خاص: الأقباط متحدون
أرسل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مذكرة إلى اللجنة التشريعية بمجلس الوزراء، تدارس خلالها المجلس التعديلات المقترحة على قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972، والتي طرحها المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الرأي العام قبل اعتمادها بصفة نهائية.
وأعلن مركز القاهرة في هذا الإطار تحفظه التام على التوجهات الحاكمة لهذه التعديلات وفلسفتها، وبخاصة ما يتعلق منها بالنظام الانتخابي، وذلك على الرغم من إقرار المركز بأن ثمة مناحي إيجابية في التعديلات المقترحة يتعين التمسك بها، وإن كانت في تقديره محدودة الأثر إذا ما قورنت بمساوئ النظام الانتخابي الذي تتبناه التعديلات، والذي سيؤدي التمسك به إلى أضرار فادحة بعملية الانتقال الديمقراطي، بما تقتضيه من بناء نظام سياسي فعال وديناميكي، يتأسس على ويعطي دفعة قوية للتعددية الحزبية.
وأشار المجلس إلى عدد من الملاحظات الأساسية على مشروع التعديلات المقترحة وهى:
أولا: يحسب للمشروع انحيازه وبصورة كبيرة لمطلب الإشراف القضائي الكامل على مجمل العملية الانتخابية، حيث نقلت التعديلات الصلاحيات التي يمنحها القانون الحالي لوزارة الداخلية أو وزارة العدل، إلى اللجنة العليا للانتخابات واللجان القضائية المنبثقة عنها. غير أن هذا التوجه المحمود يتعارض معه الإبقاء على ممثلين لوزارة الداخلية ضمن تشكيل اللجان المنوط بها فحص طلبات الترشيح، والبت في صفة المرشح، والنظر في الاعتراضات على أي من المرشحين، أو على الصفات التي يجري الترشيح بها (المادتين 8، 9) من مشروع التعديلات.
ثانيا: تقدم المشروع خطوة مهمة في إطار التصدي للحيل والألاعيب القانونية، التي شاع اللجوء إليها من جانب نظام مبارك وأجهزته الأمنية، لإيقاف تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن قضاء مجلس الدولة لصالح المرشحين المعارضين. حيث أكدت المادة التاسعة مكرر من مشروع التعديلات، على اختصاص محاكم القضاء الإداري بالنظر في الطعون على قرارات اللجان القضائية، وشددت على أنه لا يجوز وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، إلا بحكم يصدر عنها أو من المحكمة الإدارية العليا عند الطعن على الحكم.
ثالثا: اتساقًا مع المواقف السابقة لمركز القاهرة، تحفظ المركز على الإبقاء على كوتا العمال والفلاحين، برغم أنه قد جرى تحصينها من خلال تعديلات دستورية لم تحظ بالحد الأدنى من الحوار المسئول بشأنها، وانتقلت هذه الحصانة بالتبعية إلى الإعلان الدستوري الذي اعتمده المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من دون استفتاء الشعب عليه أو إجراء حوار مجتمعي بشأنه. ومن ثم يظل بقاء كوتا العمال والفلاحين تكريسا لذات الفلسفة التي تبناها نظام الحزب الواحد على مدى عدة عقود، في حرمان هذه الفئات من حقها في التنظيم المستقل المعبر عن مصالحها، مع التمسك بتمثيلها صوريا في إطار واجهات شعبية زائفة، يمارس من خلالها نظام الاستبداد وحزبه سطوته على مختلف القوى السياسية والاجتماعية. ومن الملاحظ في هذا السياق، أن التمسك بكوتا العمال والفلاحين في البرلمان يتزامن مع التباطؤ في إطلاق حرية التنظيم النقابي المستقل، ووضع عراقيل قانونية أمام تكوين الأحزاب الجديدة.
رابعا: لاحظ مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن مشروع التعديلات ألغى الكوتا النسائية التي ابتكرها نظام مبارك قبيل إجراء انتخابات 2010، والتي جرى تصميمها بطريقة تؤمن احتكار الحزب الوطني المنحل لمقاعد النساء بصورة تكاد تكون مطلقة. ولكن المشروع لم يقدم مداخل بديلة تدعم تمكين النساء من المشاركة السياسية، وتضع حدا لتهميشهن.
مشكلات النظام الانتخابي المقترح:
تبنى مشروع التعديلات نظام انتخابيًا مختلطًا، يجمع ما بين القوائم النسبية المشروطة ونظام الانتخاب الفردي، ولكنه عمليا انحاز إلى نظام الانتخابات الفردي، الذي خصص له ثلثي مقاعد البرلمان، بينما خصص الثلث الباقي للقوائم الحزبية، وزاحمها فيها أيضا بقوائم المستقلين، من غير المنتمين للأحزاب السياسية.
ولاحظ مركز القاهرة في هذا الإطار ما يلي:
1. إن إعطاء الغلبة للنظام الفردي في الانتخاب، من شأنه إعادة إنتاج وتكريس سوءات الانتخابات السابقة، التي جرى فيها تهميش العمل الحزبي والبرامج السياسية لصالح سطوة العصبيات والمال، وتقديم الخدمات والرشاوى الانتخابية وتوظيف الدين والشعارات الدينية وممارسة العنف والبلطجة في المعركة الانتخابية. ومن شأن هذا التوجه أيضا أن يعيد إفراز ذات النخب التقليدية التي كانت تتنافس على مقاعد المؤسسات التمثيلية في الانتخابات السابقة في ظل نظام مبارك، أي ممثلي التيارات الدينية وبقايا الحزب الوطني المنحل.
كما يؤدي منح الغلبة لنظام الانتخاب الفردي، إلى الإبقاء على بنية شائهة للبرلمان المصري، يتحول فيها عضو البرلمان من نائب عن الأمة، يستخدم أدواته البرلمانية في التشريع وفي مراقبة أداء الحكومة، إلى نائب يقاس نجاحه بالخدمات التي يقدمها لأبناء دائرته. ومن ثم يصبح البرلمان نمطا مماثلا للمجالس الشعبية والمحلية في أحسن الأحوال. إن هذا النظام يؤدي عمليا إلى إهدار الوظائف الرئيسية المطلوبة من البرلمان في النهوض بالبلاد.
2. إن مطاعن دستورية عديدة تحيط بالنظام الانتخابي المختلط الذي تتبناه التعديلات، وعلى الأخص فيما يتعلق بإعمال قواعد المساواة والتكافؤ في الفرص فيما بين مرشحي القوائم الحزبية، ومرشحي القوائم المستقلة. فعلى حين تفرض التعديلات على الأحزاب السياسية شرط الحصول على حد أدنى من أصوات الناخبين في الدولة ككل، لضمان حصول قوائمها على أية مقاعد البرلمان، فإن الأمر يختلف بالنسبة لقوائم المستقلين، الذي تشترط التعديلات المقترحة حصول القائمة على حد أدنى من مجمل أصوات الناخبين، فقط في الدائرة الانتخابية التي تقدمت القائمة فيها لخوض الانتخابات.
وقال المجلس أنه إذا ما أصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إجراء الانتخابات وفق هذا النظام المختلط، فإن مركز القاهرة يدعو على الأقل إلى الأخذ بنظام القوائم النسبية غير المشروطة بالحصول على نسبة محددة من مجمل أصوات الناخبين، باعتبار أن هذا الشرط يؤدي عمليا إلى إخراج الأحزاب الوليدة للتو من حلبة المنافسة. هذه الأحزاب التي سبق أن وجهت لها التعديلات الأخيرة لقانون الأحزاب السياسية ضربة موجعة ستظل تعاني من آثارها لحقبة قادمة على الأقل.
3. إن تخصيص ثلث المقاعد فقط للتنافس فيما بين القوائم الحزبية أو قوائم المستقلين لا يسمح عمليا بالاستفادة من مزايا نظام القوائم النسبية التي تمنح -إذا ما تم تطبيقها على نطاق واسع- حظوظا أفضل للتمثيل الحزبي داخل البرلمان، كما أن ترسيم الدوائر بصورة تسمح باتساع القائمة لعدد أكبر من المرشحين، سوف تشجع عمليًا على إدراج وتمثيل النساء والأقليات والفئات المهمشة بصورة أفضل.
نحو نظام القوائم النسبية المغلقة وغير المشروطة:
إن مركز "القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" في هذا الصدد انحاز إلى نظام انتخابي يقوم على اعتماد نظام القوائم النسبية المغلقة وغير المشروطة في الانتخابات القادمة. وأعتبر هذا النظام هو الأكثر ملائمة في الديمقراطيات الناشئة، ويضمن حصول أي حزب سياسي أو تكتل للمستقلين على حصة من مقاعد البرلمان، تتناسب مع ما يحصده فعليا من أصوات الناخبين. ومن ثم فإن هذا النظام ينطوي على أقل قدر من إهدار أصوات الناخبين، الذي ينطوي عليه النظام الفردي أو نظام القوائم النسبية المشروطة بالحصول على حد أدنى من الأصوات في عموم البلاد.
وأعتقد المركز أن الأخذ بنظام القوائم النسبية غير المشروطة يعزز من قيمة الصوت الانتخابي، وبالتالي يسهم في معالجة ظاهرة العزوف عن المشاركة، التي اقترنت بدرجة كبيرة بأن النتائج معروفة سلفًا، وأن أصوات الناخبين لن يكون لها قيمة في تعزيز فرص أو زيادة حصص حزب أو كتلة سياسية ما، حتى لو كانت لا تحظى بأغلبية كبيرة.
وأضاف إلى ذلك أن اعتماد نظام القوائم النسبية غير المشروطة واستبعاد النظام الفردي، سوف يخفف أعباء هائلة من على عاتق الدولة تتطلبها ترتيبات جولات الإعادة، بما ينطوي عليه ذلك من استنزاف مزيد من الموارد المادية، وتحميل المؤسسة الأمنية بأعباء إضافية قد لا تقوى عليها، وتحمل مرفق العدالة بأعباء مماثلة، في ظل الاستنزاف الهائل لطاقات القضاة في الإشراف على الانتخابات.
وشدد مركز القاهرة على أنه إذا ما تم اعتماد نظام القوائم النسبية غير المشروطة، فمن المفضل أن يراعي في ترسيم الدوائر الانتخابية، أن يلائم التعداد السكاني في كل دائرة نظام للقوائم يستوعب أعدادا معقولة من المرشحين، بحيث لا يقل عدد المقاعد -ومن ثم عدد المرشحين- عن الدائرة الواحدة عن 8- 10 مقاعد. ومن شأن الأخذ بهذا التقسيم تشجيع الأحزاب والكتل السياسية المستقلة على إدراج النساء أو ممثلي الأقليات في مواقع متقدمة من القوائم.
وأكد مركز القاهرة أخيرًا أن تبنى نظام القوائم النسبية غير المشروطة، هو الأكثر ملائمة لمجتمع ما زال يفتقر حتى الآن لأحزاب سياسية قوية ومتماسكة، ومن شأن هذا النظام الانتخابي أن يعزز فرص الشراكة في الحكم بين قوى متعددة يمكن أن تحصد أكثرية أصوات الناخبين.
وقدر مركز القاهرة أن ثمة انتقادات لهذا النظام لها مشروعيتها، وعلى الأخص فيما يتعلق بالمخاوف من أن يسهم هذا النظام في تشرذم الأحزاب السياسية، وفتح المجال أمام الأحزاب الصغيرة لاستنزاف الأحزاب الكبيرة، ودفعها لتقديم تنازلات تساعد في تشكيل حكومة ائتلافية. لكن مركز القاهرة يؤكد على أن هذه الانتقادات أو المخاوف لا محل لها في مصر، التي لم تعرف على مدى ثلاثة عقود على الأقل أحزابا كبيرة أو صغيرة، وإنما نظام الحزب الواحد الذي تدور في فلكه أحزابا مصطنعة أو ولدت ميتة أو مشوهة بفعل قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته المختلفة، وبفعل حقبة كاملة من الطوارئ والإجراءات الاستثنائية، وخنق العمل السياسي والحزبي ومختلف أشكال التنظيم المجتمعي.
لقراءة البيان اضغط هنـــا
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com