ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

كتّاب المعارضة وكتّاب الحكومة!

د. عبد الخالق حسين | 2011-04-14 10:45:02

بقلم: د.عبد الخالق حسين
كلمة (المعارضة) في الأدب السياسي العراقي تحمل نكهة رومانسية جميلة مثل كلمة الثورة، والوطنية، والعدالة الاجتماعية...الخ، لأن الوعي الجمعي في العراق مبرمج ضد الحكومة، وأية حكومة كانت، بغض النظر عن كونها حكومة استعمارية، أو حكومة وطنية مستقلة، وبغض النظر عن موقفها من الشعب والحق والباطل..الخ. والسبب، كما ذكرنا في مقالات سابقة، هو ظلم الحكومات الجائرة على الشعب منذ تأسيس الدولة في التاريخ، وبالأخص في العهد العثماني الاستعماري، حيث كانت الحكومة تعادي الشعب، وبالمقابل كان الشعب يعاملها كعدوة لهم، واعتبار كل من يتعامل معها بإيجابية فهو عدو الشعب وخائن وجاسوس! لذلك كانت للقوى السياسية المعارضة وكتابها في عهود الحكومات الجائرة مكانة رفيعة لدى الشعب، وهكذا الأمر في جميع العهود بغض النظر عن نوعية الحكومة.

وقد توارث الخلف عن السلف هذا الشعور المعادي للحكومة حتى ترسخ في العقل الباطن، وصار جزءً من مورثنا الاجتماعي. والذي ساعد على ترسيخ هذا العداء للسلطة واستمراريته، هو استمرار ظلم الحكومات للشعب حتى في عهود الحكومات الأهلية أو الوطنية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وسجَّل هذا الظلم صعوداً حاداً في عهد حكم التيار القومي- البعثي (1963-2003). لذلك صارت المعارضة، وأية معارضة، هي عمل وطني، حتى ولو كانت هذه المعارضة إرهابية تستخدم السلاح ضد الشعب، فعندئذٍ لا غرابة أن يسمى الإرهاب في العراق بـ"المقاومة الوطنية الشريفة"، له كتابه، ويتلقى الدعم من الإعلام العربي والعالمي وحتى من دول الجوار وغيرها.

والحقيقة إن المعارضة ضرورية في جميع العهود حتى في عهد الحكومات الديمقراطية الناضجة في الدول الديمقراطية العريقة، لأن الذين يديرون الحكومة هم بشر، يصيبون ويخطؤون، وحتى يفسدون، لذلك قيل في هذا الخصوص: "اعطني معارضة صالحة أعطيك حكومة صالحة"، إذ يجب أن تكون هناك، معارضة وطنية ديمقراطية صالحة، تراقب الحكومة وتحاسبها على كل صغيرة وكبيرة، تعمل كصمام أمان، تتمثل في أحزاب المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، والكتاب، والإعلام، ولجان المراقبة الشعبية..وغيرها.

ولكن مشكلتنا اليوم، في العراق وهو يمر بمرحلة التحولات العاصفة وأوضاع أمنية هشة وحكومة شراكة وطنية غير متجانسة بعد إسقاط حكم البعث المستبد الجائر، هناك خلط في الأوراق وتشويش في الأذهان، وبلبلة فكرية، حيث اختلط الحابل بالنابل كما يقولون، بحيث طرح البعثيون الإرهابيون أنفسهم كمعارضة أيضاً، ومع الأسف الشديد عمل البعض في المعارضة الوطنية وفق مبدأ (عدو عدوي صديقي) فراح يروِّج ما يصنعه البعثيون ذوو الخبرة الطويلة في صناعة الأكاذيب والإشاعات الباطلة ضد خصومهم السياسيين. وبذلك فقد ضاعت الحدود الفاصلة بين المعارضة الوطنية الصالحة، وقوى الإرهاب والكتاب الذين يروجون للإرهاب، كما واستطاعت قوى الإرهاب بدورها أن تمد أقدامها الأخطبوطية إلى داخل مؤسسات الدولة نفسها، وتحت مختلف الواجهات السياسية مثل المصالحة الوطنية، كشريكة في العملية السياسية، تعمل بمنتهى الدهاء والخبث لتفجيرها من الداخل والخارج وعلى جميع الجبهات، إضافة إلى احتلالها للعديد من المؤسسات الإعلامية ومنها المواقع الانترنتية وحتى الوطنية منها، في نفث سمومها.

لقد اجتاحت البلاد العربية في الأشهر الأخيرة تظاهرات وانتفاضات شعبية عارمة تطالب بتغيير حكوماتها وأنظمتها المتحجرة، فوصلت عدواها إلى العراق، رغم أن هذا التغيير قد حصل في العراق منذ ثماني سنوات، ولكن هناك مشاكل ما بعد التغيير مثل الفساد والبطالة ونقص الخدمات وغيرها .. فانطلقت تظاهرات جماهيرية تبنت مطالب شعبية مشروعة لحل تلك المشاكل، إلا إن قوى الإرهاب استغلت موجة التظاهرات هذه، فهي الأخرى راحت تتظاهر مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين "الأبرياء" ومعظمهم من الذين القي القبض عليهم وهم متلبسون بجرائم إرهابية.

وقد اختلفنا مع بعض الكتاب الذين تعاملوا مع الوضع العراقي بطريقة فجة، فيها الكثير من كيل الاتهامات الباطلة والإشاعات، الغرض منها تشويه السمعة وتصفية حسابات، ومعظمها صناعة بعثية بامتياز. تركزت هذه الحملة على شخصنة مشاكل العراق المتراكمة عبر قرون، ووضعها على كاهل شخص واحد وهو السيد نوري المالكي، لا لشيء إلا لأنه رئيس للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة. ومن هذه الإشاعات على سبيل المثال لا الحصر:
- المالكي يطلب استدعاء أفضل قارئة فنجان!
- بالوثائق: وزير يسرق بناية حكومية بموافقة المالكي رسمياً
- ضباط في الجيش الإيراني نواب في برلمان العراقي،
-ابن المالكي يشتري شبكة عالمية من الفنادق،
-ابن صولاغ يمتلك عمارة في دولة الإمارات بربع مليار دولار
- المالكي، المستبد بأمره،...الخ
والقائمة تطول، وقد ذكر الأستاذ حسن حاتم المذكور، البعض الآخر من هذه الإشاعات والاتهامات والعناوين في مقاله الموسوم: (المالكي: على لوحة الإشاعات)، الرابط في هامش المقال.

ولما نبهنا بعدم صدقية هذه الاتهامات، ورفضنا مجاراتهم عليها احتراماً لعقولنا وعقول القراء، إذ كما تفيد الحكمة: "حدِّث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له"، وصفونا بأننا من "كتاب الحكومة" ندافع عن "حكومة المحاصصة الطائفية التي نصبها الاحتلال الأمريكي"، وهم "كتاب المعارضة" يدافعون عن حقوق الشعب!! بل وذهب أحدهم إلى أبعد من ذلك، إذ نعتنا بأننا "كتاب المالكي"!! وربما سنسمع قريباً بـ"كتاب الهاشمي" و"كتاب فخري كريم"...الخ، من يدري!! ومن دون أن يشير إلى كتاب الإرهاب، ولعله ضمهم إلى كتاب المعارضة! هذه لغة بعثية فجة بامتياز، كنا نربأ بكتاب المعارضة، وخاصة المحسوبين على اليسار، عن استخدامها، فهي لغة لا تليق بمن يدعي اليسار، هدفه الدفاع عن التقدمية والعدالة الاجتماعية.

الملاحظ أيضاً أن مقالات هؤلاء الكتاب الذين يشتموننا باسم المعارضة، يقوم البعثيون بتوزيعها، وكيل الثناء لهم في تعليقاتهم، وشتم من يختلف معهم، وهذا ليس ثناءً للمعارضة ولا يشرفها بشيء.

والمشكلة أن "كتاب المعارضة" يفرضون على الحكومة مطالب أقل ما يقال عنها أنها تعجيزية، هدفهم إرباك الوضع. فهم يريدون مواصلة التظاهرات الاحتجاجية، ويطالبون الحكومة بحمايتها من الإرهابيين والفوضويين، وهذا حق مشروع، ولكن في نفس الوقت يتهجمون على الحكومة وأجهزتها الأمنية ويكيلون لها الاتهامات إذا ما قامت الأجهزة الأمنية باعتقال المخربين الذين يعتدون على الناس، ويضرمون النيران في ممتلكات الدولة، وفي هذه الحالة يلقون اللوم على الحكومة، وذكرنا أمثلة كثيرة على تلك الأعمال التخريبية في مقالات سابقة. وفي كل الأحوال يضعون اللوم على الحكومة، وفي هذه الحالة يطالبون الحكومة بالمهمة المستحيلة (mission impossible).

هناك خطر يهدد الوضع العراقي وهو عدم الفصل بين المعارضة والإرهاب. فهناك البعض من كتاب الإرهاب يحاولون بشتى الوسائل تقديم أنفسهم على أنهم علمانيون وليبراليون، فيحاولون استدراج كتاب المعارضة إلى مواقعهم وتبني مطالبهم، ودعم وترويج إشاعاتهم واتهاماتهم للحكومة وللمالكي بالذات. فهدف هؤلاء من حملتهم الإعلامية إفشال العملية السياسية لا إصلاحها، وإعادة الحكم إلى البعث وإن بأسماء مختلفة. وتمهيداً لتحقيق أغراضهم الشريرة هذه، يعملون على أبلسة أو شيطنة الحكومة والأجهزة الأمنية، وتضخيم السلبيات، واختلاق المزيد منها، وإنكار الإيجابيات، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين الذين معظمهم ألقي القبض عليهم وهم متلبسون بالجرم المشهود. فأي عراق يريد هؤلاء؟

نعم، هناك كتاب يحاولون الدفاع عن الإرهاب وحتى تبريره، وإلقائه على الحكومة وأجهزتها الأمنية. وهؤلاء على نوعين: الأول، كتاب ينشرون مقالاتهم على مواقع الانترنت وهم ملثمون وراء أسماء مستعارة، تماماً مثل الإرهابيين الميدانيين، والثاني، بأسمائهم الصريحة وفي لبوس الدفاع عن الشعب والوطن، بل وحتى الادعاء بالليبرالية والحرص على مصلحة الشعب العراقي. والبعض منهم من أصحاب خبرة طويلة من فرسان البلاغة، سخروا أقلامهم لخدمة الشيطان، وهؤلاء يتمتعون بقدرات عجيبة في التضليل، والتلاعب بالألفاظ ولي عنق الحقيقة، وإظهار الإرهابيين بأنهم ضحية ومناضلين شرفاء جداً، ولكن في نفس الوقت لم يشيروا إطلاقاً إلى من يحتضن وينظم الإرهابيين الجناة الحقيقيين. فهم يسرقون ضحايانا ويذرفون دموع التماسيح عليهم ويتظاهرون بالدفاع عنهم، ولكن دون تجريم القتلة، بل لإبعاد التهمة عنهم، وإلقائها على من وضعتهم الأقدار في موقع المسؤولية في عراق ما بعد البعث. وهم بذلك يصطادون عصفورين بحجر واحد. بينما لو نتأمل ما يجري في العراق نجد أن معظم القتلى بالعبوات اللاصقة وغيرها هم من طائفة معينة، وهوية القتلة أيضاً معروفة لدى الجميع.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، وبعد جريمة اغتيال أستاذين جامعيين هما: الدكتور محمد حسن العلوان (عميد الكلية الطبية في جامعة المستنصرية)، والدكتور زيد عبدالمنعم، الأخصائي بمعالجة الأمراض السرطانية، وأستاذ جامعي. وكانت الجامعة قد أقامت حفلاً تأبينياً دعت إليه وزير التعليم العالي. ونتيجة للظروف الأمنية المعروفة في بغداد، تأخر الوزير بعض الوقت عن الموعد، وبعد الحفل خرج، ولأسباب أمنية أيضاً، من الباب الخلفي للقاعة. ولكن اتخذ فرسان البيان هذا التأخير والخروج وغيره من الأمور المجهرية الصغيرة التي لا ترى إلا بالميكروسكوب، صنعوا من "الحبة قبة" واعتبروا الوزير مشاركاً في الجريمة، وصار عنواناً لمقال: (الهروب من البوابة الخلفية) كله تحريض وتأليب. إذ يقول الكاتب وهو يذرف دموع التماسيح: "ان الجناة كثيرون في حق العراق، ولكن المسؤولون عن إدارة العراق وأمنه هم جناة أيضا .. ان شراكة حقيقية بين من يرتكب الجرم ومن يتحمل مسؤولية عن عدم ارتكاب الجرم .. لقد فقدنا قبل ايام نخبة من العراقيين الأبرياء تحت طائلة القتل المنظّم وضمن لافتة الارهاب ومع سيرورة بقاء شريعة الغاب تدّمر حياتنا العراقية وتمزّق وحدة العراق الاجتماعية وتقطّع اوصال البلاد.. "

ولكن من هم الذين يمارسون شريعة الغاب في ممارسة الإرهاب والقتل المنظَّم ضد العراقيين؟ ولماذا لم يسمِّهم الكاتب بأسمائهم؟ أليسوا هم من فلول البعث وحلفائهم أتباع القاعدة؟ وهل تطرق الكاتب يوماً، المصاب بإسهال الكلام، والمعروف بكثرة كتاباته التحريضية والتسقيطية في عدة منابر، تحديد من هم القتلة؟ إنه يلقي التهمة على وزير التعليم العالي وغيره ويصف المسؤولين عن إدارة العراق وأمنه أنهم جناة أيضاً. لا شك أن الغرض من هذا الكلام واضح، ولا يحتاج إلى تأويل، إنه التحريض، والتأليب والتخوين، والتستر على المجرمين الحقيقيين.

كاتب آخر، في محاولة واضحة منه لخلط الأوراق وبلبلة الفكر والدفاع عن الإرهابيين وتلبيس الإرهاب على الحكومة والأجهزة الأمنية، يكتب مقالاً عن قانون أصدرته الحكومة في مواجهة الإرهاب، كتب قائلاً: "لا يوجد اتفاق دولي على تعريف فعل "الارهاب" لحد الآن، رغم محاولات الأمم المتحدة في تحديد مثل هذا التعريف. لذا لا يمكن فرض اي عقوبة عن فعل غير محدد وعدم وجود النص على تجريمه." يعني ضاع الأبتر بين البتران!!، ولسان حاله يقول ولماذا كل هذا الضجيج عن الإرهابيين في العراق!!. ولكن يأتي أخيراً بتعريف فيقول: "لقد حاول الأمين العام للامم المتحدة، السيد كوفي عنان، بتقديم مشروع تعريف للارهاب عام 2004، حيث جاء فيه "انه فعل يستهدف المدنيين العزل لغرض قتلهم او ايذائهم باصابات جسيمة بهدف ترويع السكان الآمنين وإجبار الحكومات أو المنظمات الدولية على القيام بعمل او الامتناع عنه"
إذن، ما المشكلة؟
المشكلة هي أنهم يحاولون إضفاء صفة الإرهاب على الحكومة "الطائفية" وأجهزتها الأمنية، فيضيف قائلاً: "لابد من الإشارة هنا الى أن أفعال عديدة منصوص عليها في هذا القانون، يرتكبها رموز النظام الحالي وأجهزته القمعية الطائفية وأدناه بعضها على سبيل المثال وليس الحصر.." ويطرح الكاتب قائمة من هذه الأفعال، وهي لا بد منها من أجل حماية المجتمع من المجرمين. وبيت القصيد هو اعتبار رجال الأمن هم إرهابيين، أما الإرهابيون الذين يبيدون العراقيين فهم ضحايا "إرهاب الحكومة"، ولذلك يجب أن يقاضوا الحكومة العراقية!!! يعني كما يقول المثل المصري: "رماني وبكى، سبقني واشتكى". يا ترى هل هؤلاء هم كتاب المعارضة الديمقراطية أم كتاب الإرهاب ومحامو الشيطان؟

عود على بدء: أود أن أؤكد للذين ينعتوننا بأننا من كتاب الحكومة أو كتاب المالكي، أو كتاب الاحتلال، أو أية جهة أخرى، نحن أناس أحرار، نكتب ما تمليه علينا ضمائرنا ووعينا، وفق فهمنا للأزمة العراقية، وكيفية التعامل معها في الظروف العاصفة الراهنة، نحن نختلف عنكم كوننا لا نفكر من داخل الصندوق الأيديولوجي، وإننا لا نقل حرصاً على مصلحة الشعب العراقي من أي عراقي مخلص آخر يعمل حقاً لمصلحة الشعب وبدوافع وطنية وليس بدوافع أيديولوجية أكل الدهر عليها وشرب، ونرفض المزايدات على وطنيتنا. ولكننا وكما أكدنا عشرات المرات، نعتقد أن الوضع العراقي هش حيث تكالب عليه الأعداء من كل حدب وصوب، والمشاكل المتراكمة عبر قرون لا يمكن إلقاءها على كاهل شخص واحد لا لشيء إلا لأنه في موقع المسؤولية، إذ لا يمكن لهذا الشخص أن يكون ذا قدرات سحرية جبارة خاصة وأن معظم وزرائه مفروضون عليه فرضاً من قبل القوى المشاركة في الحكومة وفق مبدأ المشاركة الوطنية، وعدم إقصاء ممثلي أية مكونة من مكونات شعبنا.

لذلك نرى أن المشاكل التي يواجهها الشعب العراقي ومن في الحكومة، هي ليست سياسية فحسب، بل واجتماعية واقتصادية وثقافية معقدة، تحتاج إلى تشخيصها ومعالجتها حسب ظروفها الراهنة، فالأمور مقرونة بأوقاتها، إذ هناك مبدأ طبي ينطبق على السياسة أيضاً يفيد:
Every case should be treated on its merits، أي يجب معالجة كل حالة على حدةٍ وحسب استحقاقها، إذ ليس هناك حالتان متشابهتان مائة بالمائة. فالخراب البشري منتشر في كل مفاصل المجتمع، وتأكيداً لذلك أضع أدناه رابطاً لمقال قيم للإعلامي المعروف الأستاذ سالم المشكور، عن تجربة شخصية تعرض لها قريباً، تؤكد حجم هذا الخراب الذي لا يمكن إصلاحه بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى وقت وتضافر جهود الجميع، لا عن طريق كيل الشتائم والاتهامات الباطلة وبث الإشاعات البعثية.

سألني أحد "كتاب المعارضة" في مقال له، وهو في ذروة انفعاله وتوتره في رده عليّ بوصفي من "كتاب الحكومة!" فقال: هل يمكن أن يخطئ كل هؤلاء ويكون رئيس الوزراء وعبدالخالق حسين على حق؟ وكان قد استشهد بموقف وبعض أقوال السيد فخري كريم الذي اعتبره الكاتب مصدراً لقول الحق، يذكرني برجل سأل الإمام علي ذات يوم: "أيمكن أن يجتمع الزبير وطلحة وعائشة على باطل؟" فأجابه الإمام: "إنك ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يُعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله."
ليس لي أي صراع أو مناكفة مع السيد فخري كريم الذي اتخذ الكاتب من أقواله فصل الخطاب، ولكن يكفي هنا أن أشير إلى ما قال عنه السكرتير السابق للحزب الشيوعي العراقي، السيد بهاء الدين نوري في مقال له نشر في (الحوار المتمدن) فقال: "ولم أحاول إقامة أي صلة مع فخري كريم، الذي كان من أبرز الشيوعيين العراقيين هناك – أي دمشق- وكان متنفذا وعلى علاقات جيدة مع نظام البعث ومع جهاز المخابرات بوجه خاص". (بهاء الدين نوري، ماذا رأيت في سوريا؟ -2 )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=253856

في الحقيقة كل مثقف هو معارض لأن وظيفة المثقف هي نقد الأوضاع، وبالأخص نقد السلطة، فبدون نقد لا يمكن الإصلاح والتقدم كما هو معروف. ولكننا نختلف عمن يسمون أنفسهم بـ"كتاب المعارضة" لأننا نترفع عن الابتذال والإسفاف، وكيل الاتهامات الباطلة، وتصديق وترويج الإشاعات التي أغلبها تخرج من معامل البعثيين، كما ونرفض أن يستدرجنا البعثيون إلى مواقعهم وخدمة أغراضهم.
كذلك نريد التوكيد هنا أن البعث ليس جثة هامدة كما يحلو للبعض أن يردد بلا انقطاع، ويطالبوننا بعدم منح البعثيين شرفاً لا يستحقونه إذا ما حذرنا شعبنا من مخاطرهم وألاعيبهم. فالبعث أيها السادة مازال يعمل بكل نشاط، بل وله وجود ملحوظ في أعلى مراتب الدولة. لذلك نعمل وفق المثل الشعبي العراقي: "تحزَّم للواوي بحزام السبع!!"، كي لا تتكرر مأساة 8 شباط 1963 مرة أخرى.

خلاصة القول، إن ما يحتاج إله العراق هو الأمن والاستقرار وتضافر جهود أبنائه المخلصين لكي يتمكن المسؤولون من الإعمار وإعادة بنائه، إذ لا يمكن بناء دولة ديمقراطية مستقرة مزدهرة عن طريق الكذب والافتراء والتلفيق وصناعة الإشاعات الكاذبة وترويجها. إن أساليب البعثيين لا بد أن تنكشف يوماً وهي مكشوفة من الآن لدى ذوي البصر والبصيرة، وسيندم عليها من صدقها من الناس البسطاء، وسينقلبون على من كذب عليهم وخدعهم. الناس بحاجة إلى الصراحة والإرشاد والتنوير والتوجيه الصحيح، لا استغفالهم والمتاجرة بمعاناتهم من أجل تحقيق مكاسب سياسية فئوية وشخصية، فحبل الكذب قصير، إذ كما قيل: "يمكنك أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، ولكن لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت".

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com