بقلم: نبيل المقدس
يقولون أن العمل في السياسة ما هو إلا لعبة.. فيها اللاعب المحترف، واللاعب الهاوي.. فقد لاحظت أن الـ 85 مليون مصري أصبحوا لاعبين سياسة من بعد ثورة 25 يناير، ولم يصبح هناك مكانا لجمهور مشاهدة ( متفرجين ) ولا حتي لاعبين جالسين علي دكة الإحتياطي.. وهذا أمر صحي، أن نجد الكبير والصغير يصبح له الحق أن يتكلم بحرية وبصوت عال في ما يعجبه وما لا يعجبه في امور تسيير البلاد في جميع النواحي الحياتية. وكما نعلم أن لكل لعبة لها قوانينها ودستورها يتم ممارسة اللعبة طبقا لها.. كما أن إختيار اللاعبين يجب أن يتم في ظروف خاصة أولها وأهمها هو وجود قوانين وشروط لتحديد ثوابت معينة لكل لاعب لكي يقبله الجمهور بمختلف طوائفه وميوله بالإضافة إلي مهارته في اللعبة.. هكذا تبدو أي لعبة.. لديها في المقام الأول دستور خاص بها، دستور ثابت لا يتغير إلا في اضيق الحدود حسب التطور الطبيعي من تكنولوجيا وفكر..!
لذلك علينا أن نُصر أن يكون بين ايدينا أولا دستور جديد يناسب تطلبات واهداف ثورة 25 يناير، قبل إجراء اي عملية سياسية مثل الإنتخابات النيابية أو المحلية أو حتي رئيس الجمهورية.. دستور يتفق عليه جميع طوائف الشعب مع إختلافاتهم الدينية، والعرقية، والثقافية، والمهنية.. دستور يكون مناسبا يُرضي ويقدره كل شخص مهما كان موقعه، يمتد من صعيد مصر إلي شمالها، ومن شرقها إلي غربها.. أيضا دستور لكل زمان يتمتع ويحتمي فيه أبنائنا وأبناء أبنائنا.. دستور نفتخر به، وهذا أقل ما نستحقه كشعب مصري له حضارة عظيمة، ويضم الكثير من الثقافات.. دستور قوي له القدرة علي التكيّف مع تغيرات الظروف مع الاحتفاظ بشكله الأساسي..!
صحيح كثير من الكتاب وكثير من اساتذة الدساتير نقدوا العمل بهذا الدستور المرقع.. وربما كانت إعتراضاتهم علمية وصحيحة.. لكننا كشعب أغلبه لم يكن وقتها يعلم أو لم يصل إلي إدراك لعبة السياسة، ارتضينا به علي اساس أنه دستور إنتقالي وسوف يتغيّر في وجود مجلس الشعب الجديد، لكننا لم نكن نتوقع بجدية أنه ربما سوف يحمل صبغة دينية.. أو ربما سوف يكون مصبوغًا بفلول المجلس الذي انهار مع سقوط النظام أثر ثورة 25 يناير.. لكن بدأت تظهر في الأفق طوائف كانت مدفونة تحت الأرض وبدأت تكبر تدريجيا حتى حان لها الوقت لكي تخرج هذه الطوائف السلفية متحدية بل مستغلة عدم إدراك المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وحكومة تسيير الأمور بلعبة السياسة، حيث أن لعبة السياسة المظبوطة يجب أن تُمارس تحت مظلة أمنية صارمة. توجهت هذه الطوائف السلفية لكي تخترق الصف الواحد للشعب المصري والذي أكدته ثورة 25 يناير... وتحدث فتنة لكي تحاول أن تبعد فكرة الدولة المدنية من فكر الشعب.. فهم يسعون بقيادات من الإخوان وإن كانت بطريقة غير مباشرة إلي قيام دولة الخلافة، كأمر واقع.
واقتباسًا من كلمات خبراء لعبة السياسة.. إن ثورة 25 يناير مازالت غير كاملة وسوف تظل غير كاملة طالما لا يُوجد دستور جديد يغطي جميع متطلبات جميع التوجهات والأطياف في الوطن الواحد.. كما أن الدستور القوي هو هذا الدستور الذي ينص بإصرار بعزل الدين عن السياسة.. فقد فهمت من أحد لاعبي السياسة في إحدى الندوات التي أحضرها بكثافة لكي الحق بكل المعارف السياسية وخباياها.. حيث قال هذا المتكلم "صحيح أن هناك قرارًا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعدم إقحام المرجعيات الدينية في تكوين الأحزاب، لكن هناك قرار صدر أخيرًا من نفس المجلس حول أسلوب الانتخابات الآتية بأنها سوف تكون عن طريق النسبة والأفراد المستقلة.. وهنا كانت اللعبة التي ربما يكون أكثرنا لم ينتبه لها.. ماذا لو حدث أن أغلب الناجحين في الانتخابات أفراد مستقلة لكن خلفيتهم دينية. "وكأنك يا زيد ما غزيت"... ومن هنا تكمن الخطورة على جميع فئات الشعب مستغلين المادة الثانية من الدستور وتحويل مصر إلي دينية بحتة.. كما أن هناك خطورة أخرى في حالة وصول نسبة هؤلاء المستقلين "الأخوان والسلفيين" إلى أكثر من 37 % فلهم القدرة على وقف أي قرار لا يصلح أو يلائم فكرهم... وهناك الكثير من الأخطار التي سوف تأتي من وراء عدم وجود دستور جديد يناسب فكر وعقل وهوية أبناء وأجيال ثورة 25 يناير.
كفاية.. فقد استنزف هذا الشعب كل قواه في حياة الخلل وعدم الطمأنينة منذ عشرات السنوات.. كفى أنه خاض حروبًا عسكرية وحروبًا ضد الفاسدين، وحروبًا ضد المخربين، وحروبًا ضد التقييد الجسدي والفكري، وحروبًا ضد الفتن والصراعات الدينية... وجب بل حان بعمل مليونية يشترك فيها كل فئات الشعب بإصدار دستورًا جديدًا يحوي بنودًا مدنية.. دستور يؤدي إلى الطمأنينة والسلم والراحة على أرضنا مصر لكل الطوائف.
نعم لوجود دستور مظبوط سوف يؤدي إلى ممارسة سياسية لكل المصريين بعيدًا عن التنافسات غير الشريفة....!!!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com