بقلم: نبيل المقدس
فجأة وجدتُ نفسي في فوضي سياسية تعم البلاد .. إستفتاء عن تعديل بعض من بنود الدستور المعطل .. بزوغ طوائف سلفية تحاول سحب الثورة من تحت أقدام ثوارها الحقيقيين .. تنامي شوكة الإخوان آخذين شعار ليبرالية خاصة بهم " ليبرالية ذات خلفية دينية " .. هرج ومرج في الشارع المصري .. قيام بعض المستغلين بتعلية وبناء عمارات أعلي من المسموح به .. شوارع تكتظ بفوضي المرور بالإضافة إلي فوضي أكوام الزبالة .. صراعات علي انابيب البوتاجاز والعيش .. قطع خطوط السكك الحديدية .. صراع بين الشعب والشرطة .. محاكمات وحبس وحجز وتحديد إقامة وتخوين لكثير من متورطي الفساد في عهد ما قبل الثورة ..
قتل وإغتصاب وحرق وقطع أذن .. تحويل بعض النشطاء الشباب إلي المحاكم العسكرية .. مسلسلات والتي توقفت عن محاكمات المخلوعين .... إلخ . فضغطتُ علي نفسي أن أبتعد فترة عن هذه الأحداث , لأنني شعرتُ بتجمد فكري , وتباينت آرائي , وتخشب عقلي , وتصلبت حياتي الروحية . فتوجهت إلي مكتبتي تاركا اكوام الجرائد ومواقع النت ونزعت فيشة التليفزيون , وسحبت كتابا من أعلي الرف الذي إمتلأ بتراب ما قبل الثورة وما بعدها .. وصممتُ أن اقتبس موضوعا مع اول كتاب أسحبه مهما كان موضوعه .. أكيد سوف يكون بعيدا كل البعد عن الأحداث التي نمر فيها , لكن بالأسف كانت هذه القصة .. قصة عن البلطجة , وكأن الأمور الجارية التي نمر فيها إلتصقت في كل ورقة أو كتاب مكتوب قبل الثورة او بعدها , وها البلطجة اصبحت جزء من حياتنا , ولأنني أكره أن أرجع في كلامي .. فكان لزاما عليّ أن أشارككم معي هذه القصة " ومافيش فايدة يا أعزائي علينا ان نعيش الواقع حتي ولو من بعيد لفترة " .
هي قصة أجنبية مترجمة .... لكن مش واثق انها حقيقية ....من صدمة أحداثها النهائية ... ربما تكون خيالية .... لكن هي منقولة من ملف قضية .... يعني معني كده انها واقعية ... يقول كاتبها أنها نتيجة التربية الإجرامية .... حتي أضاعت أحلي عطية ... فلنبدأ القصة من البداية :
في إحدي القري تسكن اسرة مكونة من الأب والذي كان يُعتبر من هؤلاء الخبراء في فتح الخزائن ليأخذ منها المستندات الهامة لصالح اشخاص مقابل المال يعني ماشاءالله بيشتغل بلطجي خزائن , أما زوجته كانت ماشاءالله خبيرة في الإبتزاز تخطف أولاد وبنات الأغنياء لكي تُساوم أهلهم وتجعلهم رهينة حتي يدفعوا لها الفدية المطلوبة .. وقد رزقهما الله بإبن جميل, وبالرغم وجوده في هذه البيئة الإجرامية إلاّ أن شخصية هذا الولد كانت متغيرة تماما عن شخصيات والديه ... فكان يكره أسلوب حياتهما , وكم من مرة حاول فعلا انقاذ اولاد مخطوفين ويعتقهم ليلا , ونتيجة لذلك كان يواجه الضرب والعقاب من والدته ... وفي إحدي المرات أخذ فتاة مختطفة ليلا من محبس والدته , وتسحب بها إلي خارج القرية لكي يبعدها عن شر والدته ... كان وقتها في عمر الصبا , وكانت الفتاة ايضا مثل عمره ... نظرت إليه الفتاة نظرة كلها إعجاب علي شهامته ... وتحدثت إليه لماذا تتواجد في هذه البيئة وانت تبدو عليك النبل والأخلاق ... نظر إليها الصبي وأنشرح صدره لأنه لأول مرة في حياته يسمع كلمة حلوة ... فنظر إليها مرة أخري وكأنه لأول مرة يراها ... وجد فيها آماله وأمنياته أن تكون له فتاة مثلها تؤازره في التعليم وفي كيفية الحياة الكريمة ... أحست به وبمشاعره , ولم تتردد بأن تقول له أني أشعر بنفس المشاعر التي تشعر بها نحوي ... فقفز الصبي في الهواء من الفرحة ... لكن سرعان ما هدأ وسكتت الفرحة ... فقال لها كيف تحبينني وأنت تعرفين مدي بلطجة أهلي ... أجابته وقالت له قلبي يحدثني انك مخلص ولستَ منهم ... لذلك سوف أعرض عليك عرضا هو في صالحك ... سوف أجعلك تعيش معنا في القصر وسوف أخدع عائلتي بأنك كنت من ضمن المخطوفين ولك زمان معهم , ولا تعرف شيئأ عن أهلك , كما انك انت الذي أنقذتني وهربنا سويا . أخذ يفكر الصبي وكان كل همه أن لا يقع اي اذي علي الفتاة لو عرفت والدته أنه هو الذي أنقذها فبقي مع الفتاة.
تربي الصبي تربية جيدة عند هذه العائلة الكريمة وأعتبروه أحد أبنائها ... وكبرت الفتاة حتي أصبحت فتاة جميلة يطمع فيها كل شباب البلد ... لكن كانت تُفضل حبيب الصبا الذي أنقذها ... وفعلا تم الزواج في حفل عظيم بهيج .
وفي إحدي الأيام فكر الشاب أن يذهب إلي قريته لكي يطمئن علي والديه وخصوصا قد كبرا في العمر , وأكيد يحتاجان إلي مساعدة ... فسافر الشاب وهو محمل بالخيرات لوالديه , كما كان يأمل في أن يكونا إهتديا إلي البر , وعند وصوله إلي مدخل القرية وجدها تغيّرت كثيرا , لكنه كان يعرف صديق له إبن إسكافي القرية , فذهب إليه أولا لكي يتعرف علي احوال والديه ... إستقبله الصديق بعد ما عرّفههُ علي نفسه لأن صديقه هذا لم يتعرف عليه من أول نظرة , وهذا شيء طبيعي بعد فراق خمسة عشر سنة ... ثم علم من صديقه أن أباه أصيب بالشلل الكامل أما والدته فهي اتخذت من رجل كان زميلا لوالده في السجن لمدة 10 سنوات عشيقا لها بعد شلل والده , لكنه لا يعرف عنهم شيئا إلا اصوات آلام ابيه أو صراخات والدته من قسوة عشيقها . بعد ما عرف الإبن ملخص ما حدث لوالديه ذهب جريا , فوجد الباب مواربا , فدخل إلي المكان المقفر وإذ يفاجيء بأبيه يلفظ آخر انفاسه , وعندما رأي ابنه لم يتعرف عليه لكن كانت آخر كلماته قبل ان يموت في أحضان إبنه أن زوجته وعشيقها قد قتلاه . ثم أسلم الروح .
خرجت روح والده إلي حيث لا ندري , وفي نفس اللحظة دخلت والدته مع رجلها وبحركة تمثيلية , فوجئا بمقتل الزوج , وقبضا علي الإبن متهمانه بالقتل , وصرخت أمه بأعلي صوتها , حتي أتي الجيران وقبضوا علي الإبن علي اساس هو القاتل ... لم يحاول الإبن أن يتفوه بمن هو ! وعندما ساقوه إلي مركز البوليس لم يتفوه بكلمة واحدة ... خوفا علي والدته .... وتمت محاكمته بدون أن ينطق بكلمة ... حتي أن القاضي نفسه نصحه أن يتكلم حتي ولو يذكر اسمه الحقيقي ... لكن الشاب أصر علي الكتمان وهو يعلم تماما المصير الذي ينتظره ... فعندما طالت مدة صمته ... والتي لم تأخذ أكثر من اسبوع ... حكمت المحكمة بالإعدام رميا بالرصاص طبقا للدستور الخاص بهم .
إنشرح صدر الأم وهلل عشيقها ... فقد أصبح الجو خال تماما لهما ... وعند التنفيذ ... تجمع أهل القرية , وكم كان الحزن عليهم لأنهم كانوا يتمنوا أن يكون هذا الحكم للزوجة لكي تنتهي القرية من إجرامها وشرها. في هذا الوقت كان الإسكافي صديق الإبن غير موجود بالقرية ... حيث ذهب خارجها لمدة اسبوع لكي يتسوق بعض الأدوات والخامات لعمله الخاص ... وعندما جاء من مأموريته, سمع بأن هناك تجمع في ساحة الإعدام ذهب لكي يستطلع الأمر ... لكن عندما وصل , كانت آخر رصاصة أتت بالإبن إلي الحياة الأخري ... إلتقي بالصدفة بوالدة الإبن وسألها بسلامة نية عن حال إبنها ... فقالت انا لم أعرف عنه شيئا من يوم ما هرب هو والفتاة الصغيرة ... قال لها : كيف هذا ؟فقد جاء من أسبوع وهرول إليكم في البيت لكي يراكم ويعتني بكما ... ثم سألته بدهشة :هل هو الذي كان يحمل معه حقيبتين ؟؟؟... قال لها نعم .... فمــــا كادت تسمع هذه الكلمـــــات حتي وقعت علي الأرض , وتمزق وجها وتشد شعرها وتقول :
قتلت إبني , قتلتــــــــــــــــه ..
ولم ياتي صباح اليوم الثاني حتي وجد أهل القرية بيت هذه العائلة عبارة عن رمــــــــاد . وأسدل الستار علي هذه العائلة بعد ان حاول أبنهم البار خلاصها .......!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
*** ألم اقل لكم انها بايخة .. لكن هذا جزء من الواقع الذي نعيش فيه الآن ... حتي الولد الذي تعشمنا فيه خير لكي يقوّم ويعدل حال البلد إغتالـــــــــوه .. وكان إغتياله من أهله وعشيرتـــــــــه .. نعم نحن إغتلنا مباديء الثورة .. والتي كان أول مبادئها :
قيام دولة مدنية حديثة العصــــر... لكن عندي أمل ومش هقول خسارتك يا مصـــــــر .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com