يقلم: مرثا فرنسيس
تُعبر جملة"جلسة عرفية او جلسة صلح" عن محاولات ودية لتهدئة نزاع او خلاف وانهاء حالة الغليان والرغبة في الانتقام التي تنتاب كلا الطرفين المتنازعين او المختلفين على سبب ما قد يكون غير مستحق للنزاع ، ولكن يشتعل الموقف بتدخل البعض او خروج كلمات مهينة وجارحة من احد الأطراف او ممن ينتمون له ضد الطرف الآخر؛ فتحتقن النفوس وتمرض القلوب وتغيب العقول؛ فيصبح القط جملا والحبة قبة وقد ينتهي الأمر بقتل او اصابة احد الأطراف المتنازعين او أحد ذويه وهو بكل تأكيد امر لايتمنى اي انسان حدوثه وقد تصلح هذه الجلسات العرفية او جلسات الصلح لانهاء حالة الشد والنزاع بين افراد الاسرة الواحدة او بين الجار وجاره او بين احد العاملين وصاحب العمل. ولكن مايلفت النظر ان تحل هذه الجلسات كبديل للمحكمة! ويتبوأ كبير الجلسة مقعد القاضي والأخطر أن يستبدل القانون بأحكام جاهلة مثل النفي والتهجير والتجريس وقد يصل الأمر إلى هنك العرض. وهذا احلال وتبديل غير مقبول في كل الحالات ، فاذا اعتدى طفل او صبي او شاب على صديقه او جاره بالضرب او بأي نوع من التعدي ونشأ عن ذلك تشاجر عائلتين فمن المفضل تدخل آخرين بعقد جلسة صلح حتى تهدأ النفوس ويعم السلام، ولكن هل من المقبول أو المعقول ان تعقد جلسة صلح بين بلطجي وبين مواطن عادي بسيط في كل الأحوال ؟ هل من المقبول ان يصدر مواطن الحكم على مواطن آخر؟ بل ويقوم بتنفيذ العقوبة فيكون القاضي هو الجلاد وكأن هذه الواقعة تحدث في الغابة! هذا بكل يقين غير مقبول على الاطلاق. اين سلطة القانون عندما يجرم ويعاقب انسان انسانا آخر مثله ينتمي لنفس الوطن والنظام والقانون.
وقد طالعتنا الصحف والاخبار بمثل هذه التعديات غير المقبولة شكلا وموضوعا دون أن تهتز لها اي سلطة معنية بتحقيق العدالة وضمان حقوق المواطنين، سواء كان الشخص الموقع عليه هذه العقوبات مذنبا او غير مذنب! فهل اُعطي حق الدفاع عن نفسه أم لا؟ من المسئول عن تجريم سلوكيات المواطن؟ بدلا من اجراء التحقيق المطلوب لمعرفة دوافع واسباب هذه الجرائم الشنعاء تجرى جلسات صلح وفيها أطراف رسمية لتوطيد هذه الجلسات العرفية وخلق دولة داخل الدولة. وفي أغلب هذه الجلسات يتم الضغط على الجانب الأضعف ومحاولة اقناعه بالترغيب أو الترهيب بأن الصلح خير!
هل تُجدي جلسة عرفية بين مواطن تم توقيع عقوبة عليه من أشخاص آخرين-مهما كانت انتماءاتهم السياسية او الدينية- ومهما كان حجم الجرم من حرق منزله وسيارته وقطع اذنه واحداث جرح قطعي في رقبته؟ مع الأخذ في الاعتبار انه قد يكون مذنبا او برئ .ولكن من له سلطة محاكمته واثبات الحقيقة وتنفيذ العقوبة التي لم ينص عليها قانون أو شرع؟
هل نتوقع ان يوافق المجني عليه على الصلح بهذه السهولة؟ هل المطلوب منه ان يسامح ويغفر ويتنازل عن حقوقه الانسانية ضغطا واجبارا؟ حسنا ، ولكن اين حق القانون؟ واين هيبة القانون بالنسبة لبقية المواطنين؟ اين هيبة القانون من أولئك الذين يقررون وينفذون هدم اضرحة أولياء الله الصالحين لدى اعتقاد طائفة من الناس، لأن الهادمين يعتقدون أن ذلك وثنية. ،اين القانون من التهديدات العلنية التي يطلقها البعض من خلفية مراكزهم الدينية، اين القانون من الذين استباحوا لأنفسهم طرد مواطنين آمنين من مساكنهم مهما كانت الاسباب؟ هناك العديد من الممارسات المشابهة يقوم بها بعض المتعدين الذين اعطوا لأنفسهم حق محاكمة الغير تحت أي مسمى. أحد هولاء الخارجين على القانون قام بقتل مزارعا شابا بأن هشم رأسه بالفأس لأنه لا يصلي ويسب الدين! اين سيادة القانون على الكبير والصغير، على الوزير وعلى الغفير وهذا من اهم مطالب ثورة 25 يناير ليتحقق الأمان لكل مواطن يعلم علم اليقين ان هناك قانون يضمن له حقوقه ويطالبه بواجباته؟ نريد سيادة القانون على من يتخطى اشارات المرور وايضا على كل من يعامل المواطن بعدم احترام من مرجعية منصبه الحكومي او موقعه العسكري، نريد ان يُحترم القانون وليُترك التنازل والتسامح لرغبة الانسان الشخصية وليس نتيجة التهديد والوعيد والضغط عليه للتنازل عن حقوقه كمواطن،نريدالتفرقة بين الخلافات العادية التي قد تصلح معها جلسات الصلح وبين الجرائم التي يتسبب عنها قتل او عاهات مستديمة أو هدم مبان لها قدسيتها كالكنائس والأضرحة، وتستلزم تدخل القانون لضمان أمان المواطن، وتستلزم أيضا معاقبة كل من اقام نفسه قاضيا وجلادا للآخرين. اليوم وقد اصبحت الثورة في شهرها الثالث مازالت التعديات من البلطجية ومن السلفيين ومن اعداء الثورة ومن فلول النظام السابق ومن المستفيدين من عدم عودة الحياة والأمان لمصر من جديد.
القانون هو القانون ولا يمكن ان تحل محله الجلسات العرفية او جلسات التصالح لأنها بكل بساطة لن تحقق العدالة، لأنها كالمسكنات التي تتعامل مع الأعراض الخارجية للمرض بينما يستفحل المرض ويتوغل ويصبح من المستحيل علاجه.
محبتي للجميع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com