بقلم: يوسف سيدهم
فى الثانى من هذا الشهر أصدر المجلس القومى لحقوق الإنسان تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلها للتحقيق فى أحداث يوم الأحد الدامى ٩ أكتوبر الماضى التى اشتهرت باسم»أحداث ماسبيرو« وكما تعودنا من المجلس القومى لحقوق الإنسان جاء التقرير حافلا بفيض من الحقائق سواء ما يتصل منها بالأحداث مباشرة أو ما يفتش عن جذورها وهو ما أطلق أنا عليه»ميراث الغضب والمرارة« وكما تعودنا أيضا تتفاوت انطباعات البعض حول التقرير، فهناك من يشجبه وهناك من يتهمه وهناك من يدينه،وذلك يرجع إلى أن الكثيرين يقرأون التقرير بتوقعات مسبقة تبحث عن صياغات بعينها، لكن الحقيقة أن القراءة المتأنية للتقرير تكشف قدراً ملفتاً من الحياد والمصداقية والشجاعة، وهناك أجزاء مهمة لا يمكن إغفالها...أسجلها هنا:
تحليل أحداث ماسبيرو:
٠٠شهدت أحداث ماسبيرو التى فقدت مصر فيها 26شهيداً من المسيحيين وواحداً من العسكريين وواحداً من المسلمين بالإضافة إلى أكثر من321 مصاباً من المدنيين والعسكريين، عدداً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تشكل جرائم ارتكبت فى حق المتظاهرين السلميين، شملت جرائم قتل عمد وقتل عشوائى واعتداءات بدنية أسفرت عن إصابات جسيمة.
٠٠المظاهرة التى خرجت من شبرا إلى ماسبيرو كانت مظاهرة سلمية بإجماع الشهود وضمت إلى جانب المواطنين المسيحيين العديد من المواطنين المسلمين، ولم يحمل المتظاهرون سوى الصلبان الخشبية والأعلام المصرية واللافتات التى تندد بهدم الكنائس وتطالب بقانون موحد لبناء دور العبادة....والجدير بالذكر أن الدعوة للمظاهرة وإخطار الجهات المختصة بها قد تم قبل قيامها بثلاثة أيام على الأقل،( أى أن السلطات الرسمية والأمنية لم تفاجأ بها وكان عليها إما منعها أو حمايتها لكن أيا من ذلك لم يحدث).
**تعرضت المظاهرة السلمية للاعتداءات بالرشق بالحجارة والزجاجات عند مرورها أسفل نفق شبرا وأسفل كوبرى 26يوليو وفى منطقة بولاق أبو العلا، كما تم إطلاق بعض الأعيرة النارية عليها دون أن تحدث إصابات، وكانت تلك الاعتداءات من مدنيين...وعند وصول المظاهرة إلى منطقة ماسبيرو تحركت الشرطة العسكرية لإيقاف تقدمها وتفريق المتظاهرين باستخدام الدروع والضرب بالعصى الخشبية كما أطلقت الرصاص»الفشنك«...وفى نفس الوقت ثم إطلاق أعيرة نارية حية على المتظاهرين من مصادر لم يمكن تحديدها بدقة.
.
٠٠بعد دقائق من استخدام الشرطة العسكرية للقوة فى تفريق المتظاهرين تحركت ثلاث مركبات مدرعة- كانت متمركزة فى المكان- بشكل متلاحق وسريع وبحركة دائرية فقامت بدهس عدد من المتظاهرين الذين بوغتوا بذلك فسقط نحو 12 قتيلا تحت عجلاتها بالإضافة إلى الجرحى الذين أصيبوا إصابات بالغة.
٠٠بعد الإعلان فى التليفزيون المصرى أن الأقباط يعتدون على الجيش ظهر عدد من المواطنين المدنيين يحملون العصى الخشبية والحديدية والأسلحة البيضاء وانضموا للشرطة العسكرية فى ضرب المتظاهرين وسبهم بعبارات:»الجيش والشعب إيد واحدة ضد النصارى«.
٠٠للأسف الشديد كانت تغطية التليفزيون المصرى للأحداث مضللة ومحرضة ضد المتظاهرين من المواطنين المسيحيين حيث عرضت الأنباء تتهم المتظاهرين»الأقباط« بإطلاق الرصاص على قوات الجيش والشرطة،وأغفلت عمدا حوادث القتل والدهس والاعتداءات التى تعرض لها المتظاهرون، مما أدى إلى استعداء المشاهدين على المسيحيين ونزول البعض لمساندة الجيش ضدهم. لقد ظهر أداء التليفزيون الرسمى فقيراً مهنياً وتقنياً ومفتقداً للمصداقية، وكاد بأخطائه أن يوقع البلاد فى أزمة طائفية خطيرة لولا رفض جموع المصريين لمحاولات التحريض والاستعداء التى صدرت عنه.
٠٠لم تكتف المذيعة رشا مجدى بقراءة ما ورد أمامها فى شريط الأخبار، إنما بادرت بإطلاق تعليقاتها الشخصية عليه بكلمات حماسية غاضبة لا تتفق مع واجب الاتزان والحياد فى الأداء، كما لا تتفق مع الأداء الواعى للمذيع المدرك المصلحة العامة وحدود وظيفته وتأثيره على جموع المشاهدين، وتعد من أخطر التجاوزات التى سقطت فيها التغطية الإخبارية التى وردت فى التليفزيون المصرى، ماعرض من خلال عيادة الرعاية الطبية التابعة لمبنى التليفزيون من الاقتصار على عرض ولقاء المصابين من الشرطة العسكرية والأمن المركزى دون عرض أى شئ عن دهس وقتل وإصابة المتظاهرين المسيحيين مما زيف الحقيقة وأوغر صدر المشاهدين تجاه المعتدين »الأقباط«.
٠٠٠خلفية أحداث ماسبيرو:
٠٠تشهد مصر منذ1970 سلسلة من العمليات تقوم بها جماعات العنف المسلح التابعة لتيارات إسلامية متطرفة تستهدف المواطنين المسيحيين وكنائسهم، وكانت باكورة تلك الأحداث ماتعرضت له كنيسة الخانكة-محافظة القليوبية- عام1972 والتى صدر بشأنها تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلها مجلس الشعب برئاسة د.جمال العطيفى، وأوصى التقرير فى حينه(نوفمبر1972) بأهمية إخضاع تراخيص بناء وترميم الكنائس للقواعد العامة للبناء التى تسرى على المساجد، وضرورة احترام حق المواطنين المسيحيين فى ممارسة شعائرهم الدينية دون تمييز....لكن لم تتم الاستجابة لتلك التوصيات حتى تاريخه وتوالت أحداث العنف ضد المسيحيين وكنائسهم الأمر الذى يرجع أساسا إلى تقاعس الحكومات المصرية المتعاقبة عن اتخاذ السياسات والإجراءات التى تحد من العنف وإصدار التشريعات التى تعالج التمييز.
٠٠رغم مشهد التلاحم العظيم بين المصريين خلال أحداث ثورة 25 يناير هذا العام، سرعان ما تبددت هذه الصورة المثالية وتجددت أعمال الاعتداءات على الكنائس وعلى الأقباط، وظهر ذلك فى قرية»صول« بأطفيح، ثم حوادث أبوقرقاص بالمنيا، ثم كنيستى إمبابة، وأخيرا فى»الماريناب« بأسوان.
٠٠فى جميع هذه الأحداث التى استهدفت الاعتداء على المواطنين المسيحيين وحرق وهدم كنائسهم خلال الأربعة عقود الماضية تمت معالجة الأمور من جانب السلطات المسئولة باعتبارها ملفات أمنية، وساهمت جلسات الصلح العرفية التى فرضها الأمن فى إزكاء الفتنة بدلا من إطفائها،ولم يتم تطبيق القانون لمحاسبة وردع مرتكبى تلك الجرائم أو محاكمة الجناة،علاوة على التراخى فى تنفيذ الأحكام القضائية، فاستمرت وتكررت الحوادث الدامية على نحو متواتر مما كرس لدى المواطنين المسيحيين الشعور بالتمييز ضدهم بسبب الدين،فزاد انتماؤهم للكنيسة على حساب المشاركة السياسية والانتماء للوطن.
بالرغم من التحذيرات المتكررة من المجلس القومى لحقوق الإنسان، إلا أن الحكومة المصرية دأبت على اتباع أسلوب المسكنات الذى اتبعته خلال الأربعين عاما الماضية، وتأخرت فى مواجهة تداعيات الأحداث الطائفية وتقاعست عن فرض سيادة القانون، هذا بالإضافة إلى تراخيها فى إصدار القانون الموحد لبناء وترميم دور العبادة الذى تابعه المجلس منذ عام 2006 وألح فى تقاريره السنوية على أهمية إصداره لتفعيل المواطنة وتحقيق المساواة ومنع التمييز، وكان من نتيجة تباطؤ الحكومة فى هذا السياق أن ظهرت مؤخراً اتجاهات تطالب بقانون منفصل لبناء كل من المساجد والكنائس دون مبرات واضحة، والجدير بالذكر أن القواعد الفنية والإجرائية العامة واشتراطات البناء والترميم لدور العبادة لا دخل لها بالدين ولذا فمن غير المتصور أن تختلف فى حالة بناء مسجد أو كنيسة.
٠٠قدم المجلس للحكومة مشروعاً لقانون تكافؤ الفرص ومنع التمييز، ووعدت الحكومة بإصداره، إلا أنها اكتفت بإصدار تعديل لقانون العقوبات يضع عقوبة على جريمة التمييز بين المواطنين، إلا أن ذلك غير كاف لأنه يقتصر على الأثر العقابى الرادع بينما يغفل الجانب الإصلاحى لآليات الرقابة وتعزيز المساواة.
٠٠٠التوصيات:
٠٠الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة تنظر فى الأحداث فى سياقها الثقافى والاجتماعى والسياسى، وتخول بالاطلاع على ما تم حجبه من معلومات.
٠٠الدعوة إلى إحالة التحقيقات فى أحداث ماسبيرو إلى لجنة قضائية مستقلة بدلاً من النيابة العسكرية وذلك لاستبعاد أى شبهة بعدم الحياد، لأن التحقيقات تتضمن اتهامات لبعض المسئولين بالقوات المسلحة حول جرائم قتل المواطنين دهسا وعن الاعتداءات والإصابات التى لحقت بهم فى موقع الأحداث.علاوة على ضرورة مساءلة كل من شارك فى أو حرض على ارتكاب الانتهاكات فى الجهاز الإعلامى بالتليفزيون الرسمى باعتبار ما حدث منه من تحريض جريمة يعاقب عليها القانون وليست مجرد خطأ مهنى.
٠٠ضرورة الإسراع بإصدار القانون الموحد لبناء وترميم دور العبادة وتقنين أوضاع جميع دور العبادة فى مصر، وكذلك ضرورة إصدار قانون تكافؤ الفرص ومنع التمييز.
٠٠تقع على الدولة مسئولية التعويض عما ارتكبه ممثلو إنفاذ القانون من قتل وإصابات بالمواطنين وتشمل ذلك سرعة إقرار وصرف معاش استثنائى لأسر الشهداء من المواطنين المسيحيين أسوة بما جرى لشهداء 25يناير، هذا مع استكمال علاج المصابين على نفقة الدولة، وإقرار وصرف التعويضات وفقا للمعايير التى تطبقها القوات المسلحة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com