نفق الانتهازية المُظلم
بقلم: سحر غريب
المنظر شديد الرعب، الجلابيب البيضاء واللحي غير المهذَّبة والنقاب الأسود احتلوا الميدان، والشعب مضحوك عليه كالعادة، وقدمه في الخية قد وقعت.
تخيَّل المصريون بطيبتهم أنهم ذاهبون لـ"التحرير" لجمعة "الاستقرار ولم الشمل"، وهو أمر حق يُراد به باطل. فقد استُخدم الحشد الغفير لهدف آخر، وهو إثبات قوة التيار الديني المتشدِّد ومدى تأثيره على المجتمع المصري.
اثناء الاستفتاءات قلت "لا"، ونصحت من أعرفهم بها. فيكفي أن "نعم" ستؤكِّد تغلغل التيار المتشدِّد داخل المجتمع المصري، وقوته وسطوته ودهائه. يومها قال لي البعض إن التيار الديني لن يحكم "مصر" ولن يسيطر لأننا شعب معتدل دينيًا ولن نقبل أن نتحوَّل إلى "أفغانستان" جديدة أو مستنسخ لـ"السعودية". اختارت الأغلبية "نعم"، ونفش المتشددون ريشهم، وقالوا: نحن مالكو قلوب المصريين، ونحن الأقدر بجدارة على الحشد، والحكم سيكون لنا ولن يخيب ظننا..
في يوم جمعة الاستقرار، حشد التيار الديني الشعب ليصل الميدان، وصدَّق الشعب الهدف المُعلن وهو الاستقرار، والهدف الخفي هو كونها جمعة الشريعة. احتشد الشعب وظهر التيار الديني بوجهه الحقيقي، فمعظم الفتيات المحجبات بالحجاب العادي وغير المحجبات تعرضن للتوبيخ والتقريع والاستغفار والحوقلة والنهر الشديد من قبل رجال الميدان الأشاوس. فهم نفر لا يستطيعون تقبل الاختلاف، فملابسهم هي الأطهر والأنقى، وهي الأفضل، والجميع دونهم فاسقون!!
جميع من ذهبوا للميدان من المعتدلين دينيًا، أو من ذهبوا لكي يعلنوا تأييدهم للمجلس العسكري لا المجلس الديني المتشدد، عادوا وفي قلوبهم غصة وخوف واشمئزاز مما رأوا. فليست هذه "مصر" بصدرها الواسع الرحب التي تساع هذا وذاك، بل أنها أصبحت البلد بلدهم واللي مش عاجبه يسيبها خضرة مخضرة.
لقد ذهب المواطن لجمعة الاستقرار ليُفاجئ بها جمعة "المليون لحية"، وجمعة "التوحيد والنور"، وجمعة "ابن لادن"، فكان تراشق الشعارات الدينية على أشده. وبخبث شديد فرض التيار المتشدِّد سطوته. فبعد أن نجحت ثورة الشعب وحرص الثوار علي منع جميع الشعارات الدينية لإثبات أن الثورة ثورة شعب لا ثورة فصيل معين، ظهرت الشعارات الدينية داخل الميدان، ولو كان للتيار المتشدِّد شجاعة رأي لاستخدمها في ربيع الثورة وليس أثناء موسم حصادها، ولكنهم كانوا ينتظرون ويحلمون حتى جاءتهم الفرصة فلينتهزوها.
وفي عز المعمعة، أراني أفتقد الأخ العزيز "صبحي صالح"- فلوطة الإخوان المسلمين- أتمنى ألا تكونوا قد نسيتموه. أنت فين يا صبحي؟ مصر بتدور عليك. فما كان يبوح به هذا الرجل من عنصرية، وإظهاره لما نحن مُقبلون عليه من أيام سوداء، كان أملي الوحيد لكشف ألاعيب التيار الديني المتشدِّد وعنصريته الواضحة ووضعه داخل إطاره السليم.. لكِ الله يا مصر.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com