بقلم: صبحي فؤاد
أكثر ما يخشاه الحاكم الديكتاتور أو الضعيف، هو وحدة أبناء شعبه، واتحادهم معًا، وتماسكهم، لأنهم في هذه الحالة، يمكنهم بسهولة إجباره على ترك السلطة، إذا سرق أو نهب أو ظلم، أو فشل في آداء مهام وظيفته على أكمل وجه.
ولذلك وجدنا حاكم مثل الرئيس الديكتاتور السابق "حسني مبارك"، يكرس سنوات حكمه الذي امتد لأكثر من 30 عامًا، ليس لأجل البناء والتعمير، وخلق الوظائف للشباب، وتقدم مصر ورفاهية ورخاء شعبها، وإنما لتدبير المؤامرات والألاعيب القذرة، لتمزيق وحدة الشعب المصري.. ولم يتورع وزير داخليته "حبيب العادلي" -المسجون حاليًا على ذمة التحقيق معه حاليًا في عشرات القضايا - في عمل كل ما يخطر أو لا يخطر على بال أحد، من أجل إشعال الحرائق الطائفية، وتحريض المسلم على المسيحي، والعكس، لكي ينشغل الشعب في الصراعات وحروب طائفية بغيضة، ويبتعدون عنه تمامًا.. وقد تردد أنه كان وراء مذبحة كنيسة القديسين، التي راح ضحيتها عشرات الأقباط في أول ساعة من العام الجديد 2011، بناء على أوامر من جهات سيادية عليا.
لقد كان أعظم إنجاز، وأكبر عمل نجح فيه الديكتاتور السابق طيلة الثلاثين عامًا الماضية، هو بكل تأكيد تمزيق وحدة أبناء الشعب المصري، لدرجة أن المصريون أصبحوا يقدمون هويتهم الدينية على الوطنية بفخر شديد، وبدلاً من أن تجد الواحد منهم يقول لك أنا مصري وبس، أصبحنا نجده يقول بنبرة عنصرية طائفية، أنا مسلم أو قبطي أو سني أو شيعي أو بهائي أو إلخ..
والمضحك في أمر لعب النظام السابق بالدين والإسلام والمشاعر الدينية، أن نجد "علاء مبارك" ابن الرئيس السابق، المعروف بعدم نظافة يده، وفرضه الإتاوات والعمولات، على أصحاب الأعمال، يؤسس جمعية دينية باسم ابنه المتوفي، لتوزيع ملايين الجنيهات المسروقة من الشعب المسكين، على أطفال مصر الذين يقومون بحفظ القرآن، حتى يظهر أمام المسلمين بالحرص على الإسلام والتقوى والورع، وهو أبعد ما يكون عن هذه الصفات!!
على أي حال لقد رحل "مبارك" وأسرته ووزير داخليته غير المحبوب أو العادل، وكنا نأمل أن يكون نظام مبارك بالكامل وفكره وفلسفته في الحكم في خبر كان، ولكن للأسف الشديد، رغم مرور بعض الوقت على ثورة شباب مصر في 25 يناير، إلا أن الواقع المؤلم في مصر يقول أن فكر مبارك وفلسفتة في الحكم لا يزالان موجودان، بدليل محاولات من بيدهم حاليًا إدارة البلد، إرضاء الأخوان المسلمين، والاستجابة لجميع طلباتهم، ورغباتهم، والسماح لهم بسرقة ثورة شباب مصر العظيم، ونسبها إلى أنفسهم، رغم أنهم كانوا رافضين ومعارضين بشدة خروج مسيرة الشباب، التي انتهت برحيل مبارك.
والدليل الآخر على استمرار نفس الأسلوب وفكر مبارك، في إلهاء الشعب بالطائفية، هو حرق وتدمير وهدم بعض كنائس الأقباط، والاعتداء على بعضهم، وإجبارهم على الهجرة من إحدى القرى، على مشهد من رجال القوات المسلحة، وكذلك تدمير قوات الجيش المصري لعدد من أسوار الأديرة القبطية، والاعتداء على بعض الرهبان بالرصاص الحي عند اعتراضهم على هذا الأمر.. كل هذا في فترة زمنية لم تتجاوز ثلاثة أسابيع.
لقد ثار شباب مصر من كافة الأديان وطبقات وفئات المجتمع.. امتزجت أصواتهم معًا وهم يطالبون برحيل الديكتاتور.. وامتزجت دماؤهم وأرواحهم، وهم يواجهون الرصاص الحي والقنابل الحارقة.. كانت وحدتهم وترابطهم وتماسكهم معًا، هو سر نجاحهم وقوتهم ووصولهم لتحقيق أهدافهم، والسبب في رحيل الطاغية عن كرسي الحكم.. ولكن أذناب النظام لا تزال موجودة.. لا تزال تسعى في الخفاء بقوة وإصرار للفرقة والفتنة.. لا تزال تحرق الكنائس، وتعمل على إشعال الحرائق الطائفية من جديد، بين الأقباط والمسلمين..
أخيرًا أخشى أن أقول أنه بدون القضاء على الفكر الطائفي العنصري المتخلف، الذي ساد مصر منذ أيام السادات، وحتى الآن، وتبني فكر علماني جديد نظيف، يبعد الدين عن السياسة، ولا يميز مصري أو آخر، أو يحرض على أصحاب الأديان الأخرى، فمن المستحيل أن تتقدم مصرنا الغالية خطوة إلى الأمام، بل على العكس لا يستبعد أن تلحق قريبًا جدًا بالصومال وباكستان والسودان وأفغانستان، رغم التضحيات الهائلة التي قدمها شبابها في ميدان التحرير، والتي تجاوزت الـ 400 شابًا وشابة، وأكثر من مائة أصيبوا بالعمى بسبب الاعتداء عليهم، وتعرضهم للغازات السامة، والقنابل الحارقة، من قبل رجال الأمن وبلطجية النظام السابق.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com