بقلم: صفوت سمعان يسى
يعيش أقباط مصر حالة من التشاؤم الشديد على مستقبلهم ومستقبل أولادهم ومستقبل وجودهم في مصر، فإذا كان مسلمي مصر المعتدلون يسودهم التشاؤم على المستقبل فكم بالحري مسيحيو مصر، فالمشهد الآن السياسي الإسلامي يتصدره المتشددون، فكل يوم تخرج علينا سيل من التصريحات العنترية العنصرية البغيضة المتجهة سهامها نحو الأقباط، وكأن وجود الأقباط في مصر هي مشكلة المشكلات، وكأن التدين لا يستكمل إلا بدفع الأقباط نحو ركن الذمية والبحث فى الآيات عن كيفية معاملتهم واستخراج كل ما هو تاريخي لتطبيقه بالمثل عليهم، وإن لم يكن بطريقة أقل تسامحًا وأكثر تشددًا، وكأن التاريخ وقف عند تلك الفترة التاريخية وما عداها المؤمنون هم قاصرون، فحتى ما يقال عنه الخطاب الديني المعتدل لم نجده على أرض الواقع بل يتم تطبيق الأفعال الأكثر عنفًا وتطرفًا تحت مسميات دينية وتحت خطب أكثر ما يقال عنها استفزازية ومصادرة لمبدأ المواطنة ويقال هذا هو شأن الدولة الدينية وهذا ما نصت عليه المادة الثانية التي وضعت فى الدستور، وكأنه قد جرى عليها الاستفتاء وكأنه قد جرى عليها موافقتهم، فالحقوق تستمد من الوطن لا من الانتماء الدينى لذلك فكل ذلك يدفع الأقباط للحالة الذهنية المتشائمة وكأن ما لقاه الأقباط من تعصب أيام مبارك هو نعمه بالقياس لما يحدث اليوم.
فلقد استبشر الأقباط خيرًا من الثورة في الأيام الأولى فلقد كانت الشعارات مصرية صميمة، وحتى الأخوان عندما نزلوا الثورة في ثالث يوم فهم نزلوا كمصريين فقط ودون تعليمات من تنظيمهم الذي كان يبحث عن صفقات مع "عمر سليمان" للحصول على مكاسب مقابل إجهاض الثورة، ولكن الآية الآن انقلبت فلقد صارت ثورة لمن لا ثورة لهم، وأصبح يسودها التيار المتشدد الذى صاحبته نبرة الاستعلاء ونبرة التهديد والوعيد، فالوقت الآن حان لجلب المكاسب حتى قبل أن تستقر سفينة الثورة فلا يهمهم أين تستقر وإنما يهمهم أن تستقر على مرساهم الخاص، ليحصدوا مكاسب دفع ثمنها شباب ثورة لم يكن محسوبًا على أي تيار سواء سياسي أو ديني وكان يؤمن بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والإخاء.
لذلك فالنظرة التشاؤمية السوداوية السائدة على الساحة القبطية هي ما يدفعهم لقبول فكرة طرح مطلب الحماية الدولية التي هي تلزم الدولة بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان دون تمييز بين المواطنين وتنقية القوانين بما يحمى حقوقهم الإنسانية الأساسية، وتحت مواثيق ومعاهدات دولية وقعت عليها مصر وهى ملزمة لها، حتى وإن رفضها قادة الأقباط الذين يمثلونهم ظاهريًا لا فعليا بغير ذلك، فمن غير المقبول والمعقول أن تتم كل أعمال العنف الموجه لهم من قبل التيار المتشدد الملتحف بالدين بخلاف ألاف الخطابات العنصرية المستبعدة لهم و التى تصب فى المواطنة بدرجة ثانية والأسوأ الخطابات الأقصائية التى تطلب من أقباط مصر أن يخرجوا ويرحلوا من مصر إذ لم يعجبهم طرحهم الدينى المتشدد، وكأن الأقباط جاءوا لمصر كمهاجرين...!!! كل ذلك دون أن يكون للأقباط موقف حتى وان انصب إلى الشكوى الدولية، فعند بزوغ فجر الدولة الدينية فسيطلب مسلمو مصر قبل أقباط مصر الحماية منها والمثل الأعلى لذلك الدولة الإيرانية.
فموريس صادق صاحب المواقف المتطرفة هو نتيجة للمواقف الأشد تطرفا بمصر، فالتطرف يدفع للتطرف والنتيجة هي العنف السائد على الساحة، فالفوضى والبلطجة تعم القطر المصري، ويضاف إليها غياب النظرة الشمولية المصرية للمجلس العسكرى الذى تصيبنا تصرفاته بالحيرة الشديدة،فهل هو تخبط لعدم الخبرة أم انه يعوم مع التيارات القوية تجنبا لشرها، وهذه كارثة الكوارث لدولة كبيرة كمصر يستكثر عليها جيرانها ذلك الدور وتخشى من تصل لها رياح الثورة المصرية عبر البحر الأحمر وتطيح بممالكها.
خلاصة القول أن مسلمى مصر المعتدلين هم حصن الآمان لتشرذم الدولة المصرية وحماية لها من الانقسام ويقع عليهم العبء الأكبر وهم من يستطيعون بمساعدة أشقائهم من أقباط مصر الذين هم حصن مصر للدولة المدنية أن يضعوا أيديهم فى أيد بعض لإنقاذ الدولة المصرية قبل أن تختطفها الجماعات المتشددة التى كانت كامنة تحت الأرض وأن تحفظها من سيناريو كسيناريو الجزائر فى مصر أو وضع لبنة فكر تقسيم مصر لدويلات متشرذمة، ومن ثم تدخل الدول كلْ حسب مصلحته فدول الجوار تجاربها ليست ببعيدة عننا.
لذلك واجب على أقباط مصر النزول للشارع السياسي والاحتكاك بالشارع، وألا تدفعهم أحداث التطرف والعنف للتقوقع وهو المقصود من تلك المواقف المتطرفة الشاذة، فهذا الوقت ليس وقت السلبية ولا الارتكان لفكرة الحماية الدولية، فالحماية الحقيقية هى تكاتف مسلمو مصر المعتدلين مع مسيحي مصر، فلن يدافع عن مصر ويحميها سوى المصريون.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com