. ولكنهم سرعان ما غيروا سياستهم وكسبوا تأييد الكهنة بإبداء الاحترام للمعتقدات المصرية، وبناء المزيد من المعابد. وأبقى البطالمة على نظام تقسيم البلاد إداريًا إلى أقاليم؛ كل منها تحت رئاسة حاكم. واكتسب الحاكم صفة عسكرية، باعتباره قائد حامية ومديرًا ماليًا. وفي داخل تلك الأقاليم، كانت هناك مدن مخصصة لعيش الصفوة من الإغريق؛ مثل "نقراطيس" و"الإسكندرية" وبطولميا (يسمى حاليًا النظام الفيدرالي) سنكتب عن النظام الفيدرالي ومدى تطبيقه في "مصر".

 

وعندما أصبحت "مصر" مقاطعة رومانية، لم يعمد الرومان إلى إحداث أي تغيير- ما لم يكن ضروريًا- وأصبح الإمبراطور الروماني فرعون "مصر"، وصوّر بالمعابد المصرية مرتديًا التاج المزدوج للفرعون، وملابسه. وأدار الإمبراطور شئون "مصر" بصورة مباشرة، كما تولى قيادة الجيش الروماني. وكما تعذَّر على اليونانيين والبيزنطيين أن يصبغوا "مصر" بصبغتهم، لم يستطع الرومان بجبروتهم أن يغيروا هوية "مصر" ويجعلونها رومانية، بل احتفظوا بهويتها المصرية تحت العلم الروماني، وليس كما فعل جهلاء هذا العصر الذين يحاولون أن يلبسوا "مصر" ثوب العربية المهترأ، وأعرجوا بين الفرقتين، وأصبحت "مصر" كشجرة أصلها مصري وفروعها عربية، وكأنها ولدت سفاحًا ليس من أم وأب واحد، فأضحى الخلاف سمة العروبيين والاختلاف عقيدة المتأسلمين.

 

إن "مصر" الخالدة لن تصبح أبدًا مرتعًا للتيار الإسلامي، الذين ركبوا موجة الثورة المجيدة التي قام بها شرفاء وأجلاء الوطن. راح أذناب هذا التيار ينشرون الفوضى والهمجية، تارة بالسباب والشتائم من خلال فضائيات بغيضة ممولة من "السعودية"، وتارة بحرق الكنائس وقتل الأقباط، وأشاعوا في البلاد الكراهية والبغضة في محاولة خائبة للاستيلاء على السلطة، وكأن "مصر" لقيطة يختطفها كل متسكع جاهل، أو يسطو عليها كل متنطع غاشم؛ لأنهم لم يقرأوا التاريخ المصري.

إن "مصر" ستظل "مصر" إلى أبد الآبدين كما كانت قبل الزمان، وفي ظل الأديان، وإلى منتهى الأعوام. و"مصر" للمصريين فقط وليس للمتمصرين الخونة الذين لا يبالون بـ"مصر"، القائلين "طز في مصر" ويريدون رئيسًا لـ"مصر" ليس مصريًا، والذين يرفعون علم "السعودية"، أو الذين هتفوا بحرق "مصر" أثناء فريضة الحج أو..أو..

 

يقول "إيبور" في إحدى بردياته موجودة في متحف "ليدن" بـ"هولندا":
"انظروا، لقد غادر فرعون البلاد وتركها ليحكمها الرعاع.. تغيَّرت الوجوه وكساها الخوف وملأها الشحوب. أصبح الرعاع يملكون أجمل الأشياء، ومن كان يرتق نعليه فيما مضى أصبح صاحب ثروة وسلطان.. لقد عمت المجاعة ورفرفرت بجناحيها على الأرض.. من كان سيد الأرض أصبح ينفذ أوامر غيره."

ومؤرخ معاصر آخر هو الكاهن "نفرياهو" يقول في بردية مصرية موجودة في متحف "ليننجراد"، وعمرها أكثر من 4000 سنة: "اذرف الدمع يا قلبي، فقد أصبحت البلاد خرابًا، وكأن أهلها ليسوا بأهلها، أصبحت الوجوه غريبة.

 

انتبه يا قلبي، لقد حلت اللعنة، وولَّى كل ما هو طيب. إن أرض بتاح المقدسة قد دنستها أقدام أعداء من أهلها، ومن المتسللين الذين وطئت أقدامهم أرضها.. رحلت العدالة عن بلادنا فرحل الخير والبركة.

ودعونا نتأمل معًا هذه الآية الذهبية: "إني لقد رأيت مشقة شعبي الذين في مصر، وسمعت أنينهم، ونزلت لأنقذهم. فهلم الآن أرسلك إلى مصر" (أع 34:7).

نصلي لأجل سقوط الإرهاب والاضطهاد في كل مكان.. ندعوك يارب أن تأتي إلى "مصر".
يا الله، لقد وعدت منذ زمن بعيد أنك ستأتي وتسترد كل شئ، ونحن نرحِّب بك لكي تتم عملك في بلدنا، ونصرخ: "ارتفعي أيتها الأبواب الدهريات حتى يدخل ملك المجد".. الرب قريب.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com