بقلم : مينا غبور
فى عام 1824 م ارسل الباب العالى فرمان سلطانى الى مصر يوكل الى محمد على باشا والى مصر التعامل مع الثورة اليونانية . التى قام بها سكان اليونان ضد حكم الترك متأثريين بالثورة الفرنسية و افكار التحرر الاوربية . فما كان من محمد على متأثرا بداوفع سياسية بحته الا ان بعث بالاسطول المصرى و ارسال حوالى 40 الف جندى مصرى للقضاء على تمرد اليونان . و لحظه العثر فى عام 1828م وقفت القوى الاوربية مجتمعه مع ثورة اليونان و عرضت فى البداية حلا سياسيا للقضية . الا ان تكبر النير العثمانى رفض تلك الحلول . و أدرك محمد على كقائد عسكرى محنك انه هو و سلطانه فى وضع صعب للغاية. فكتب للصدر الاعظم (الوزير الاعظم) يوضع انزعاجه الا ان الصدر الاعظم لم يجد سبب للأنزعاج و لم يأخذ تجمع الاساطيل الاوربية فى بحر أيجه بجدية.
بل كتب لمحمد على يطلب منه ان يحث ابراهيم باشا ولده و قائد الجيوش على القتال قائلا بالنص " ألا يكترث يجلبه الافرنح و لغطهم" . و أضاف أنه نظرا "لأن نصرالله لا يعتمد على عدد السفن بل على رباطه جأش الرجال " و بما ان المهمه دقيقة " و انه قد حانت ساعة تفريق الحق من الباطل فقد رأينا ان نحثه (أى أبراهيم) على القتال معتمدا على نصر الله المعين "
و لكن لا محمد على ولا ابنه ابراهيم شاركا الصدر الاعظم فى تقيمه للموقف .
وقبل معركة نفارين البحرية كتب محمد على خطاب صريح وبائس للغايه الى نجيب أفندى مندوبه فى أسطنبول يستحق اقتباسه بالكامل
" هناك قضيتان تستحقان التفكير فيهما بصدد الوضع الراهن ، أولاهما أن تحركات الأوربيين ليست أكثر من تهديد كاذب ، و الثانية أن الأساطيل سوف تحاول بالفعل أن تحصر أساطيلنا . فاذا كان التهديد كاذبا ، فهذا هو ما نريده تماما .. الا أن الذين يتحملون المسئولية عن الدول و الممالك و يواجهون هذه القضايا : يتوقعون كما تعرف النتيجة الأسوء بدلا من الامل فى الاغضل و على ذلك اذا لم يكن تهديد الاوربيين كاذبا .. علينا ان ندرك أننا لا نستطيع أن نواجههم : و أن النتيجة الوحيدة الممكنه ستكون غرق الاسطول بأكمله و التسبب فى موت مايصل الى 30 او 40 الف رجل .. و حينئذ سيقال ان محمد على باشا هو سبب هذه الكارثة و سيصبح اسمى ملطخا بهذا العار دائما .. و ليس تحمل المسئولية عن ثلاثين أو أربعين ألف نفس مهمة هينة . لذلك توقفت عن ارسال خطابات لابنى تشجعه على مواصله القتال . و النصر لا يتحقق فى الحروب بمجرد الاعتماد على الله فى و الثقة فيه ، و لكن أيضا ببذل كل الجهود البشرية الممكنة . و قد أمرنا الله فى كتابه (ليس) بأن نواجه الأعداء (فحسب) ولكن (أيضا) بألا ندخر جهدا فة مواجهتهم . غير أن ذلك يتطلب معرفة شاملة بفن الحرب . و نحن للأسف يا صديقى العزيز برغم أننا أهل الحرب مازلنا فى ألف باء هذا الفن بينما سبقنا الأوربيون كثيرا و طبقوا نظرياتهم(عن الحرب) ...(و بالتأمل فى ذلك) يفكر المرء فى قبول أقل الضررين ، أعنى مبدأ استقلال (اليونانيين) و (تحقيقه من خلال) الوساطه النمساوية . و سوف يعنى هذا للأسف أن ... تضيع كل الجهود و الأموال التى بذلتها فى هذا الأمر و معها جنودى و ضباطى ... و أنا هنا متحير : هل أحزن على نكبة الدولة العلية أم على جهدى الضائع ؟ لذلك أنا فى شدة الحزن و الأسى "
و للأسف كان حدث محمد على صحيح و فى أقل من 3 ساعات تم الاتيان على الاسطول العثمانى بالكامل و دمرت اغلبية السفن المصرية اما غرقا او حرقا و هو الاسطول الذى كان يتباهى به عزيز مصر ب
امتلاكه قائلا "ان العالم الاسلامى لم يشهد له نظير" و للاسف قضى عليه حاكم العالم الاسلامى فى ذلك الوقت
و نخلص بالاتى
الخطاب الاول. يشكل و بإمتياز خطاب مالك الحقيقة المطلقة المغيب عن الواقع و يعيش فى احلام يقظته يعانى من اختلاط افكاره بواقعه
أما الخطاب الثانى. فيشكل و بإمتياز ايضا خطاب السياسى الواعى و المتلمس حدود قدراته انه خطاب قائد مسؤل عن جنوده انه خطاب العقل
و بعودتنا لزمنا الحالى و بتأمل خطابات قوى موجودة على الساحه خرجت الى الشارع بعد اختفاء ما يقارب العقدين و بتحليل لمضمون خطاباتهم نراها تحمل نفس اعراض مرض القابض على الحقيقة المطلقة و خالط الحابل بالنابل . نفس العناد و التعجرف و التعالى الاجوف على باقى التيارات نفس الغياب عن الواقع و الزمن المحسوس
, فنرى تلك القوة تارة تعتبر نفسها الماء الطهور فى هذا المجتمع و تارة اخرى ترى نفسها بمثابة الأم بالنسبة للتيارات و القوى الاخرى . والغريب أن تلك القوى تجمع على ان مشاكلنا و سبب تخلفنا الحضارى سببه بعدنا و فقط عن تطبيق شريعتهم الدينية الخاصه . دون حتى التفكرو التدبر فى اى نوع من انواع البرامج السياسيه الجديه الحقيقية . بل وصل الخبل فى بعض الاحيان لدعوة البعض لغزو و سبى البلاد الاخرى و عند الحاجه بيع النساء و السبايا و العبيد . و الحق يقال ان تلك الاوهام يتشارك فيها الرجال و النساء فنجد مثلا فى احدى البلاد الخليجية سيدة تدعو على نفسها بالناشطه الاجتماعية تدعو لعودة الجوارى و استيراد الازواج لتحسين السلاله !!
و اخيرا و ليس اخرا
يقولون التاريخ يعيد نفسه . فلنأمل اذا ان يكون قدرنا أفضل من قدر محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة
تحياتى
مينا غبور
14-7-2011
*الخطابات من كتاب كل رجال الباشا . د:خالد فهمى . دار الشروق
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com