بقلم: حنا حنا
حضرة صاحب الفضيله,
تحية وإجلالا وبعد
موضوع هذه الرساله هو الماده الثانيه من الدستور القائم. فقد قررتم سيادتكم أن المساس بهذه الماده يثير فتنه, كما أنها من ثوابت الاسلام, فهى خط أحمر لا يجوز المساس به.
سيدى: إننا نبحث هذا الامر بأسلوب علمى بحت وليس لنا هدف إلا صالح مصر أولا وأخيرا خاصة بعد الحقبة المظلمه التى اجتازتها مصر خلال ثلاثين عاما ونيف.
أولا يا سيدى, إذا كنت تقر أن المسيحيين هم شركاء فى الوطن فسيكون هذا البحث مجديا, أما إذا كنت ترى أنهم ليسوا شركاء فى الوطن فهذا موضوع آخر وإن كنت أنزه سيادتكم عن هذا الفكر العقيم القديم الذى يعود بمصر القهقرى فى وقت نسعى فيه إلى أن ننتشلها من الوهده التى تردت إليها.
كما أنى اضع فى الاعتبار أنى لا أخاطب رجل دين فحسب بل رجلا على درجة رفيعه من الثقافه والخلق.
لو نظرنا إلى المواد الدستوريه بصورتها الحاليه نجد أن بها تناقضات عجيبه لا يمكن أن تصدر من دوله تحترم نفسها أو تحترم المواثيق الدوليه التى التزمت بها.
فمثلا: نجد أن الماده 40 من الدستور تنص على الاتى: "المواطنون لدى القانون سواء, وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامه, لا تمييز فى ذلك بسبب الجنس أو الاصل أو اللغه أو الدين أو العقيده". هذه الماده لا يمكن تغييرها لانها من جوهر الدوله الحديثه ولب الالتزامات الدوليه وأهمها حقوق الانسان.
وورود الماده الثانيه التى تنص على أن دين الدوله الاسلام, فإن الدوله شخصيه اعتباريه كما لا يخفى على سيادتكم والشخصيه الاعتباريه لا تدين بأى دين لانها لا تصلى ولا تصوم. فعبارة دين الدوله عباره غير منطقيه. ويمكن أن يحل بدلا منها عبارة "الدين الاسلامى هو ديانة أغلبية المواطنين". وحتى إذا ذكرنا تلك العباره فى الدستور فهى تحصيل حاصل وليس إلا إقرارا لواقع, ومن ثم فهى ليست دستورا بالمفهوم القانونى يحدد معالم الحقوق والواجبات فمن ثم لا يمكن أن تكون مبدأ دستوريا تسن على هداه القوانين.
كذلك تنص الفقره الثانيه من نفس الماده على أن الشريعه الاسلاميه هى المصدر الرئيسى للتشريع. وهذا النص ييرز تعارضا صارخا مع الماده 40 سالفة الذكر. فكيف يمكن أن ينص الدستور على المساواه وفى نفس الوقت يطبق قانونا على شريحه من المواطنين لا يدينون بالدين الاسلامى؟
ألا ترى سيادتكم أن فى ذلك تضاربا فى الدستور يترتب عليه بالضروره تضاربا فى القوانين؟ إننا يا سيدى نبدأ حقبة جديده فلا بد أن يكون تفكيرنا جديدا فى كل شئ, أى يكون تفكيرا حديثا يواكب روح العصر والحقوق التى نصت عليها القوانين والمواثيق الدوليه.
إن الماده الثانيه لها تاريخ يا سيدى. ففى دستور سنة 1923 أصر المسيحيون – من باب المجامله للاغلبيه المسلمه – على إضافة "دين الدوله الاسلام" وقد اعترض الاعضاء المسلمون على هذا النص لان الظروف السياسيه والاجتماعيه قد تتغير, ولكن أصر المسيحيون على وضعها احتراما للاغلبيه.. ورغم وجود هذه الماده إلا أن الحياه السياسيه كانت مزدهره لا فرق بين مسيحى ومسلم. إلى أن جاء الرئيس السادات فعدل الدستور سنة 1971 ليضيف إلى الماده الثانيه ".... والشريعه الاسلاميه مصدر من مصادر التشريع" ولم يكن ذلك إلا أرضاء للمتطرفين الذين كان زميلا لهم. وفى عام 1980 تعدلت مرة أخرى لتقرأ .... "والشريعه الاسلاميه المصدر الرئيسى للتشريع". وقد قيل آنئذ أن هذه الماده تخاطب المشرع وليس لها أى تأثير على الاقباط. وقد كان سبب هذا التعديل هو ارضاء المتطرفين على حساب كل القيم وأمن المواطنين الاقباط أرضاء للمتطرفين وكشفا عن تعصبه المقيت. وطبعا سيادتكم أكثر درايه فى كيفية تطبيقها إذ أنها جعلت من المسيحيين فريسه لكل من تعطش ألى الدم بل وامتد أثرها للأسف الشديد إلى القضاء وأصبحت تطبق تلقائيا دون أى تشريع يساندها وبدأت فوضى الفساد أو فساد الفوضى فى الانتشار, وبدأت العداله فى الانهيار.
إن الماده الثانيه بلا شك سوف ترتب تضاربا فى مختلف الاتجاهات. فكيف تلزم مسيحى أن يطبق عليه قطع يد السارق أو رجم الزانيه؟ بينما هناك قانون وضعى يعاقب السارق بعقوبة الحبس طبقا لقيمة الشئ المسروق؟ كيف يمكن أن تطبق على الزانيه حد الرجم بينما المسيح قد غفر لها؟ كما أن القانون الوضعى قد قرر لها عقوبة الحبس فقط؟ هل تريد أن يبرأ قاتل المسيحي وبذلك تشجع على نشر الجريمه؟ هذه يا سيدى أمثله بسيطه جدا على سبيل المثال لا الحصر, يترتب عليها تضاربا فى الاحكام والمعامله بين قطبى الوطن.
لا شك يا سيدى أنه يترتب على تطبيق الشريعه تضاربا يجعلنا نعود القهقرى ويجعل الثوره لغوا لا فائدة منها. إن العهد الماضى كان يتضمن تضاربا فى القوانين والاحكام والمعامله بل والحقوق وأيضا الوجبات. قامت ثوره الشباب البيضاء احتجاجا على كل هذه الامور المتضاربه, ولا يجوز أن ننسى يا سيدى أن هذه الماده أفسحت مجالا كبيرا للفساد. إن الاغلبيه التى تشعر أنها مميزه على الاقليه لا شك أن تصرفاتها ستعوزها العداله والمساواه . وهذا ما حدث فى الحقبه السالفه مما ترتب عليه تجاوزات تتعارض مع أبسط مبادئ الانسانيه. فمثلا –وعلى سبيل المثال لا الحصر- مأساة النواهض وجدنا أن الشباب الذين يريدون إقامة مبنى عباده يضربون بالذخيره الحيه ويعذبون بشتى أنواع العذابات. لماذا؟ لانهم يريدون الصلاه.
سيدى مثل هذه التجاوزات لم تحدث فقط للمسيحيين بل حدثت للمسلمين أيضا.
سيدى, إن ثورة الشباب التى قامت فى الخامس والعشرين من يناير قامت من أجل الوحده, ومن أجل إزالة كل الفوارق التى كانت قائمه, ومن أجل أزالة الفساد. والفساد لا يتأتى إلى إذا كانت هناك شريحة من الشعب له مميزات أو يحرم من مميزات لا تتمتع بها الشريحه الاخرى.
لقد كانت الماده الثانيه تكئه لقتل الابرياء, لا شك أنك تدرك ما حدث فى الكشح. إن واحد وعشرين بريئا قتلوا بوساطة اخوتهم فى الوطن وبرئوا جميعا. معنى ذلك أن العداله قد وئدت ودفنت حيه. وقد كان المبرر فى تلك الجريمه الشنعاء هو الماده الثانيه التى أعطت للمواطن والسلطه الاحساس بالتعالى والحق فى فرض القوه سواء كانت الماديه او القانونيه. معنى ذلك أنه مع بقاء الماده الثانيه فإن هذه الثوره ستدفن حيه. وهذا ما لا ترضاه ولا يرضاه الشعب.
سيدى, أنت وأنا كلانا متساويان أمام القانون. لذلك لا يجوز أن يوجد أى نص يجعل بينى وبينك أية فوارق. والماده الثانيه تخلق هذه الفوارق.
سيدى, لا شك أنك من عظماء الفقه والشريعه. لا شك أيضا أنك تذكر قول رسول الاسلام أن "الناس سواسية كاسنان المشط". كيف إذن تريد أن تخلق بينهم روحا من التفرقه والعنصريه؟
لا شك ياسيدى أن لك من الثقافه والعلم والمعرفه التى تعرف ان روح التعاون والتضافر والاخاء هى العوامل التى تعمل على نمو العلاقات الانسانيه والاقتصاديه بين الافراد. هذه الروح إذا دخلتها النوازع الدينيه لا شك أنها ستنهار ومع هذا الانهيار سوف تنهار الحياه الاقتصاديه نفسها. وهذا هو فعلا ما حدث, لذلك يتعين أن نتلقى من الماضى درسا ونتعظ من الاخطاء.
قص على صديق أنه أثناء الثوره البيضاء العظيمه, التقى شيخ متطرف بمسيحى فقال له, إنى أبلغ من العمر خمسه وأربعين عاما ولم أصافح مسيحيا فى حياتى ولكنى أقر لك يا أخى أن هذا خطأ بيّن, وفتح الشيخ المتطرف احضانه لاخيه المسيحى وقال له "إننا أبناء وطن واحد". هذه الروح الطيبه يا سيدى يتعين أن ننميها لا نقتلها. هذه الروح الطيبه لا تصب فى مصلحة أشخاص فحسب, بل تصب فى مصلحة وطن ...... وطنك ووطنى.
أننى لا اشك للحظة واحده أنك لا ترضى بتطبيق الحدود التى تنص عليها الشريعه الاسلاميه. هذه حدود مضى عليها ما يقرب من خمسة عشر قرنا. الدنيا تتطور والعالم يتطور والمبادئ الانسانيه تتطور وحقوق الانسان تتطور ولم يعد مقبولا فى ظل الحريات أن تقتل من يغير دينه أو من يئد فتاه طفله كما كان يفعل العرب فى الماضى السحيق. لذلك يتعين أن نواكب روح العصر ونحتفظ بالدين فى قلوبنا وعقولنا ليتربع الخالق على قلوب صافيه تنقيها روح المحبه والسلام.
سيدى ... يوجد الملايين من المسلمين فى الدول الاوروبيه واستراليا والدول الامريكيه, وهى تباشر حقوقها المدنيه والدينيه بكل حريه دون أى تفرقه, ذلك أن تلك الدول تدرك تماما أن حرية الانسان فى عقيدته لا بد وأن تقدس ولا تحترم فحسب. من باب أولى أن المسيحيين فى وطنهم يتعين أن يمارسوا حقوقهم المدنيه والدينيه بحرية تامه ومساواة تامه مع إخوتهم المسلمين. لا شك أن أى مثقف يؤيد هذا المبدأ. ولا شك أيضا ومن باب أولى أنك تتبنى هذا المبدأ. ومن هنا لا ولن يوجد مجال لتطبيق الماده الثانيه.
إن العهد البائد ياسيدى يتسم بفساد استشرى فى جميع مناحى الحياه, ذلك أنه كان يتبع سياسة فرق تسد. وقد كان الدين هو الوسيله والآليه التى اتبعت لتنفيذ تلك السياسه, وها قد انقلب السحر على الساحر. فهل نعود القهقرى؟ إن الحكيم يا سيدى هو من يتعظ بدروس الماضى. إننى لا أشك للحظة واحده أنه يهمك بالدرجة الاولى مصلحة هذا الوطن لانك عضو فيه وعضو فعال بل وعضو مسئول تتربع على قمة المسئوليه.
سيدى ... لقد أعلنت أن الماده الثانيه يثير المساس بها فتنه. وأود أن أقول لكم حقيقه لا يمكن أن تغيب عنكم, وهى أن الفتن يزرعها الاشخاص وليست الكلمات. فالكلمات مجالها مقارعة الحجه بالحجه والرأى بالرأى. ولا أخال أنك ممن يفضلون الفتن على الحجج المنطقيه والآراء العقلانيه.
إنك تقول يا سيدى إن الماده الثانيه من ثوابت الاسلام. ورغم أنه لا يعلو رأى على رأيك فى الثوابت الاسلاميه إلا أن الله جل وعلا قد وهبنا عقولا نزن بها الكلمات والمبادئ حتى ولو تعلقت بالدين. ذلك أن ثوابت الاسلام قد أسسها ووضعها نبى الاسلام صلى الله عليه وسلم. وقد فتحت مصر بعد أن انتقل نبى الاسلام إلى باريه بعشرات السنين. فكيف يمكن أن نتصور أن نبى الاسلام قد وضع الماده الثانيه فى الدستور المصرى رغم أنها لا تطبق؟
وفيما يتعلق بتطبيق هذه الماده فيتعين أن نواجه الحقيقه وهى أن هذه الماده لا تطبق وإلا لطبقت الحدود وتم قتل المرتد بحكم قضائى ورجمت الزانيه بحكم قضائى وهلم جرّا. الامر إذن ليس مناطه الشريعه وتطبيقها بل مناطه فرض إرادة الاغلبيه على الاقليه. وهذا المنطق يا سيدى اكل عليه الدهر وشرب. وأصبحت القوانين تسن لتطبق ولا تستعمل ديكور يوحى بالتحكم والسيطره. إن السيطره فى عصر حقوق الانسان هى سيطرة القوانين وليست سيطرة الاغلبيه على أقليه تفرض عليها نصوصا من باب التحكم ليس إلا وليس أدل على ذلك من أن الدول المسيحيه الاجنبيه لا تفرض نصوصا دينيه على الاقليه المسلمه رغم أنها أقليه وافده وليست مواطنه أصيله.
سيدى ... إن مصر كانت فى عصرها الذهبى حين كان المسلم يذهب إلى الجامع بحرية تامه ويذهب المسيحى إلى الكنيسه بحرية تامه. إن الحريات يا سيدى تصقل النفس والعقل وتبعث فى الانسان معان صافيه نقيه على عكس القيود الشكليه التى تفرضها الاديان على الاشخاص. وطبعا – حتى لا أفهم فهما خاطئا – إن القيود الاجتماعيه تفرض على كل إنسان احترام عقيدة الاخر وفكر الآخر وحرية الآخر. أما القيود الدينيه فهى السياج الذى يكبح جماح الغرائز فتصفو النفس وتبعث فيها السلام وليس الاضطراب. فالدين إذن قيد على الفوضى وإطلاق الغرائز وليس سببا فى الفوضى والتفرقه وإضعاف الوطن الواحد.
سيدى ... إن مصر تمر بمرحله غايه فى الحرج فإما أن تبنى على أسس جديده سليمه إما أن نعود القهقرى ونستسلم لليأس وتضيع مصر كوطن فى الصراعات التى تستنفذ طاقتها وقواها حتى تهب ثورة أخرى.
ونجثو إلى خالق هذا الكون أن يقى مصر الصراعات ويزرع فى قلوب قادتها العلمانيين والدينيين روح الموده والحرص على تقدم الوطن وسلامه. ونرى أن هذا يتحقق إذا ابتعد الازهر والكنيسه عن الحياه السياسيه وتشبثوا برسالتهم الدينيه فقط.
سيدى .. إن الثوره البيضاء قد قامت من أجل إقامة دوله ديمقراطيه مدنيه وقد نجحت هذه الثوره نجاحا إعجازيا, فمن باب الاخلاق لا يجوز أن نسطو على هذه الثوره لفرض مبادئا غير مبادئها وأهدافا غير أهدافها.
سيدى إذا لم تكن مصر غاليه عليكم, فهى بالنسبة لنا كل شئ وقد آن لمصر أن تكون وحدة واحده لا تتجزأ, ولكم من الحكمه والعلم ما يعمل على هذا الهدف الذى يحقق وحدة مصر ورخاءها لا تفتيتها وتعذيبها أكثر مما عذبت..
وتفضلوا فضيلتكم بقبول فائق الاحترام والتقدير والاجلال.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com