بعد صدور الحكم بإزالة اسمه وصورته من المؤسسات العامة
يطالب الكثير من المصرين بإعادة النظر في القوانين التي سنّها الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وكذلك المناهج التعليمية في مصر، ويأتي ذلك بعد قرار المحكمة بإزالة صوره والشعارات الخاصة به وبعائلته من الأماكن العامة.
أيام قلائل ويصبح حكم القضاء بإزالة أسماء وصور الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وزوجته سوزان ونجلهما جمال من على كافة المؤسسات الرسمية في مصر نافذاً، حيث يقضي القانون بضرورة مرور 15 يوماً من تاريخ صدور أي حكم قضائي، حتى يصير باتاً ونهائياً، لإعطاء الفرصة أمام الخصم أو المتضرر من إستئناف الحكم، غير أن التوقعات تشير إلى أن أحداً لن يقدم بطعن على ذلك الحكم التاريخي الذي صدر في 20 أبريل الحالي، أيام قلائل ويتعرض أي مسؤول يرفض الإمتثال للحكم بحبسه لمدة عام والعزل من وظيفته. أيام قلائل ويكون المصريون قد محوا اسم رئيسهم السابق من حياتهم تماماً، بعد أن ظلت صوره واسمه في كل مكان وأينما يولون وجههم، في المدارس والمستشفيات والجامعات ومراكز الشرطة ومحطات المترو والشوارع والميادين والمكتبات والهيئات العامة، والمصانع والشركات.
لم يكتف المصريون بمحو اسم مبارك من المؤسسات العامة، بل يطالبون بمحوه من المناهج التعليمية، وإعادة النظر في القوانين سيئة السمعة التي صدرت في عهده، وتغيير الثقافة السلبية التي زرعها في نفوسهم وعقولهم.
مؤسسات قمعية
على النقيض من سلفيه جمال عبد الناصر وأنور السادات اللذين يطلق اسميهما على مؤسسات عسكرية مهمة، ومؤسسات تعليمية و أكاديمية مهمة، يطلق اسم مبارك على المؤسسات البوليسية القمعية، مثل "أكاديمية مبارك للأمن"، وهي أعلى هيئة شرطية في مصر، وتدرس العلوم الأمنية لضباط الشرطة وتنظم لهم دورات تدريبية على أعلى مستوى، وكان اسم مبارك يطلق على أكبر معسكر للأمن المركزي في البلاد ويوجد بالقاهرة، والذي كانت تجري فيه عمليات إعتقال النشطاء السياسيين والحقوقيين ومعارضي نظام حكمه، وهناك يتعرضون لشتى أنواع التعذيب البدني والنفسي. وأكد مسؤول بوزارة الداخلية ل"إيلاف"، إن الوزارة ملتزمة بتنفيذ حكم القضاء برفع اسم وصور مبارك من المؤسسات الأمنية، بعد أن يصبح الحكم نهائياً وباتاً، مشيراً إلى أن هناك الكثير من المباني والمؤسسات الأمنية كانت تحمل اسم مبارك، وكان زكي بدر وزير الداخلية الأسبق هو أول من أرسى هذا التقليد.
يحتل اسم مبارك كذلك واجهة العديد من المؤسسات الثقافية المهمة مثل مجمع مبارك الثقافي بمدينة دمنهور محافظة البحيرة، فضلاً على أن أرفع الجوائز الثقافية كانت تحمل اسم "مبارك"، وتم تعديلها مؤخراً لتحمل اسم "النيل"، وتحمل واحدة من أكبر محطات مترو الأنفاق اسم مبارك، ولم ينتظر المصريون صدور حكم قضائي بإزالته، حيث مسحوا الإسم منذ إندلاع الثورة في 25 يناير، واستبدلوه ب"الشهداء" أو "25 يناير"، أو "التحرير" أو "الحرية"، وكثيراً ما شهدت عربات المترو مشادات كلامية بين مؤيدي الرئيس السابق ومعارضيه ممن يعملون على محو اسمه من المحطة. كما لم ينتظر الإعلاميون في مبنى الإذاعة والتلفزيون صدور الحكم القضائي، وقاموا بإزالة تمثال نصفي له كان مرفوعاً على قاعدة إرتفاعها يزيد على ثلاثة أمتار في بهو المبنى.
وفي وزارة التربية والتعليم، تحمل نحو 400 مدرسة اسم مبارك على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى 56 مدرسة تحمل اسم "مبارك كول"، وهي مجموعة من المدارس أنشئت بمنحة ألمانية في عهد المستشار الألماني الأسبق هلمت كول، في إطار تطوير التعليم الفني في مصر، في مقابل 314 مدرسة تحمل أسماء رؤساء الجمهورية السابقين وهم محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات، وفقاً لتصريح الدكتور محمود طه المسؤول بهيئة الأبنية التعليمة ل"إيلاف"، وأضاف أن هناك 563 مدرسة تحمل اسم سوزان مبارك، ومدرسة واحدة تحمل اسم نجلهما جمال مبارك، مشيراً إلى أنه حتى الآن لم يصدر قرار من الوزير برفع أسماء آل مبارك من على تلك المدراس، وتوقع حدوث ذلك بعد أن يصبح الحكم نهائياً في خلال 15 يوماً، وأكد أن رفع اسم مبارك وزوجته من على المؤسسات التعليمية كان مطلباً شعبياً، لاسيما أن تلك المؤسسات أنشئت بأموال دافعي الضرائب من المصريين، وليس بأموالهما الخاصة، وقال إن إختيار الأسماء البديلة سيكون من خلال مجلس الآباء في كل مدرسة. مشيراً إلى أنه من المتوقع إطلاق أسماء الشهداء على المدراس التي تقع في الشوارع التي يقطنون بها، أو إطلاق أسماء 25 يناير أو الحرية أو الشهداء على المدارس الواقعة في شوارع لا شهداء فيها.
فيما قال الناشط السياسي جورج اسحق إن الحكم برفع اسم مبارك وأسرته عن المنشآت العامة جاء متسقاً مع مباديء الثورة ومطالب الشعب المصري، حيث لم يعد مقبولاً أن يتصدر اسم الرئيس السابق وزوجته ونجله جمال الهيئات العامة والمؤسسات القومية، في الوقت الذي يحاكمون فيه بتهم الفساد ونهب المال العام وقتل أبناء الشعب الذين خرجوا للتعبير عن رفضهم للإستبداد والقمع والظلم، وأضاف أسحق ل"إيلاف" أن الأهم من محو أسمائهم من على المدارس والمكتبات العامة والمؤسسات الثقافية، هو تعديل المناهج التعليمية التي تم تحريفها لصالح مبارك، لاسيما فيما يخص حرب السادس من أكتوبر 1973.
ويقول محمد درويش معلم أول مادة التاريخ، ل"إيلاف" إن مناهج التاريخ التي تدرس للطلاب على مختلف المراحل، مليئة المغالطات التاريخية، لاسيما فيما يخص حرب أكتوبر، حيث تظهر مبارك وكأنه صاحب قرار الحرب، وأنه صاحب الفضل في الإنتصار على العدو، وتغفل دور باقي القادة مثل المشير أحمد الجمسي والمشير أحمد إسماعيل، والفريق سعد الشاذلي، ولا توجد معلومة واحدة حول أي من قادة الحرب في سلاح القوات الجوية سوى حسني مبارك، كما أن هناك تحريف في صور غرفة العمليات لإظهار مبارك وكأنه هو من كان يقود المعركة وليس الرئيس السادات، حيث يظهر وهو يقف على يمين السادات ممسكاً بعصا يشرح خطة الحرب، في أن التقاليد العسكرية تؤكد أن من يقف على يمين رئيس الجمهورية هو وزير الدفاع، وعن شماله رئيس الأركان. ويدعو درويش إلى ضرورة تنقية المناهج مما لحق بها من مغالطات لصالح مبارك. ويشير درويش إلى أن الوزير اتخذ عدة قرارات لتعديل بعض المناهج وحذف ما يتعلق بالإصلاحات التي يقال إن مبارك قام بها، لكن الأمر يحتاح إلى مجهود أكبر، وليس مجرد الحذف والإضافة، لأن المناهج تحتاج إلى إعادة النظر فيها ككل، بما يتماشى مع ثقافة الثورة ومبادئها.
ويشير الدكتور سامي عبد الكريم الأستاذ بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية إلى أن الشعب المصري ارتبط ب"نوع من العشرة" مع مبارك، ورغم أنه كان يعلم أنه يحكم بالحديد والنار، وأن هناك فساد للركب في عهده، إلا أنه كان يقول "اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش"، فضلاً على أن هناك أجيال كثيرة لم تعرف لمصر رئيساً سواه، ولذلك فالأمر لا يرتبط بمحو اسمه من اللافتات المعلقة على واجهات المدارس أو المؤسسات العامة، رغم أنها خطوة مهمة جداً، ولكن هناط ضرورة ملحة في إتخاذ خطوات جادة نحو محو فكر وسياسية مبارك من نفوس المصريين، فهو المسؤول عن تفشي ثقافية "الأنامالية"، أو السلبية، والرشوة التي صارت حزء من الحياة اليومية للموظفين والمسؤولين في شتى المؤسسات العامة، مشدداً على أهمية محو ثقافة "اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش"، لأنها ثقافة زرعها مبارك في نفوس المصريين لعدم المطالبة بالتغيير، حتى يظل فى الحكم مدى الحياة، ويورثه لنجله جمال من بعده. وتابع قائلاً: ينبغي القضاء على فكرة الرئيس الأب، أو الرئيس الإله التي أصلها السادات ومن بعد مبارك في نفوس المصريين، لأن الحاكم ليس أباً للشعب أو إلهاً له، فالأب يحب الخير لأبنائه ويتفانى في إسعادهم، ويضحي من أجلهم بكل شيء، بما في ذلك حياته، أما الحاكم فهو يدير شؤون الدولة، هو خادم للشعب، وليس العكس، كما أن الأب لا يصح الخروج عليه، لأن في ذلك ذنب عظيم، فالإسلام ينظر لعدم طاعة الأب، باعتبارها جريمة من أكبر الكبائر، تستوجب القذف بصاحبها في نار جهنم، وإذا كان الرئيس أباً، فليس من اللائق محاسبته، أو معارضته، أما الرئيس الإله فطاعته واجبه في كل الأمور، ولا يستقيم أن يخطيء، وبالتالي فهو فوق المحاسبة، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ودعا عبد الكريم إلى أهمية إعادة النظر في التشريعات التي صدرت في عهد مبارك، خاصة التشريعات السياسية والإقتصادية التي ساهمت في إحكم قبضته بالإستبداد على البلاد لمدة 30 عاماً، كما أن التشريعات الإقتصادية كانت تصب في صالح رجال الأعمال، على حساب الفقراء، ومنها قوانين الضرائب، والجمارك، والرسوم، وطرق تخصيص أراضي الدولة.
سوزان مبارك هو الاسم الأشهر على لافتات المستشفيات والمدارس والمكتبات العامة، والمؤسسات المعنية بالطفولة والأمومة، وسوف يتم رفع هذا الإسم من على واجهاتها، حسبما تقول الدكتورة منال دراز مدير جمعية الطفل المصري، وأضافت ل"إيلاف" أن محو اسم سوزان مبارك من اللافتات أمر جيد، لكن الأهم هو إعادة النظر في القوانين التي كانت تقف وراءها قرينة الرئيس، والمعروفة في أوساط المصريين ب"قوانين سوزان"، مثل قانون الرؤية الذي يحرم الأب أو الأم غير الحاضن للطفل من رؤية سوى ساعتين في الإسبوع فقط، مع إعادة النظر في بعض بنود قوانين الطفل و الخلع ومحاكم الأسرة، بالإضافة إلى إعادة تشكيل مجالس إدارات المؤسسات العامة التي كانت تترأسها مثل المجلس القومي للمرأة المجلس القومي للطفولة والأمومة، مكتبة الإسكندرية، جمعية الرعاية المتكاملة، مستشفى سرطان الأطفال، مشروعي مكتبة الأسرة والقراءة للجميع، اللذين يطبعان نحو مليوني كتاب سنوياً و تحمل جميع النسخ صورها.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com