بقلم: منير بشاى
فى الشهور القليلة الماضية وبالتحديد منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 قدم أبناء الكنيسة المصرية المجاهدة، لكنيسة السماء المنتصرة 90 شهيدا، طبقا لما صرح به مؤخر مايكل بوزنر مساعد وزير الخارجية الأمريكية للديمقراطية وحقوق الانسان. وبذلك يصبح الأقباط – فى رأيه - أكبر أقلية فى العالم تعانى من الاضطهاد المنظم..
وقد ترددت بعد كل اعتداء مقولة إن دماء الشهداء ليست رخيصا. وربما كانت هذه العبارة نوعا من الاحتجاج الموجه للمسئولين فى الدولة الذين أحيانا كانوا ضالعين فى الجريمة ثم بعد ذلك تعودوا على الاستخفاف بالشهداء ، فلا تكريم لهم ولا استحقاقات مالية تصرف لذويهم بل- على العكس - كانت هناك محاولات لمحاكمتهم حتى بعد موتهم لتشويه سمعتهم وضمهم الى قائمة المجرمين بدلا من ذكر أسمائهم فى لوحة الأبطال الوطنيين. فان كانت عدالة الأرض لا تنصفهم فان عدالة السماء لن تنسى دمائهم ولن تهمل دموع ذويهم.
فبعد بضعة أسابيع من حادث كنيسة القديسين واجه المسئولون عن الجريمة عدالة السماء فى ثورة 25 يناير . ويبدو اننا الآن بصدد تعامل الله مع المسئولين عن مذبحة ماسبيرو بعد مرور حوالى 40 يوم عليها. اللهم لا شماتة!، أللهم لا نسألك النقمة ولا نسألك أن تعاملنا حسب خطايانا وشرورنا بل حسب محبتك ورحمتك أن تنجى مصر وشعب مصر..
ولكن من الجانب البشرى، حتى لا يضيع دم الشهداء هدرا، علينا نحن أن نستوعب الدروس المستفادة من التضحية العظيمة التى قدمها هؤلاء نيابة عنا. فعندما نقول أن دماء الشهداء ليست رخيصة يجب أن لا يكون هذا مجرد شعارات عاطفية وقتية نرددها فى حموة المناسبة ثم ننساها تدريجيا بمرور الوقت. ولكن علينا أن نثبت أن ذكرى ما عمله هؤلاء ستستمر محفورة فى وجداننا بطريقة تتعدى الكلام الرخيص الى العمل الجاد. وهذا يظهر فى حرصنا على:
أن تستمر شمعة رسالتهم مضيئة
لم يقدم هؤلاء أنفسهم للموت لأنهم يكرهون الحياة أو لأنهم يسعون الى الهروب من صعوبات خاصة يمرون بها أو متاعب شخصية أو عائلية أو معيشية يعانون منها، وإلا كان موتهم يعتبر نوعا من الانتحار. ولكن كان موتهم حبا فى الحياة وتكريما لها ودفاعا عن القيم الجميلة التى كانوا يسعون لتحقيقها ليس فقط لأنفسهم بل للملايين غيرهم.
كانت رسالتهم تهدف الى الاحتجاج على الظلم الواقع على الأقباط فى ممارسات التفرقة التى يلقونها فى التعيينات والترقيات للوظائف العليا وفى الحظر على بناء الكنائس والغبن فى التمثيل النيابى وفى التعرض للاعتداءات الارهابية والقتل على أساس الهوية الدينية. ومن سخريات القدر أنه فى سبيل احتجاجهم على الارهاب يلاقى المتظاهرون ابشع حدث ارهابى فى تاريخ مصر الحديث، وأن أصابع الاتهام تشير ليس للبلطجية والمجرمين فقط ولكن لضلوع من كان ينتظر منهم توفير الأمن والحماية.
من حق هؤلاء علينا أن نستمر فى مسيرتهم فنحافظ على هذه الشمعة من أن تنطفىء بل تظل مضيئة الى أن ينقشع ليل الظلم ويطلع نهار الحرية.
أن تستمر جذوة تضحيتهم مشتعلة
لقد ضحى هؤلاء بأغلى ما يملكون وهى حياتهم. ولم يكن هذا موقفا قد أرغموا عليه، بل اختاروه عن طيب خاطر. كانوا من البداية يعرفون حجم المخاطر التى تنتظرهم وكانوا على استعداد لهذه التضحية حتى أن بعضهم كان يرتدى قميصا مكتوبا عليه "شهيد تحت الطلب". وهو شعار يختلف عن شعار الانتحاريين الذين يذهبوا لكى يقتلوا الآخرين ثم يقتلوا أنفسهم. أما هؤلاء فلم يكن هدفهم أن يقتلوا أحدا ولا حتى أن يقتلوا أنفسهم ولكن كانوا يهدفون أن يدافعوا عن حقهم وحق الأخرين فى الحياة الكريمة حتى وان تسبب هذا فى موتهم.
روح التضحية هذه التى أظهرها هؤلاء يجب ان تستمر.بالتضحية على الأقل ببعض ما عندنا من وقت أو مال أو مواهب لخدمة من هم أقل حظا منا. أما اذا جاء نداء التضحية بالروح من اجل هذه القيم، فلنتعلم درسا من هؤلاء الأبطال ونكون على استعداد أن نعمل المثل.
أن تستمر قدوة سيرتهم حية
الموت فى المسيحية ليس نهاية الحياة بل انتقال الى حياة أفضل. فهؤلاء الشهداء لم يموتوا بل هم أحياء مع المسيح. وفى هذا يقول الله فى الكتاب المقدس "أنا الرب اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب ليس اله أموات بل اله أحياء" متى 22:32
هذه السيرة العطرة لهؤلاء الشهداء ستظل نبراسا لنا نسير على نهجه، فتشجعنا كلما وهنت أقدامنا فى الطريق. بل .وستظل سيرتهم فى ذاكرتنا وصلواتنا الى الله لننال بركتهم. وقد حرصت كنيستنا القبطية الأرثوذكسية على أن يذكر اسماء الشهداء فى الليترجى بعد الرسل مباشرة وقبل القديسين تكريما لهم.
مرة أخرى نسأل الله أن تبارك دماء الشهداء بلادنا،أن يشفى بها أرض مصر. وعندما القيت بعض جثث الشهداء فى النيل نسأله أن يعالج بها مشكلة مياه النيل. ليكون الشهداء حتى فى موتهم، بركة لمصر وشعب مصر مسيحيين ومسلمين.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com