ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

ساحة إيبور

د. يحيى الوكيل | 2011-06-04 18:27:17

بقلم: يحيى الوكيل

إيبور هو حكيم مصرى قديم كان أول من كتب عن الثورات فى التاريخ، فقد وصلتنا بردية كتبها يحدثنا فيها عن المسببات السياسية والاجتماعية التي أسقطت الدولة المصرية القديمة‏ وآلت بها إلي حالة من الفوضي وانتشار الرعب في ربوع البلاد وتغير أخلاق الناس وسلوكياتهم المعهودة‏،‏ والتحول من فساد المناخ السياسي السابق للثورة‏،‏ إلي فساد المناخ العام بتوقف الأرض عن إخراج زرعها والعامل عن صناعته لفقدان الشعور بالأمن‏،‏ وكأنه كان يقرأ فى آلة الزمن ما سيحدث فى نفس الأرض بعد أكثر من أربعة آلاف سنة.
يتحدث إيبور عن أسباب الثورة و ما أدت إليه بقوله‏:‏ إن أحوال البلاد قد تبدلت وتغيرت وخرج الجرذان من جحورهم ليتطاولوا علي الأسود التي أصبحت ضعيفة‏.‏ وأعاد السبب الرئيسي في الثورة إلى طول مدة حكم الملك الذي وصل إلي كرسي العرش صبيا صغيرا وظل يحكم لأكثر من ثمانين عاما‏،‏ وترك البلاد في أيدي معاونيه وقواده فعاثوا في الأرض فسادا مستغلين ضعف الحاكم سواء عندما كان طفلا‏،‏ أو بعدما صار شيخا طاعنا في السن‏. وتجرأت البلاد المحيطة بمصر علي هيبة الدولة المصرية بعدما كانت تدين لها بالولاء والطاعة وصارت البعثات التجارية المصرية إلي هذه البلاد تنهب بل ويقتل أفرادها‏…‏ آلت البلاد في النهاية إلي ثورة عارمة‏،‏ والغريب أن أول ضحايا هذه الثورة كانت الأهرامات ومقابر الفراعنة التي نهبت كنوزها‏.‏
عندما حدث في زمن إيبور تعطيل للبلاد انتشرت المجاعة وعز وجود رغيف الخبز‏،‏ وتحول اللصوص وقطاع الطرق إلي أثرياء لكنهم صاروا لايجدون مايسرقونه وعمت المجاعة فتغيرت أخلاق المصريين‏،‏ وصار الأخ يشك في أخيه ويحتاط منه‏،‏ وأغلقت البيوت أبوابها علي أصحابها وصارت الشوارع خالية من المارة‏،‏ والأرض لاتجد من يزرعها‏،‏ فمن استفاد بهذا الوضع؟
بالطبع هم أتباع الإله ست‏ إله الشر…‏ فكان هذا هو عصرهم الذهبي لكي يدمروا الشرفاء‏!‏

في مصر القديمة كان واجب الفرعون نحو شعبه أن يحكم بين الناس بالعدل والحق والنظام‏،‏ أي أن يحكم وفق تقاليد الـماعت رمز الحق والعدل والنظام‏،‏ وكان وزير الدولة يتلقي تعليماته مباشرة من الملك الذي كان يحث فيها علي نشر مباديء الحق والعدل والنظام بين الشعب‏…‏ ولذلك بني أجدادنا حضارة أنارت للبشرية طريقا مضيئا لاستمرار الإنسان‏.‏
ولقد برأ إيبور ذمته أمام التاريخ مؤكدا أنه قد أدي دوره كمثقف في المجتمع المصري‏،‏ فنصح الملك وحثه علي العودة إلي طريق الـماعت‏،‏ بل حذره من مغبة الظلم والفساد‏،‏ فلم يسمع له‏،‏ وكانت النتيجة فوضي في كل شيء‏،‏ وأعداء يتربصون بالبلاد‏.‏
المقارنة مع ما هو حادث اليوم مخيفة.
فقد نجحت ثورة‏25 يناير في تسطير صفحة جديدة في التاريخ المصري يذكر لها تأكيد حق الشعوب في اختيار كيانها السياسي وتقرير أسلوب حكمها‏..‏ لكن الأهم الآن هو التشبث بتحريك عجلة الإنتاج بأقصي طاقتها يحميها أمن واع بمسئوليته‏،‏ وكفانا مايحدث الآن في مصر من تخريب لآثارنا وتراثنا الذي لايمكن أن نعوضه‏، وإذا ما استمرت حالة الفوضي الأمنية في البلاد فسنبكي دما بدلا من الدموع‏،‏ ولن يحترمنا العالم من حولنا وهو يري آثار الفراعنة تباع وتشتري في أسواقه السوداء‏..‏ فلنوقف نزيف الحضارة لكي لاتشوه الثورة‏…‏ أخشي ماأخشاه أن يمر علينا مائة وخمسون عاما من التخبط حتي تتوحد البلاد علي يد مصري أصيل مثلما حدث منذ أربعة آلاف عام عندما وحد الملك الصعيدي منتوحتب الثاني أرجاء مصر تحت حكم واحد‏،‏ وأعاد إلي البلاد أمنها وقضي علي ست وأعوانه‏.
ما سبق كان بتصرف نقلا و اقتباسا عن مقال منشور للدكتور زاهى حواس وزير الدولة لشئون الآثار على موقع "مصر النهاردة" الألكترونى بتاريخ 26 مارس 2011.
بعد هذه المقدمة الطويلة، و التى كان الغرض منها القياس المقارن بين الثورة التى وثقها إيبور و بين ما هو حادث اليوم، أهتم بالتركيز على عواقب تعطيل الإنتاج و فقدان الأمن، و هن إطالة فترة الفوضى حتى لقد قاربت فى ذلك العصر القرنين من الزمان – و كان هذا يوم أن كانت مصر متفوقة فى علومها و فنونها بآلاف السنين عن بقية العالم، أما اليوم فلا نستطيع إضاعة ساعة واحد لأننا متأخرون فعلا عن العالم المتقدم و حتى النامى كله بعشرات إن لم يكن بمئات السنين.
و أشد ما يعطل الإنتاج و يفتح الطريق نحو المزيد من الفوضى هو الإضرابات و الإعتصامات التى تتخذ من قلب البلد الإقتصادى و التجارى و حتى السياحى و السياسى كذلك مكانا لها، فتعطل الحياة او تكاد بكافة مناحيها فى العاصمة و تود لو امتد هذا التعطيل – كما يحدث أحيانا فعلا – إلى المراكز الصناعية و التجارية فى الأقاليم، كما رأينا فى المحلة قلب صناعة النسيج و غيرها من البلاد.
أنا أومن إيمانا كاملا بحق كل فرد فى التعبير عن رأيه؛ ليس ذلك فقط بل و حق كل فرد أن يسمع لرأيه. و فى الظاهر يتناقض هذا مع ما سبق، و لكن لذلك كله حلا أقترحه و أود لو وافقتمونى عليه و طالبتم به.
الحل عندى هو إقامة ساحات للتعبير عن الرأى يتم إطلاق إسم إيبور عليها تكريما له و إثباتا لمصرية الفكرة.
و سأشرح بشكل وجيز الفكرة، و اترك التفاصيل للمهندسين و الإداريين يستكملونها.
لو أن قطعة أرض تسع لمليونين من الناس تم تخصيصها فى على طريق فى الصحراء قريبا من كل محافظة – و لنبدأ الآن بالقاهرة و الإسكندرية و بناء على تقييم التجربة يتم نشرها فى الظهير الصحراوى فى المحافظات التى تحتاج إليها؛ قطعة الأرض هذه ستمهد و ترصف أو تبلط و يمد إليها المرافق من كهرباء و ماء و صرف صحى و يبنى حولها سور و بداخلها دورات مياه آدمية و يجب البحث فى كيفية توفير الظل فيها، و يزرع حول السور شجر بين دائم الخضرة و مصدات للرياح. هذه هى ساحة إيبور.
يسمح للجميع بالتظاهر فى هذه الساحات و لكن برسم دخول رمزى يصلح لمدة أربعة و عشرين ساعة قدره مثلا جنيها مصريا واحدا أيام العطلات الرسمية و نهاية الأسبوع و عشرة جنيهات فى غير ذلك تشجيعا لعدم ترك العمل و ضمانا للجدية و لتوفير التمويل اللازم للصيانة و التشغيل. سيتوجب على المتظاهرين أيضا تنظيف المكان بعد استعماله و لمن أحب المساهمة فى تشجير الأرض المحيطة الإعفاء من رسم الدخول. من الممكن بل و الضرورى أيضا بناء أكشاك و منصات تصوير يتم تأجيرها للصحافة بمبالغ معقولة لتسهم فى تحقيق دخل يستفاد به فى دفع مرتبات من سيعملون كأطقم صيانة و تنظيم و نظافة بتلك الساحات، و أن يتم استغلال حوائط السور فى الإعلانات لنفس الغرض. أى انها لن تكلف ميزانية الدولة شيئا بل و من الممكن تحقيق عائد يسدد به ثمن الأرض على فترة من الوقت.
هذه الساحات تستطيع القوات المسلحة الإنتهاء منها فى شهرين او ثلاثة لو أن المرافق قريبة من المكان الذى ستنشأ فيه، و بعده تستطيع تجريم التظاهر و الاعتصام داخل حرم المدن و المراكز الصناعية كما تشاء.
هذه الساحات يجب أن تتبع هيئة مستقلة تكون من ضمن منظومة الإعلام و بإشراف مباشر من رئيس الوزراء أو مجلس الشعب المنتخب أو ما نحوه لكى تبقى ملكيتها و التحكم فيها لجماهير الشعب و ليس لأى جهة تنفيذية – كوزارة الداخلية مثلا أعوذ بالله.
شاركونا الفكر و الإقتراحات.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com