بقلم: محمد خضير عباس
يتعرض الأقباط في "مصر" بين فترة وأخرى إلى حملات عنصرية وإرهابية يقودها دائمًا- ومع الأسف الشديد- التيار الإسلامي السلفي المتشدد؛ لغايات مصلحية وأجندات خارجية، الغرض منها تشويه صورة الإسلام وإظهاره على أنه لا يحترم الأديان الأخرى، وغالبًا ما يكون العنف هو الخطاب الموجَّه ضدهم، والمتمثِّل بقتل الأقباط وإحراق ممتلكاتهم وتفجير كنائسهم وتضييق الحريات على شعائرهم الدينية..
وبالرغم من كون هذه الأعمال منافية للمبادئ الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدر عام 1948 والموقِّعة عليه "مصر"، ومنافية لما أقر به الدستور المصري في باب الحريات العامة، ومنافية أصلًا لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف التي تؤكِّد على الحريات الدينية وأن الإنسان حر في معتقداته وفي ممارسة شعائره العبادية، بل أنه اعتبر الحريات الدينية هي أهم الحريات عند الإنسان، وهؤلاء يدَّعون كذبًا وبهتانًا أنهم حماة الإسلام، من خلال تظليل الجماهير المستضعفة الفقيرة وغير المتعلمة، والتي تشكِّل نسبة كبيرة من الشعب المصري، وحثها على مناصبة العداء للأقباط بوصفهم "كفار" تارة ومشركين تارة أخرى، وما أكثر الآيات القرآنية التي وردت فيها هاتين الكلمتين، ومؤكِّدين بالأخص على سورة "آل عمران" التي يفسرونها حسب أهوائهم، كما جاء فيها "إن الدين عند الله الإسلام"، وفي نفس السورة "ومن يبغي غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه"، ناكرين- بل خافين وعن عمد- الكثير من الشواهد التاريخية الإسلامية الدالة على تسامح رسول الله (ص) مع أصحاب الديانات الأخرى (أهل الكتاب)، وخاصة النصارى منهم، كما دوَّنها التاريخ الإسلامي؛ ومنها:
1- قال رسول الله (ص): "استوصوا بالقبط خيرًا فإن لي فيهم نسبًا وصهرًا"، حيث كانت أحد زوجات رسول الله (ص) قبطية وأنجبت له ابنه "إبراهيم".
2- إن المصطفى (ص) استقبل يومًا وفدًا من نصارى الحبشة وأكرمهم، وقال: "إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين فأحب أن أكرمهم بنفسي"، لكي يرد الجميل على ما قام به ملك الحبشة عندما لجأ إليه وفد من الملسمين طلبًا للمساعدة أيام تعرُّض أصحاب رسول الله إلى المطاردة والتنكيل من قبل "قريش" بعد هجرة رسول الله (ص) من "مكة" إلى المدينة.
3- استقبل الرسول (ص) وفدًا من نصارى "نجران"، وسمح لهم بإقامة الصلاة في مسجده عندما حانت صلاتهم.
4- قال رسول الله (ص): "من آذى ذميًا فأنا خصمه"، وجاء في رواية أخرى "من أذى ذميًا فقد أغضبني".
5- رُوي أن رسول الله (ص) كان يحضر ولائم أهل الكتاب ويشيع جنائزهم ويزور مرضاهم ويكرمهم، فلماذا إذن لا تذكرون هذه المناقب والأعمال في خطبكم الرنانة في المساجد والجوامع، وتخرصاتكم على الدين المسيحي في وسائل الإعلام؟ أما كان شعاركم دائمًا "محمد قدوتنا"، فلماذا لا تقتدون به إذن؟ أما جاء في سورة "النجم" قوله تعالى "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى"؟ وكذلك في قوله تعالى في سورة "الأنبياء": "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين".. إن أعمالكم هذه هي عين الكفر في الإسلام، وإن الإسلام منكم براء.
إن نجاح "مصر" في المرحلة الانتقالية السياسية الحالية يعتمد كثيرًا على احترام مبدأ القانون، والذي بموجبه يضمن احترام أساسيات حقوق الإنسان، وفي جوهرها الحريات الدينية والمعتقد والرأي. نحن الآن نعيش في عصر العولمة، وعصر دعوات حقوق الإنسان، والدفاع عن حقوق الأقليات، وحوار الأديان، والحوارات الوطنية، لذلك ليس مقبولًا أبدًا أن تكون هناك خطوط حمراء على المواطنين الذين يتعبدون بأديرتهم!
إن الأقباط لا يريدون الانفصال عن "مصر"، ولا يفكِّرون بحكم ذاتي، بل بالعكس إنهم متمسكون بأرض "مصر"، أرض أجدادهم، لشعورهم الحقيقي بأنهم سكان البلاد الأصليين. فدعوهم يعيشون بسلام.
فيا أهل "مصر"، إنكم بناة أول حضارة إنسانية عرفها العالم، فلا تسيئوا لتاريخكم المشرِّف بالسماح لهؤلاء المأجورين بنشر الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ولا أستبعد أن تكون هذه الأعمال مقصودة لغرض تحريف الثورة عن أهدافها الأساسية، وجر الشعب المصري- لا سمح الله- إلى حرب طائفية ينتظرها أعداؤهم بفارغ الصبر.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com