إن الرحمة هي أول ما يركز عليه إخواننا المسلمون من صفات الله عز وجل, فأول آية في الفاتحة هي بسم الله الرحمن الرحيم. وهذه قد تكررت في آيات قرآنية كثيرة. وبها يبدأ المسلم خطابه أومقاله متذكرا كل يوم رحمة الله.
ويقول أيضا: رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين(118 المؤمنون), وأنت أرحم الراحمين(151 الاعراف) ويقول ايضا: وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين(23; الاعراف).
ولكنه يعرف في نفس الوقت أنه لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم(43 هود).
إذن كما أن الله رحيم, ينبغي أن يكون البشر رحماء.
نفس الكلام عن الرحمة موجود في المسيحية. ولذلك فالمسيحي يقول في بدء صلاته كل يوم ارحمني ياالله كعظيم رحمتك.( مزمور51). يقول في نهاية الصلاة إرحمنا يا الله ارحمنا( مزمور123). ويقرأ في الانجيل: طوبي للرحماء فإنهم يرحمون, طوبي للودعاء, طوبي لصانعي السلام(متي5).
ومن أهمية الرحمة يقول الرب في الكتاب المقدس: أريدرحمة لا ذبيحة(هوشع6) ويقول ايضا: لا تنتقموا لأنفسكم.. إن جاع عدو;أطعمه, وإن عطش فاسقه( رومية12). ويقول عن الاشرار: هم قساة لا يرحمون( إرميا51).
إذن الأمر واحد. الله رحيم, ويريدنا أيضا أن نكون رحماء. أما القساة فهم الذين لا يرحمون.
حقا إن رحمة الله فوق الوصف, لا مثيل لها. فإلهنا في حنوه واشفاقه, يقدر ظروف الإنسان وطبيعته الضعيفة, فيرحم. إنه لم يصنع معنا حسب خطايانا, ولم يجازنا حسب آثامنا, لأنه يعرف أننا تراب نحن, تثيره الريح فيتحول إلي غبار في الجو. ويصبر الله عليه تهدأ الريح فيستقر.
أما البشر فإنهم قساة, ولذلك ما أجمل وأعمق ما قاله داود النبي أقع في يد الله, ولا أقع في يد إنسان, لأن رحمة الله واسعة. لعل هذا يشبه ما قاله الشاعر العربي: عوي الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوي... وصوت إنسان فكدت أطير.
إنه أمر محزن أن الإنسان يكون أحيانا كالوحوش, حينما يغضب, أو ينتقم ويأخذ بالثأر.
حقا إن قسوة الإنسان معروفة منذ البدء, حين قام أخو هابيل عليه وقتله.
للأسف كثيرا ما يكون الإنسان متعطشا إلي الدم يطلب دم غيره, ويفرح به إن سفك هناك قوة غاضبة وحاقدة داخل نفس الانسان تريد أن تتنفس! ولا يهمها كيف!
هناك نوع من الأمراض النفسية يسمي( السادية) ويعني التلذذ بآلام الغير. وهنا تظهر معاملة الذين يثأرون من غيرهم, فيعذبون عدوهم بأنواع عذابات كثيرة قبل أن يقتلوه. وما أبشع قول شخص يعزم أن يقتل عدوه, فيقول له في غيظ وقسوة أريد أن أشرب من دمك!!, أليس هذا لونا من الوحشية يعيش فيها القساة!
والعجيب أن مثل هذا القاتل يفتخر بما فعله شاعرا بقوته وقدرته.
يا أخي إنك إن قتلت من يعاديك, تحسب نفسك قويا! ولكنك إن عفوت عنه فإنك تكون نبيلا والنبل بلا شك أسمي وأعلي وأرقي خلقا.
إن وجود الدم في الإنسان علامة حياته. وهكذا بسفك دمه تنتهي حياته. لما كانت الحياة بيد الله( فهو الذي يحيي ويميت) إذن فالله هو ولي الدم. لا يسمح أبدا بأن يسفك الدم عبثا أو ظلما. وقد قال في الكتاب المقدس: سافك دم الإنسان, بيد الإنسان يسفك دمه. أي بيد الإنسان الموكل له من الله أن يسفك دم سافك الدم, أو يأمر بذلك.
وحفاظا علي دم الإنسان, أمر الله قائلا لا تقتل, ووضع الله الرحمة في قلوب البشر لو استجابوا هم لهذه الرحمة. أما إذا لم يستجيبوا وقتلوا غيرهم, فإن الله سوف يطالبهم بدم أخيهم المقتول منهم, ويقول للقاتل: صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض.
بل أكثر من هذا فإن الله الرحيم أمر بالرفق بالحيوان وعدم أذيته.
وهكذا توجد جمعيات للرفق بالحيوان. ويوجد أطباء يتخصصون في الطب البيطري للعناية بالحيوان, ومعالجته إذا مرض. ومعروف ضمنا أن الإنسان الذي يشفق علي حيوان, فإن مشاعره لا تسمح له بإيذاء إنسان.
ما أشد قسوة بعض المتدينين في معاملتهم للخطاة, أو من يظنونهم خطاة, بعبارات جارحة, ويظنون أن هذه غيرة مقدسة وشهادة للحق! وما أشد عنف بعض الصحف التي تهاجم الغير, وبخاصة الذين لا يملكون الدفاع عن أنفسهم. فتتناولهم بكل سخرية و إهانة وتشهير...
وإذا كان الله سبحانه قد أمر بعدم القتل, فهناك نوع آخر من القتل النفسي عن طريق الإذلال والإهانة والتشهير والتحطيم الاجتماعي وجرح الشعور والاحتقار و الإهانة. وكل ذلك تكون مثل سم يدخل داخل النفس. وإني أعجب من الذين يفرحون جدا بنشر الفضائح أيا كانت... فضائح مالية أو اجتماعية أو جنسية ويرون ذلك لونا من التفوق الصحفي!!
إن الله الذي ستر غالبية الناس, ولم يكشف كل ضعفاتهم أمام الآخرين, هو نفسه يطالب البشر الذين يكشفون غيرهم ويعاملونهم بالخشونة و العنف وبالقسوة والتعالي, يطالبهم جميعا بالرفق بغيرهم.
وعدم محاولة تجريح الغير, وكذلك بالبعد عن الطريقة المنفرة في معاملة الآخرين... مهما قدموا تبريرات كثيرة لما يفعلون.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com