ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

على أيامها

سحر غريب | 2011-09-24 00:00:00

بقلم: سحر غريب
أحيانًا يذهب عقلي ويأخذني معه في رحلة إلى الماضي البعيد، إلي بيت جدتي الغالية، بيت العائلة الذي يجمع الكل ويلم الشمل.. جدتي كانت امرأة من زمن البساطة، كان كل همها الأحفاد، عاشت بيننا بطيبة ملامحها وبنيتها الضعيفة، أنجبت من الأبناء عشرة، عاش منهم من عاش ومات منهم من مات.

تحضرني ساندوتشات السكر التي مازلت أُعالج من آثارها الآثمة على طقم أسناني.. كانت هذه هي طريقتها السهلة لسد جوع قافلة الأحفاد الجوعى!.. ومازال طعم البصل المشوي في فمي، والذي كان بديلًا لحفلات الشواء التي انتشرت اليوم.. ولكن بصل جدتي المشوي كان له طعم لا يُعلي عليه، ففيه الطعم اللذيذ المُغلف بالذكريات الجميلة والطفولة البريئة.

كانت جدتي ثورية بطبعها، ولكنها الثورة التي تنبعث من تحت الجلد دون أن تستشعرها. فكانت ترفض زيادة الأسعار، وتفرض أسعارها القديمة على البائعين.. أتذكر أنها أرسلتني يومًا وأنا طفلة صغيرة إلي بائعة الخضار ومعي خمسة قروش لأشتري لها كيلو طماطم، فنهرتني البائعة بشدة، وقالت لي: "قولي لجدتك الطماطم ببريزة"، ثم أتبعت كلامها بضحكة ساخرة على جدتي التي لا تعترف بزيادة الأسعار؛ لأن السلع لم تتغير، فلا داعي إذًا لأن تزيد أسعارها!!.

ذهبت إلي جدتي وأنا أجر أذيال الخيبة، لأنني لم آتها بالطماطم لتصنع لنا حلة البامية، فأخذت مني جدتي الخمسة قروش، وذهبت بنفسها، وجاءت لنا بالطماطم، وبالخمسة قروش فقط دون أن تزيدها قرشًا واحدًا.. ساعتها ارتفعت هامة جدتي في نظري، ورأيتها امرأة قوية لا تتهاون في حقها أبدًا.

أتذكر جدتي كلما بدأ العام الدراسي الجديد، وطالبتنا المدارس بالمصاريف المُبالغ فيها، والتي تتزايد عامًا بعد عام، رغم أن المدرسة لا تقدِّم جديدًا مقابل تلك الزيادات غير الآدمية، والتي تتعامل معنا على أننا "شعب من الأثرياء".. أتذكر المناضلة التي ناضلت من أجل الخمسة قروش، ونحن تتزايد أسعارنا بالمئات والآلاف دون أن نتحرك أو نعترض!!.. رحم الله جدتي وأيامها الجميلة، وجعل تلك الذكريات دواءً لنا في أوقاتنا العصيبة.

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com