بقلم: جرجس بشرى
تعتبر "مصر" واحدة من أهم دول العالم المتميزة بالتعددية الدينية والثقافية والحضارية، وبالرغم من أن الدستور المصري يعترف رسميًا بالأديان السماوية الثلاثة- اليهودية والمسيحية والإسلام- إلا أن الحكومة المصرية مازالت تمارس سياسات ممنهجة، وبلا هوادة، لتكبيل وتقييد الحريات الدينية بها، وخاصة التحوَّل من الإسلام إلى المسيحية، كما تضع الحكومات المصرية قيودًا صارمة على بناء دور العبادة المسيحية، فبناء الكنائس في "مصر" يُعد من الموبقات، وتقاومه الحكومة المصرية بسلسلة من الإجراءات التنظيمية والقانونية بالغة التعقيد، لدرجة أن بناء أي ملهى أو مَرقَص في "مصر" يُعد بالأمر الهين واليسير إذا ما قورن ببناء كنيسة يتعبد فيها الأقباط لله، ويطالبون فيها بالصلاة من أجل سلام بلادهم، بل وسلام العالم كله!!!!
ومن المثير للدهشة والضحك والاشمئزاز من الممارسات الغبية التي انتهجتها الحكومات المصرية- ومازالت- في بناء الكنائس، أن بناء الكنائس في "مصر" يحتاج إلى قرار جمهوري!!! وكأن بناء الكنائس في "مصر" أمر يستهدف الأمن القومي المصري، بل أن هدم وإعادة بناء كنيسة من الأمور البالغة التعقيد، وهذا ما رصدناه من تعامل الحكومة المصرية وجهازها الأمني وسلطاتها المحلية في السابق مع مطرانية "مغاغة" وغيرها، كما أن ترميم حائط أو دورة مياة أو هدم سقف يتهدد سلامة المصلين في الكنيسة يحتاج لتصريحات وإجراءت معقدة!!! بل أن هناك كنائس في "مصر" تنتظر تصاريح البناء منذ أكثر من أربعين عامًا!!! ولم تحصل على تراخيص بناء حتى هذه اللحظة!!!!.
إن حكومات "مصر" المتعصبة تنتهج مع الملف القبطي سلوكًا مُريبًا ونهجًا سياسيًا غبيًا، في محاولة لجعل الأقباط في "مصر" كالجاليات والرعايا في وطنهم الأصلي، مع أن الحكومة المصرية تعي جيدًا خطورة هذه الممارسات متى تعامل معها الأقباط بجدية وطالبوا بحقوقهم كمواطنين مصريين أصليين في هذا البلد، حيث يكفل ميثاق الأمم المتحدة حقوقًا مشروعة للمواطنين الأصليين، من حيث الحقوق السياسية والدينية والاجتماعية وغيرها، بل وتعطي هذه المواثيق سكان البلد الأصليين حق المطالبة بحكم ذاتي في حالة تهميش حقوقهم!!!!.
ومن المؤكد، أن حكومات "مصر" تستند في تقييد بناء الكنائس على نص المادة الثانية من الدستور المصري، والتي تنص على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، وتستند تحديدًا ليس على مبادئ الحرية العدالة بل على نصوص فقهية متطرفة تقصي الآخر المسيحي وتحرمه حقه في العبادة وممارسة الشعائر الدينية وبناء الكنائس، خاصةً وأن هناك فتاوى كثيرة تمنع بناء أو استحداث كنائس بعد هدمها في ديار الإسلام!!!.
إن الأسلوب الجهنمي الآثم والغبي الذي تتبعه الحكومة المصرية إزاء الملف القبطي وبناء الكنائس لخطير، ويدعو إلى القلق المفرط من تصاعد وتيرة العنف الطائفي في المستقبل، وهو الأمر الذي يؤدي بشكل أو بآخر لتمرير مخططات صهيونية لتفتيت "مصر" وتقسيمها على أساس ديني وطائفي، وعلى المصريين الشرفاء مسلمين وأقباط أن يتفهموا خطورة تصعيد هذا الملف على مستقبل وحدة "مصر"، وأن يضغطوا بكل ما أُوتوا من قوة على هذه الحكومات المتطرفة؛ لإقرار الحقوق الدينية المشروعة للأقباط، ليس في بناء الكنائس فحسب، بل وحقوقهم المشروعة في صناعة القرار، والسلطة، وممارسة الحقوق السياسية.
وفي عهد الرئيس المخلوع الطاغية "مبارك"، كنت قد طالبت- وتحديدًا عام 2010 عبر مقال صحفي- بضرورة تأسيس وزارة لشئون الأديان في "مصر"، ولكنه وحكومته وجهازه الأمني لم يلتفت إلى هذه المطالب؛ لأنه كان يتاجر بملف الأقباط أمام المجتمع الدولي ولصالح الوهابية البغيضة، فوجود وزارة لشئون الأديان في "مصر" أمر يدعو إلى الفخر، ويُظهر "مصر" أمام المجتمع الدولي بصورة مشرِّفة ترعى حقوق أتباع الأديان بها، وفقًا للدستور والمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وتحديدًا تلك المواثيق المتعلقة بحرية الدين والمعتقد. كما أن هذه الوزارة سيمُثل فيها شخصيات مسيحية وإسلامية وغيرها مشهود لها بالثقة من الجميع، وخاصةً من أهل طائفتهم، ومن الطبيعي أن وزارة لشئون الأديان في "مصر" سيكون من اختصاصاتها الرئيسية بناء الكنائس والمساجد، ورفع مطالب المسيحيين والمسلمين التي تتعلق بالشأن الديني إلى هذه الوزارة لدراستها، وإيجاد آليات لتنفيذها على أرض الواقع، كما أن القرارات التي ستتخذها هذه الوزارة ستكون ملزمة وليست استشارية..
إنني، ومن على منبر صحيفة "الأقباط متحدون"، أطالب المجلس العسكري بالنظر إلى هذه الفكرة بجدية، وإيجاد حوار مجتمعي بشأنها، حيث أن نظام "مبارك" لم يسمح بتوسيع نطاق الفكرة إلا في حدود ضيقة جدًا، بعد أن طرحتها على عدة مواقع صحفية وحقوقية عام 2008، فقد تطرَّق إليها د. "مصطفى الفقي" ثم تعمَّد النظام بعد ذلك طمس معالمها.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com