بقلم: زهير دعيم
إنّ الشهادة الصّادقة في حقّ الغير جميلة وواجبة، هذه الشهادة وهذا الاعتراف الذي ينمّ عن الاعتراف بالجميل وقولة الحقّ ودفعه لديمومة العطاء والسير في مسارات البذل.
ولكن هناك شهادة وهناك شهادة !!!
فالشهادة التي تأتيك من رجل بسيط وعاديّ ، تبقى عادية ، بسيطة رغم جمالها ، أمّا التي تأتي من قائد دبّ الرُّعب في قلوب الملوك والرؤساء ، وتربّع وهيمن وسيطر على قسط كبير من الكون فالامر يختلف.
.... قائد يشار اليه بالبنان ، خاف البشر سطوته وجبروته ، فحلّق وحلّق ووصل القمّة واستراح هناك فترة .
مثل هذا القائد تأتي شهادته مغايرة ، دامغة ، قوية ونافذة.
تأتي بعد أن هوى من علٍ ، وبعد ان اقتنع كما قال سليمان في أمثاله : " أن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر لأن فوق العالي عالياً يلاحظ والأعلى فوقهما".
إنّه نابليون العظيم ؛ نابليون الذي زرع الرُّعب في القلوب والرهبة في النفوس .
إنّه يعترف ويدلي بشهادة تقطر صِدقًا وحقًّا ، يدلي بها في جزيرة سانت هيلانة النائية والقريبة من السماء.
عجيب...ما الذي يدعو قائدًا مثل نابليون غزا العالم وسيطر على معظم بلدانه ، وهزم الملوك وهزّ العروش ، ما الذي يدعوه الى ان يعترف بمن نادى بالمحبّة ونبَذَ العنف ؟!!
يعترف به غداة هزيمته في وترلو وطرده الى هذه الجزيرة منفيًّا؟
ما الذي يدعوه الى هذا الاعتراف الرائع ، الصّادق والنّابض بالحقّ ...يعترف ويكتب اعترافه لصديقه الناكر للاهوت المسيح الجنرال برتراند: " كل ما يتصل بالمسيح يدهشنى.. روحه ترهبنى.. إرادته تذهلنى.. هو كائن بذاته.. متفرّد نادر وحيد ليس له مثيل.. فكر المسيح.. الحقّ الذى ينادى به.. قدرته على الاقناع.. كل ذلك لا يمكن أن يصدر من بشر عادى مثلنا، ولا من طبيعة مخلوقة كطبيعتنا.
الاسكندر الأكبر.. قيصر العظيم.. شرلمان القوى وأنا.. أقمنا الامبراطوريات اقمناها بقدرة وعبقرية وأسسناها على القوة والبطش والسلاح.. أما المسيح فقد أقام امبراطوريته وأسسها على الحب.. وحتى الآن وبعد هذه السنوات الطوال ما يزال الرجال مستعدون للموت لأجله".
وأقف عند هذه الكلمات : كائن بذاته ، مُتفرّد ، نادر ، أقام امبراطورية وأسّسها على الحبّ ، وحيد ليس له مثيل ...انظر الى هذه الكلمات فأراها تمشي ، تتنفّس وتسير ..
أراها والمسها الحقّ الأزليّ الذي حكاه الله وهمسه وخطّه ولوّنه قبل بدء العالم.
إنها ملحمة الحبّ الالهيّ .
انها سيمفونية السماء الشجيّة .
إنها التنازل العظيم للإله العظيم الذي أحبّ جبلته حتى المنتهى .
لست أدري لماذا يحضر ويخطر ببالي اللص الذي سرق الفردوس في لحظاته الأخيرة كلما قرأت هذا الاعتراف ؟.ولماذا تخطر ببالي جزيرة بطمس كلما مرّت ببالي جزيرة سانت هيلانة ؟
نابليون : كنت كبيرًا في الحرب ...ولكنك باعترافك هذا أضحيت أكبر بما لا يقاس..انك وضعت اصبعك على الحقّ الأوحد فاستنرت فطوباك.
نابليون ؛ كنت الرّابح العظيم بعد معركة وترلو...فاهنأ....فنحن في أثركَ
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com