بقلم / إيهاب شاكر
منذ خطاب التنحي في الحادي عشر من شهر فبراير الماضي، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، يدير شئون البلاد، ويقوم بأعمال رئيس الجمهورية، وأيضا بدور السلطة التشريعية، وعلى مدار تسعة أشهر، هي عمر ثورة يناير، حدثت الكثير من الأحداث، التي في وجهة نظرنا، أخفق المجلس في التعامل مع معظمها، ونجح في البعض الآخر.
من ضمن هذه الأمور مثلاً، موضوع الانتخابات بالقائمة النسبية، وبالرغم من أن العديد من القوى السياسية ومعظم الأحزاب قدمت عدة اقتراحات للمجلس، إلا أنه لم يعرها أي اهتمام، والدليل أنه لم يأخذ بأي منها. وطرح مشروع النصف بالقائمة النسبية، والنصف بالانتخاب الفردي، وهو على ما يبدو ماض في إعماله، بالرغم من رفض معظم القوى السياسية إن لم يكن جميعها.
ما يدور في ذهني في هذه اللحظات، هو على أي أساس يدير المجلس البلاد؟ وبتعبير أدق، على أية شرعية يعتمد المجلس في إدارته للبلاد؟
في هذا الصدد، هناك رأيان أو احتمالان:
الأول: أن يكون المجلس معتمد في إدارته على خطاب التنحي، الذي أوكل أو نقل الرئيس السابق فيه إدارة البلاد للمجلس.
الثاني: أن يكون المجلس معتمد في إدارته على الشرعية الثورية.
الملاحظ أنه بعد إتمام خلع الرئيس السابق، وتسلم المجلس إدارة البلاد، أن المجلس العسكري يسير على نفس خطى النظام السابق، فهو يُصدر البيانات والقرارات والقوانين والتشريعات، بغض النظر عن موافقة الشعب عليها أو حتى اعتراض معظمه عليها، سواء متمثلا في القوى السياسية، التي تلعب دوراً بارزا في هذه المرحلة، أو في حوارات المواطنين التي تدور وتظهر بين حين وآخر.
علينا أن نلاحظ جميعا، بل ونقر أن المجلس الأعلى، أو الجيش لم يقم بالثورة، فهو لم يقم بانقلاب عسكري، بل الشعب هو من فعل. وأيضاً لم يساعد حتى في الإعداد والتجهيز لها، و كان دائما يعلن أنه محايد . صحيح أنه أعلن أنه لن يطلق النار على الشعب، لكنه أيضا، لم يتدخل في مواجهة من اعتدوا على المتظاهرين، والدليل "موقعة الجمل" فهو لم يعترضها أو يمنع الهجوم التتري على الثوار المسالمين، ورغم ذلك رحب به الثوار كسد منيع وحامٍ وضامنٍ للثورة،لكن ما يحدث على الساحة وما هو ظاهر للعيان أن المجلس"الموقر" يحتكر منفردا إدارة البلاد، وهو الوحيد الذي يحدد ما هي أهداف الثورة، ونسي أنه وكيل عليها وعلى شئون البلاد وما يقوم به الآن هو مجرد فترة انتقالية.
لذا، على المجلس أن يثبت للمواطنين أنه يدرك هذا المعنى، وأن مصدر شرعيته هو الشعب وثورته، وليس خطاب المخلوع، إذ أنه كان قد فقد شرعيته أصلا في أي قرار يأخذه.
ليس من مكتسبات الثورة أن تتفق كل القوى السياسية بالإجماع، على القائمة النسبية، فيصر المجلس ويعلن أن ذلك ليس دستوريا، عن أي دستور يتحدث، لا أدري، فالشعب حينما أراد خلع الرئيس السابق، لم يكن ذلك طبقاً للدستور، و حينما أجرى المجلس استفتاء، لم يكن ذلك طبقاً للدستور، فالدستور قد سقط بخلع الرئيس ونجاح أو مطالب الثورة. وكان مصدر كل هذه الطلبات الشرعية الثورية.
مرة أخرى، لابد أن يعي المجلس الأعلى، ويعلن ذلك ويثبته، أن لديه تكليف ثوري من الشعب بتنفيذ أهداف الثورة في مرحلتها الانتقالية، وهذه الأهداف يحددها الشعب، وليس المجلس، مثل: إنهاء حالة الطوارئ التي " ويا فرحتي" أعادها مرة أخرى، المجلس الموقر، بحجة الأحداث الأخيرة من اعتداء على مديرية أمن القاهرة، واعتداء على السفارة الإسرائيلية، والتي كان من الممكن القيام بإجراءات أخرى للأمن دون الاستعانة بقانون الطوارئ سيء السمعة.
فكان عليه إنهاء حالة البطش من الشرطة، والتي مازالت مستمرة في بعض الحالات والأنحاء، وتحقيق العدالة في كل ما نُهب من موارد مص ، و معاقبة كل من ساهم و شارك في قتل ووأد إرادة الوطن .
قامت الثورة لتغيير الأوضاع، وإعادتها لمسارها الصحيح، وعلى المجلس حمايتها، كما عهد إليه الشعب بثواره، حمايتها على كل الأوجه،والمحافظة على مكتسباتها، وليس العمل على موتها البطيء كما هو ملاحظ . فقد قامت لإحداث تغيير في طريقة تداول السلطة وتوزيع الثروة، كما يراها الشعب و قواه الثورية، لا كما يراها المجلس الأعلى و معاونيه، قامت الثورة لتعديل أو هدم وبناء الأعراف السياسية التي عشنا عليها طوال 60 عاماً، قامت الثورة لإبراز دور مصر التاريخي في البناء وتقديم أدوات التحضر، التي طالما كانت مصر على مستوى المسئولية بخصوصه.
لا نريد أن نحاسب على النية، فالله أعلم بها، لكن لنا ما نراه من نتائج على الواقع، والتي حتى الآن لا يرضى عنها الشعب، الذي انتفض وقام من قمقمه وثار حتى تنصلح أحواله، وأحوال الأجيال القادمة.
رجاء، من المجلس العسكري، والقوات المسلحة، قوموا بواجبكم التاريخي، الذي كلفكم به أبناء هذا الوطن، واثبتوا للعالم أجمع، أنكم أبناء هذا الوطن، الذي طالما دافعتم عنه، وأريقت دماؤكم في سبيل تحريره والحفاظ عليه.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com