بقلم المحامي: نوري إيشوع
منذ قديم الزمان، خرج المارد من الجحرِ كالثعبان، بعد أن لبس عباءة الوداعة والأمان، فبرع في التخفي والتمويه، واستعمل الحيلة مع كل الألوان، ادعى المحبة والإيمان فحقد وجحد وتجاوز في وحشيته حتى الحيوان، نعم، خرج المارد من بين رمال الصحراء، هاجم القوافل وقطع الطرقات، نهب، سلب، سبا وترك القتلى من الرجال والأطفال في البراري كالأشلاء.
منذ قديم الزمان، طغى هذا الوحش الآدمي، وجعل الساحات غابات صراع وعصيان، بعد أن أعلن الحرب على الإنسان، فنذر نفسه بإسقاط بني البشر في آتون النيران، ووعدهم بملذات هذا العالم من مالٍ و جاهٍ و سلطان، ناهيكم عن عشرات لا بل مئات النساء الحسان.!
خطط المارد للعدوان، فوقع الاختيار على مراعي السلام التي تسكنها أبناء وبنات ملك الملوك ولا تهاب من سلطان، تعشق الحرية وتنشد الأمن والأمان، شعارها المسامحة والمغفرة وتقديم القرابين للواحد الديان، التي لم تسمع من قبل عن المارد الثعبان..! جمع إبليس آلاف الأعوان من الإنس والجان ووأولاد عمومتهم وكل الأخوان، بعد تدريبهم على فنون الحرق والقتل والذبح لنشر الذعر في كل مكان، علمهم فنون أسر الخراف بعد قتل الرعيان.
هجمت جيوش الجبان على بيوت الجيران، كالذئاب الجائعة القادمة من عالم النسيان، وجوههم يعلوها الدخان، لباسهم قديم قِدم الحجارة عندما بها اكتشف النار الإنسان، لحاهم مأخوذة من قصص ألف ليلة وليلة ومن حكايات كان يا ما كان، دعواتهم بارود اخترق الصدى كأنه قادم من مخازن آل عثمان، نزل الغول الجوعان للحم الإنسان، والمتعطش لدماء الخرفان المملؤة بالإيمان، فحرقوا دور العبادة، قتلوا أولاد الجيران وشوهوا الأسوار والحيطان، خطفوا النساء والفتيات مدعين بأنهن يحملن نفس الاسم والعنوان ولبسن عباءة الثعبان، وهن لهم حور عين وأصبحن من ملكات الرضوان منذ أزمان..!
صال الثعبان وحكم بدستور يخالف أبسط حقوق الإنسان، نصب من نفسه الآمر الناهي وهو أكبر من سلطان، فأباح كل أنواع العدوان: قتل الأخوة والخلان، إذا خالفوا العقيدة والإيمان، بيع النساء في أسواق النخاسة أو تقديمهم هبة للأحبة في الإيمان كعطايا بدون أثمان، ممارسة الزنى وإباحة إخراج الموتى من بين الأكفان.
قرأ السلطان على الملأ الفرمان المحفوظ في الديوان: لا محبة، لا تسامح، لا سلام، لا إيمان، بل قتل، ظلم، اضطهاد، حرق الكنائس وقتل المصلين لنطفئ نيران حقدنا على البشرية من خلال النيران، ولن نكون رجالًا إذا لم ننفذ أوامر الثعبان ونشعلها بالمليان ونجعل الأديرة حلبات لمصارعة الثيران..!
سقط القناع...! وظهر على المسرح السفاح واعترف من دون أن يدري بأنه القاتل للأرواح والزاني للملاح، وهو الذي أعطى الأوامر بقتل السياح، وحرق كنائس إمبابة وعكر أنشودة الصباح، وتعهد بالرجوع إلى الجحر ليقضي بقية عمره مع الأشباح.
سقط القناع...! عن الثعبان السفاح وعاد إلى الجحور للعيش مع الأشباح فانبلج فجر الصباح، وسُدت أبواب الرياح وغنى البلبل الصداح وتلاشت الكتابة المزيفة عن الألواح....!
ارتاح الشهداء وابتسمت الأرواح بعد أن اختفت الأشباح، وانتهت الحكاية وردد الأطفال: كان يا ما كان في قديم الزمان مارد ثعبان التهمته النيران وأصبح الأعوان من عالم النسيان...!
ضحك الربيع ونثر البسمات وفرشت الجنان بأجمل أقحوان، وعاش الإنسان بأمان بعد أن توكل على الفادي الربان...!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com