بقلم: ماجدة سيدهم
ودخل يوم الجمعة التاريخ من باب الأسبوع المنفرط على حاله، دخل دونما سابق تهيئة، اليوم الخجول- كنز الراحة والكسل اللذيذ والانسجام المرتقب بعد أيام مجهدة، الجمعة الهادئة المستكينة هي عذراء الأيام الضاجة باللهث والأحداث المتصاعدة، اليوم فض صمتها. وتخصصت الجمعات تباعًا، أصبح لكل منها هدفًا ومهمة واحدة بعينها دون غيرها، بعدما كانت متسعًا فسيحًا ومرنًا جدًا لكل مفردات المعاني الودودة والألفة الاجتماعية والمشاوير المؤجلة، أصيب يوم الجمعة بالتخمة الانعزالية والتخصصية لفرط الطعن العشوائي في اتساقه البيولوجي، بات معنونًا ومذيلا، جمعة الغضب، الرحيل، التطهير، التأكيد، الكفر والإيمان و..,و..، هل لديك عزيزي القارئ أية اقتراحات أو اختراعات مبتكرة، ارسل للتاريخ الآن، الجمعات كثيرة ونحن لها متفرغون وعليها ساهرون بل مجندون كي تبقى مسحة الارتباك سمة ملامح الجمعة الحزينة.
الجمعات أصيبت بالجزع، بدايتها لا تنتهي وليس من تجاوز للمرحلة، انفرط الأسبوع كله، جدران بلا ساتر، نوافذ بلا تطلع، الجمعة ثقيلة جدًا، الهدف نبيل لكن فارغة سلالنا من الاستقامة، ربما هذه المرة سنكون أشد صرامة ويقظة ولن نقبل الكذب أو الفتات- لكنا نواجه ذات الكائن المشوه، محدبًا، أصمًا يشبه الحكومات الهزيلة، لا يثنيه قرع الدماء السائلة عن صعق الحلم بكتل البلادة الرصينة بينما الرعاع يرتقون الخديعة ثوبًا يليق بالأنانية الوقحة والسقوط المؤكد، المنعطف الآن يصلح للبكاء لكن زمن الرثاء غير وارد حتى الآن، الدماء الشهيدة تضخ حرارتها في عروقنا وليس من يلتفت.. لكن هل ثمة بديل..؟ في متسع الغفلة - راح صغار النفوس كقوارض تحفر موضعا متسلقا - وفلحت -إذ لا رقيب وليس وازع.
الأحزاب كثيرة جميعها متضاربة وعلى انكفاء الوطن صار الوعد بالحرب أمرًا مطروحًا. هلم نرسم شاربًا صدئًا - ومن يقود الآن عقل الانحناء إلى قامة الخروج إلى رحب الفهم، ليس ثمة فالح، الجميع ارتبكوا وأعوزهم مرايا مضيئة، الكادحون وحدهم وقود الأمم العريقة، تعب يوم الجمعة كثيرًا، ربما قارب على التخاذل، بينما مساحة الهرولة والاتساخ الفائر لا يكفيها جمعة واحدة -إذا ليخلد الجمعة الآن إلى يوم السبت، يتوسد المحاولة من جديد كي ينعس قليلاً أو أن يتبدل الأسبوع كله إلى جمعات مكثفة كي تلائم كل هذا الإحباط والتراشق ومادامت الأيام كلها ستكون جمعة إذا لنغير وجهتنا صوب أحلامنا - ولتكن ثورتنا الآن حادة، صارخة ومستقيمة – لتكن جمعات لا للتأجيل ولا لأنصاف الحلول أو أنصاف المثقفين، أو الفاعلين، جمعات لا تقبل أنصاف الحق أو أنصاف الوطن أو الأخوة.
جمعات ترفض أنصاف الضحك، أنصاف الحياة، أنصاف الموت، لتكن جمعات جامحة لا تقبل بغير الجمال كله، الحرية كلها والخبز كله، لا تقبل بغير الإنسان مكتملا، ولنطلق على كل منها مسميات مثلا جمعة التصالح، جمعة العناق، جمعة سأبدأ بنفسي وسأدعمك لأني أستطيع فعل هذا، جمعة لا تحتقر عملي البسيط فهو جل ما عندي، وأيضًا جمعة لا يفلح الانطلاق وحدي، جمعة إلغاء الدين من بطاقات الهوية، ليس ثمة عمل محتقر، جمعة لن أخون وطني أو نفسي أو أخي، جمعة سأحترم رؤسائي وعملي ومواعيدي، جمعة أحتاج لتقديرك لي، جمعة لن نقرأ للمدعين ولن نغني بعد الآن كلمات ميتة، جمعة دعني أضمد جرحك ولننس ما هو وراء، جمعة لن أرفضك ثانية وسأحترم اختلافك، جمعة لن ننصت لغير صوت المنطق والفهم، جمعة سأقترب وأتعلم منك، جمعة الإنصات واكتشاف طاقاتنا وقدراتنا، جمعة معًا ندعم المنسحقين والمتألمين والمرذولين، جمعة هذا بيتي وسأبنى بيتك، جمعة سأمارس رياضة ركض دمى في عروقك، جمعة سأمنحك معرفتي وخبرتي وسألتزم معك بالعهد والعمل والبناء، جمعة لن نترك الشوارع مهملة والمصابيح منكفئة، جمعة سيلتهم الأخضر كل المساحات الصفراء، جمعة الآن سنزيل الغبار عن ماكينات المصانع وسنبتسم في وجه ضيوف تاريخنا، وجمعة كل نهار جديد هو لنا، جمعة معًا نمهد الدرب لابنك وابني و..و....
ولك أيضا عزيزي القارئ اقتراحاتك الأفضل وليكن الغناء : "خذ كل الحقول وأعطني الخبز خذ كل الحقوق وهبني الحرية. خذ كل النجوم وامنحني الدفء. خذ كل الوعود ودع لى الكرامة. خذ كل شيء واعطني كل الشيء أعطيك الإنسان...!"
** وليس آخر السطر. الوطن لنا ولن يشمخ بغيرنا والأيام وزنات ثمينة لنصنع معًا في العالم شفاء.. حينئذ سيأخذ الجمعة لراحته أجازة هانئة. لم ينته بعد..
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com