بقلم: د. إيهاب العزازي
تشهد الساحة السياسية المصرية حالة من الضبابية وعدم وضوح الرؤيا الحقيقية لعملية نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى حكومة مدنية عبر انتخابات حرة ديمقراطية، ويأتي المشهد الأكثر غموضًا هو حالة التخبط الشديد التي يتعامل بها المجلس العسكري مع القوى السياسية، والتي أثبتت الأحداث الأخيرة أنها ليست قوى حقيقية لها تواجد فعلي على الأرض، وأنها مجرد مجموعات للنخبة من المثقفين وأصحاب الأفكار، ماعدا قوة التيارات الإسلامية التي تشهد حالة من الانقسام فيما بينها، فحتى الآن ثوار "مصر" يرون أن عدم نزول جماعة الإخوان المسلمين إلى الشارع في الأحداث الأخيرة دليل على وجود صفقة سياسية مع المجلس العسكري، ولا أحد يعلم أين الحقيقة حتى الآن.
الأهم الآن هو أن "مصر" تدخل مرحلة من الفوضى السياسية وفقدان ثقة أغلب الشعب في السياسيين، وأنهم يسعون فقط للحصول على مكاسب سياسية في سباق الصراع للوصول للحكم عبر أكبر عدد من المقاعد في المجالس التشريعية التي ستتولى صياغة دستور "مصر" وتشكيل الحكومة الجديدة. فبعد التطورات الأخيرة تأكد ثوار "التحرير" أنه لا يوجد من يعبِّر عنهم ويتحدث عن طموحاتهم ورغبتهم في دولة مدنية ترفع شعارات الثورة من حرية وعدالة اجتماعية.
الجميع الآن يتسابق للحصول على منصب وزاري والمساهمة في تشكيل الحكومة القادمة، سواء عن طريق ترشيحات لبعض رموز تلك التيارات أو المشاركة في الهجوم على بعض الرموز لدعم شخصيات بعينها، ولكنهم لا يعلمون جميعًا أن الثوار والشعب لن يُخدعوا مرة أخرى، فالكل الآن يعلم من يعمل من أجل "مصر"، ومن يسعى لصفقات سياسية، ومن يعمل من أجل الانتخابات واستعراض القوى.. نتمنى من الجميع ألا يشاركوا في حرق "مصر" في سباق الصراع نحو السلطة والحكم؟
بعد إقالة حكومة "شرف" ندخل في مأزق جديد، وهو طريقة اختيار رئيس الحكومة الجديدة، وهل الأسماء المطروحة الحالية ترضي رغبات وطموح الشعب المصري، وإن فرض المجلس العسكري علينا شخصية من بقايا نظام "مبارك" تولت مهمة أو منصب في العصر السابق، فبالطبع ستلاقى الرفض والغضب من الثوار في أغلب أنحاء "مصر". والمشكلة الأكبر الآن هي الصراع الدائر من بعض التيارات لفرض اسم معيَّن يعزز وجود ومصالح أصحاب هذا التيار في الشارع.
إن رئيس الحكومة الجديدة يواجه عدة مصاعب، أهمها أنه يجب أن يلاقي قبول أغلب الطوائف السياسية والشباب، وهذا على أرض الواقع صعب الآن؛ لأن الشعب المصري لم يعد يثق فى كل شئ بسبب الحكومات المتتالية منذ "مبارك"، بدايةً من حكومة "شفيق"، وبعدها حكومة "شرف" التي جعلت الشعب يشعر بالإحباط واليأس من الثورة. والسؤال الأهم: هل سيكون منصب رئيس الحكومة حتى انتهاء الانتخابات فقط؟ أم يعمل على علاج ملفات مشتعلة، مثل الانفلات الأمني، والتدهور الاقتصادي، والإصلاح السياسي، وغيرها.
كيف سيشكِّل رئيس الحكومة الجديدة وزاراته؟ وعلى أي أساس؟ هل يعيد تقديم وجوه قديمة أم يحاول إرضاء بعض التيارات السياسية؟ وإن اختار وزراء تكنوقراط متخصصين، هل ستصمت الأحزاب والتيارات السياسية؟ أم تستخدم كل قوتها لإسقاط تلك الحكومة والتشكيك فى قدرتها على قيادة "مصر" وعبورها نحو المستقبل في أكثر فترات "مصر" اشتعالًا.
الشعب المصري لن يتهاون في اختيار منصب وزير الداخلية القادم، فالشعب الذي يحمل المرارة والكره لوزارة قدَّمت أبشع الأمثلة على أنها لا تحترم المواطن المصري، وأنها تعمل على قمعه وكبت حريته، وحتى بعد الثورة زادت حدة الغضب بين الداخلية والشعب حتى صارت علاقة انتقامية؛ لأن وزارة الموت (الداخلية سابقًا) تحصد أرواح شباب "مصر" وتصيبهم بالعاهات، ولازالت غطرسة الشرطة تساهم في انهيار العلاقة مع المواطنين، فعلى أي أساس سيتم اختيار الوزير، فإن تكررت تجربة تولي الوزارة لشخص خرج من النظام منذ سنوات، سنعيد بناء تجربة "العيسوي" الفاشلة. وإن استخدمنا أحد قيادات الوزارة الحالية، سيُتهم بتبعيته وكونه أحد أبناء "العادلي" الذي حوَّل "مصر" لسجن كبير، عبر وهم جهاز أمن الدولة الذي ساهم في انهيار المجتمع المصري. وأنا أرى أن الحل الأمثل هو أحد قيادات الشرطة العسكرية يتولى حقبة وزارة الداخلية حتى يعيد هيكلة وانظباط الوزارة وتحسين علاقة الوزارة لدى المواطن المصري.
كيف سيختار رئيس الوزراء المجموعة الاقتصادية التي عليها إعادة بث روح العدالة الاجتماعية، وايجاد حلول حقيقية لكافة المشكلات اليومية من بطالة، وارتفاع الأسعار، وحالة الانفلات في الأسواق، ومشكلة الأجور، وغيرها من الملفات المشتعلة، والتي إن لم تعالج بشكل سريع ستؤدي لانهيار "مصر" اقتصاديًا. وأعتقد أنه يجب اختيار شخصيات اقتصادية ذات خبرات حقيقية وليست أكاديمية نظرية حتى نشعر المواطن بأهم مبادئ الثورة، وهي العدالة الاجتماعية.
التحدي الأكبر لرئيس الوزراء هو اختيار وزير إعلام يعرف خطورة المرحلة ويقود الإعلام الرسمي نحو الوضوح وتقديم الحقائق وخلق حالة من الثقة لدى المواطن المصري، وكذلك أن يضبط أداء الإعلام المصري الخاص الذى يعاني من حالة انفلات غير عادية جعلت المواطن العادي لا يثق في شئ، وأننا جميعًا وقعنا في فخ التضليل والحسابات الخاصة لأصحاب القنوات والصحف.
هل سيعود رئيس الوزراء في اختيار شخصيات سياسية من بعض التيارت لاختيار وزراء مجموعة التحوُّل الديمقراطي والسياسي التي ستدخل البلد في حالة من المفاوضات التي ستزيد الموقف اشتعالًا أم ماذا؟.
أتمنى ألا نكرِّر التجارب السابقة في اختيار شخصيات ترضي بعض التيارات السياسية على حساب المجتمع المصري.
أتمنى أن نستفيد من الشباب المصري الذي يعلم الجميع أنه الرهان الحقيقي وصمام الأمان لـ"مصر"، فلماذا لا نقوم بدعم الشباب في كافة قطاعات الدولة حتى يستطيعوا في المستقبل أن يعبروا بـ"مصر" نحو المستقبل.
الشارع المصري لا يريد وجوه قديمة يُعاد تقديمها، ولا يريد وزراء لإرضاء التيارات والأحزاب السياسية.
الشعب المصري يريد أن يشعر بالثقة والأمان، ووزارة تحقق له مبادئ ثورة 25 يناير من حرية وعدالة اجتماعية.
أتمنى ألا نشارك في حرق "مصر"؛ لأن صراع الوصول للحكم على جثث أبناء "مصر" سيؤدي لانهيار "مصر" تمامًا.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com