* المسيحية نادت بالمحبة والتآخي والسلام، وجاءت بمفهوم فصل الدين عن الدولة.
* الفكرة الرئيسية في البشارة المسيحية هي المحبة في زمن سادت فيه النزاعات والحروب.
* آيات عديدة في الكتاب المقدس تؤكِّد أن ملك السيد المسيح ليس من هذا العالم.
كتبت: ميرفت عياد
الأحداث الطائفية التي تشهدها "مصر" من حين إلى آخر، تحمل في طياتها حالة من الاحتقان العام داخل المجتمع المصري، الذي يجهل جزء كبير منه الكثير عن الآخر ومعتقداته ومبادئه، الأمر الذي يجعله يصدِّق الشائعات التي يحاول البعض نشرها لإحراق الوطن.
ومن المعروف أن الإنسان عدو ما يجهل، لذا علينا أن نفكِّر بعمق فيما حولنا. نحاول قراءة كل ما يدور حولنا من أفعال أو أفكار وسبر أغوارها وتفحصها. ومن هنا تأتي أهمية فهم الآخر وتقبُّله، مما يعطي المرء شعورًا بأنه ليس وحده في هذه الدنيا. ولعل هذا ما جعل السيد المسيح يشترط وجود شخصين أو ثلاثة معه بقلب واحد وفكر واحد. حقًا لقد وضع السيد المسيح خطًا بارزًا تحت "الآخر" وأهميته في حياة الروح التي هي أيضًا حياة الفرح والسلام، ومن أجل الحفاظ على هذا الآخر؛ طالبنا أن نكون مراضين لخصمنا سريعًا.
المسيحية دين سماوي عام
من هذا المنطلق نرى أهمية التعريف بنشأة المسيحية والمبادئ التي تنادي بها، حيث أنها ظهرت في "فلسطين"، وسريعًا ما انتقلت إلى الغرب، ولعل ذلك يرجع إلى أسباب كثيرة؛ منها أن المسيحية دين سماوي عام لجميع البشر، والذين عانوا من العبودية في الإمبراطورية الرومانية وجدوا في المسيحية منقذًا لهم، لأنها تدعو إلى التآخي والمحبة والمساواة، هذا إلى جانب الفراغ الروحي الذي كان يعاني منه المجتمع الروماني، وقوة إيمان المسيحيين الأوائل وجهودهم في نشر المسيحية، بالإضافة إلى سمو المفاهيم الأخلاقية في المسيحية.
الفساد والرذائل والموبيقات
ودعونا نعود بآلة الزمن إلى الوراء أكثر من ألفي عام، حيث وُلد طفل صغير اسمه "يسوع" قبل موت الملك "هيرودس" بعام واحد، ذلك الملك الذي أمر بقتل جميع أطفال "بيت لحم" من عمر سنتين فما دون، ولهذا هربت العائلة المقدسة إلى "مصر". وفي تلك الحقبة الزمنية كانت "فلسطين" تشكِّل مع "لبنان" مقاطعة من "سورية" يحكمها والي روماني، حيث كانت مدينة "روما" هي سيدة العالم آنذاك. والإمبراطورية الرومانية كانت في قمة عزها ومجدها، حيث كان الرومان في قمة الشجاعة والعظمة والقوة التي يقبع تحتها كم كبير من الفساد والرذائل والموبيقات، كما أن الرومان كانوا يعتقدون أن أمنهم ورفاهيتهم وحياتهم وكل شئ متعلق بآلهتهم المتعددة.
الرومان وتعدد الآلهة
بدأ السيد المسيح بشارته وهو في الثلاثين من عمره، وذلك من خلال التعاليم والعظات والمعجزات المتمثلة في شفاء المرضى وإقامة الموتى، حيث كانت الفكرة الرئيسية في البشارة الجديدة تدور حول "المحبة والسلام" في زمن تسوده النزاعات والصراعات والقسوة والوحشية والأفكار الإقليمية الضيقة، وفكرة تعدد الآلهة التي كان يعتنقها الشعب الروماني. لهذا كرهوا من يؤمنون بإله واحد واعتبروهم ملحدين وأعداء للآلهة. واستطاعت بشارة السيد المسيح أن تنفذ إلى قلوب المزارعين والصيادين البسطاء وسكان المدن والبدو الفقراء، وبروح المحبة لله والناس نشأت الكنيسة في "أروشليم" على الإيمان بالسيد المسيح المخلِّص الذي ينتظره الشعب منذ أجيال عديدة.
الاهتمام بالروحيات عوضًا عن الماديات
وجاءت الديانة المسيحية بمفاهيم جديدة؛ منها الاهتمام بالروحيات عوضًا عن الماديات، والتآخي، والمحبة، والعطاء، وبذل الذات، وفصل الدين عن الدولة، وهذا يتضح في الآية التي قالها السيد المسيح "اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، كما أن هناك العديد من الآيات في الكتاب المقدس تؤكِّد أن ملك السيد المسيح ليس من هذا العالم، وإنه جاء من أجل ملكوت أبدي في السماء وليس ملكوت زمني في الأرض. ولعل هذا ما جعل الشعب اليهودي يتذمَّر لأنه خاضع للسلطان الروماني القاسي منذ سنين طويلة، ويعتبر نفسه شعب الله المختار، فانتظر بفارغ الصبر مجئ المسيح المخلِّص، واثقًا أن مهمته لن تكون دينية فقط بل دنيوية أيضًا، حيث تعيد لشعب "إسرائيل" مجده. ومن هذا المنطلق لم يستطع اليهود أن يصدِّقوا أن الشخص الذي انتهت حياته على الصليب يمكن أن يكون هو الشخص المختار من الله أو هو المسيا المنتظر، حيث كان الصليب يبطل أي برهان على أن السيد المسيح هو ابن الله- من وجهة نظرهم- برغم وجود سفر "أشعياء" في العهد القديم، والذي يظهر فيه صورة المسيح المتألم، إلا أنها مازالت بعيدة عن أعينهم، وعن تصوراتهم وأحلامهم.
الترفع عن الامتيازات الدنيوية
وإذا نظرنا لتعاليم الإنجيل وحياة السيد المسيح وتلاميذه الاثني عشر، لوجدناها تبشر بالزهد والترفع عن الامتيازات الدنيوية، ولعل هذا ما جعل السلطات الرومانية تنظر بقلق إلى الحركة الدينية الجديدة. وبهذا يتضح أن فرصة النجاح أمام رسالة السيد المسيح كانت ضئيلة للغاية، حيث أن اليهود أرادوا زعيمًا سياسيًا يساعدهم على التخلص من نير الرومان، وكانت "روما" في حاجة إلى رجل يساعدها على نشأة شعب حربي يحكم السيطرة على العالم بالقوة، لا شعب سلام ومحبة. ومع هذا استطاع الفكر المسيحي أن يصمد، واستطاعت الكنيسة أن تنتصر وتنمو رغم الصراعات والأزمات التي خاضتها، واستطاعت أن تُرسي قواعد ثقافة جديدة في القرون الأولى من تاريخها بلقائها بحضارات الشرق الأوسط القديمة.
المراجع:
- كتاب تاريخ الكنيسة.
- موسوعة الحضارة المسيحية.
- كتاب قصة الكنيسة القبطية.
- كتاب أنا والآخر.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com