وماذا بعد أن تحرق الكنائس ويغضب المسيحيون، فينزل إليهم المسلمون ويطيبون خاطرهم، ثم يبكى الاثنان ويعود الأغلبية إلى البيوت ليتم فض اعتصام القلة الباقية بالقوة؟ كان المخلوع يعتمد على أجهزة تثير الفتنة الطائفية، وهى عادة ما تتلخص فى تدبير أى اعتداء على الكنائس، قبل تجديد قانون الطوارئ، أو قبل الانتخابات، أو قبل أن يقوم بفعل أى مصيبة فى حياته من المصايب اللى كان بيعملها، كى يشعر المسيحيون بالهلع والغضب، ويشعر المسلمون بالخوف والتوتر، وكعادة المصريين فى الأزمات، يتصرفون -كما يقول عزمى بشارة- كأنهم الأسرة وكأن مصر البيت، ويتركنا المخلوع فى ما نحن فيه ليقوم هو بفعل ما يحلو له. إلا أن الأجهزة التى كانت تعمل لصالح المخلوع زودتها حبتين فى حادثة كنيسة القديسين، حيث سقط عدد كبير من الشهداء، واستشهد برىء آخر تحت وطأة التعذيب، وأخيرا خرج علينا العادلى ليخبرنا بأن الفلسطينيين هم من فجروا الكنيسة، فما كان من المصريين جمعاء، بمسيحييهم ومسلميهم، إلا أن نثروا شعرهم: لاااااا بقى.. إحنا طيبين آه.. مش معاتيه.. فلسطينيين؟ هى حصّلت؟! ثم قامت الثورة المباركة بحمد الله، ثم نشرت الصحف العالمية وثائق تؤكد أن نظام مبارك هو الذى دبّر حادثة كنيسة القديسين بالاتفاق مع إسرائيل التى كانت ترغب فى ضرب غزة من دون «الوَشّ» الذى يقوم به المصريون مطالبين بفتح المعبر، وذكر فى هذه التقارير أن عمر سليمان هو العقل المدبر وأن العادلى هو الذراع المنفذة.
أتذكرون «رأس الأفعى» الذى تحدث عنه مبارك فى خطابه وهو يضع مكياج نادية الجندى؟ وصورة الرأس التى نشروها؟ ولاّ بيان القاعدة…! يا نهار اشتغالات! إلا أنه كان أستاذا إحقاقا للحق، أى أن كل اعتداءات تثير الطائفية كانت تدبر بشكل ممنهَج، ومنظم: حادثة واحدة عنيفة، فى كنيسة واحدة، تحدث قلقا وخوفا وهلعا لدى الناس، وفى ذات الوقت لا تثير شكوكهم، على الرغم من أن إنسانا لم يكن يتم القبض عليه فى أحداث الاعتداءات على الكنائس، حيث إن الشرطة لا تلقى القبض على عناصرها بالطبع. كان أستاذا ولم يكن بهذه الغشومية.. إذ فجأة بمحنننن الصنننفة.. بمححححنننننن الصننننننفة، وبعد انتهاء قانون الطوارئ دستوريا، ومع الخلاف الناشب بين القوى السياسية والمجلس العسكرى حول ما إذا كان يحق للمجلس أن يجدد الطوارئ دون استفتاء، فجأة.. فجأة.. تذكر كل المسلمين المتعصبين فى كل المحافظات أن هناك كنائس حولهم، وقرروا، بإجماع شعبى، حرقها… يا لهوى يا امّا على الهبل!
ماعادش المسلمين والمسيحيين يحضنوا بعض ويعيطوا تانى، حنحضن بعض بعدين. الآن: أين قانون دور العبادة الموحد الذى صدّق عليه عصام شرف؟ أين فتح التحقيق فى حادثة كنيسة القديسين الذى وعد به عصام شرف؟ أين المتهمون فى الاعتداءات السابقة على الكنائس الذين أكد عصام شرف أنه سيتم القبض عليهم؟ بل أين عصام شرف ذاته؟ والأهم من ذلك: أين الإعلان الرسمى عن انتهاء حالة الطوارئ؟ حتلاعبنى بالحرايق حالاعبك كما قال عمرو مصطفى قدّس الله سره. إن كان من أحرق الكنائس يظن أن هذه هى الوسيلة المثلى لتجديد قانون الطوارئ، فنقول له إن الكنائس تم الاعتداء عليها المرة تلو المرة فى ظل قانون الطوارئ، وتحت أعين القوات المسلحة التى دائما ما كانت تأتى فى آخر الفيلم بعد أن يكون أنور وجدى قد أوسع استيفان روستى ضربا، وفى غياب الشرطة بملابسها الرسمية، وربما فى حضورها بملابس مدنية، ما هى الشرطة فى مصر طالعة بعدة مناظر مثل محمد سعد: مرة شرطة، مرة بلطجية، مرة معتصمين، مرة مواطنين يحرقون كنائس، مرة متظاهرين، مرة مواطنين شرفاء يضربون المتظاهرين… ومن كثرة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم حفظنا وجوههم، وأصبحنا نميزهم فى كل تجمع: الواد بتاع أمن الدولة اللى كان فى الاعتصام أهو… عامل شرفاء المرة دى. لكن.. قانون الطوارئ أصبح يجدد كل ستة أشهر، حتفضلوا تحرقوا المسيحيين كل ستة أشهر؟ ولما ينقرضوا وتحبوا تجددوا الطوارئ تانى حتحرقوا مين بقى؟ إن كان مسيحيينك عسل ما تحرقوش كله.
حسنا، قديمة لعبة الكنائس هذه، ولن تُستخدم مبررا لتجديد الطوارئ، وإن كانت الكنائس يتم الاعتداء عليها فى ظل هذا القانون ولا يلقى القبض إلا على المعتصمين غضبا لحرق كنائسهم، فنحن لا نريد هذا القانون، ونريد فتح التحقيق فى تفجير كنيسة القديسين، ولن نفزع ونعكف على الأحضان والقبلات والبكاء و«مسلم ومسيحى.. إيد وااااحدة».. خلاص عرفنا إنكم إيد واحدة، ما تاكلوش دماغنا بقى… أين المتهمون فى الاعتداءات على الكنائس؟ والأهم من ذلك: أين عمر سليمان؟
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com