ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

أسلوب وآداب الحوار والاحترام المتبادل

القمص. أفرايم الأنبا بيشوي | 2011-02-20 00:00:00

بقلم: القمص أفرايم الأورشليمي

نظرة لما حولنا من حوارات..

كنت أتابع القنوات الفضائية لمتابعة ما يجري من أحداث ساخنة في عالمنا العربي، وفتحت على احدى القنوات الفضائية، وكان فيها حوار تلفزيوني بين اثنين يفصل بينهما مقدِّم البرنامج، ولقد صدمني كم الشتائم والعراك والمقاطعة في الحديث بين المتحاورين، ولم يتبق إلا أن يتطاحنا وكأنهما في حلبة الملاكمة!!
 
إن هذه المناظرة هي صورة مصغَّرة لما يجري في الشارع العربي من مظاهرات مؤيِّدة ومعارضة، تُستخدم فيها الهراوات والأسلحة والسباب. كما إنها صورة لما نراه من حوار الطرشان في بيوتنا ومقاهينا وشوارعنا! فكم من حوارات نجد فيها المقاطعة والاستهزاء وتقليل قيمة الرأى الآخر، وكأننا لسنا أهل رقي وحضارة وأدب راقٍ!
 
إن الحوار والاحترام واستخدام المنطق والإقناع هي سمة التحضُّر والرقي، ولم يعد أسلوب إصدار الأوامر والنواهي إلا لغة الجهلة والضعفاء. إننا داخل البيوت وفي وسائل الإعلام والمنابر واللقاءات الخاصة والعامة، نحتاج لمن يحترم الآخرين ويقنعهم في عصر تُتاح فيه المعرفة للصغير قبل الكبير، وللشباب قبل الشيوخ. ويجب علينا أن نكون مقُنعين ومقتنعين بأهمية الحوار المتمدن، حتى لا نصل بالآخر إلى التمرد والرفض والعناد والإصرار ثم الثورة على تحجر الآراء. وإن كان الله لا يفرض علينا الايمان بل يستخدم الإقناع والنصح، فكيف للبعض أن ينصِّبوا أنفسهم فوق مستوى الله بدكتاتورية كاذبة؟!!! وحتى باسم الله، لا يجب أن نرهب الآخرين بل نرغِّبهم في الدين ونجذبهم إلى الله بربط المحبة والإقناع.
 
إننا نحتاج للتذكير والتذكُّر أننا في عالم يموج بالأفكار والآراء والأحزاب والأديان والأعراق، وكل واحد منا يريد أن يكسب مؤيدين لفكره ورأيه. ونحن لهذا نحتاج للحوار إما لتوصيل فكرنا، أو لتأييد موقفنا، أو للوصول لقاسم مشترك من الأفكار والآراء. ولا يمكننا إلغاء رأي الآخر أو تهميشه، بل يجب أن نحترم الآخرين وآرائهم إن أردنا أن يكون لنا الاحترام والقبول.
 
كن مستمعًا طيبًا إن أردت أن تكون متحدثًا لبقًا..
لقد خلق الله لنا أذنين وفم واحد لنتكلم أقل مما نسمع. وهذا يُثري فكرنا، ويغذِّي عقولنا، ويكسبنا احترام الآخرين. وإن أردت أن تكون متحدِّثًا لبقًا، فكن مستمعًا جيدًا. استمع لآراء الآخرين وأفكارهم. وحتى إن كنت مقتنعًا بصحة فكرك، فلا يعنى هذا أن الآخر مخطئ. فلكل إنسان قناعته الشخصية التي ليس من اللائق أن تسفِّه منها. قد يكون فكرك صحيحًا قابلًا للخطأ، وقد يكون فكر الآخر هكذا أيضًا، فنحن بشر ولسنا معصومين من الأخطاء في عصر ليس كل المعطيات والأسباب والمعرفة في إمكاننا.. وحتى إن كسبت جدالًا، فلا تخسر قلب محدِّثك وتظهر بمظهر المنتصر، فقد تبرهن لك الأيام خطأ رأيك أو صحته، وتكون كسبت صديقًا قد تجده وقت الشدة. لهذا يقول لنا الكتاب المقدس على رابح النفوس أن يكون حكيمًا ويربح الناس بالحكمة ويريحهم ويستمع إليهم "هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب؟ هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش" (1صم  15 :  22).
 
عليك باللطف واللين والتقدير...
كان شخص يسير يومًا وهو يلبس معطفًا ثقيلًا، وتحاورتا الشمس والريح على من يستطيع أن يجعل الرجل ينزع معطفه.. زمجرت الريح بكل قوتها والرجل يتمسك أكثر بالمعطف، وفشلت الريح بقوتها.. تقدَّمت الشمس بأشعتها الدافئة تشرق بلطف على الرجل، فما كان منه إلا أن نزع المعطف واستمتع بدفء الشمس. هكذا أنت يا عزيزي، إن أردت أن تجني العسل لا ينبغي أن تحطِّم خلية النحل. كن لطيفًا في حوارك، رقيقًا في كلماتك، لينًا مع الآخرين، طيب المعشر "الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط" (أم 15 :  1). فليس بالقوة وعلو الصوت تكسب حوارًا، بل بالإقناع والوداعة والمنطق.
 
لقد جاء عن السيد المسيح أنه وديع متواضع القلب، وبالوداعة كان يكسب القلوب، وبالتواضع والمحبة كان يجذب الناس إلى محبته، حتى شهد له الأعداء قبل الأتباع والأصدقاء بقوله الصدق في تواضع ورقة. ولهذا دعانا أن نتعلم منه "تعلَّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب؛ فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت11 :  29).
 
الحوار لا يعني توافق الآراء أو إلغاء الآخر.. 
إن حواراتنا مع الآخرين لا تعني وصولنا إلى تطابق أو توافق الآراء.. قد نحتاج إلى وقت لكي ينضج الفكر، أو من خلال تبادل الحوار تتولَّد فكرة جديدة أفضل. إننا لا يجب أن نتعصَّب لفكرة ما بقدر انحيازنا إلى الحقائق، وبأسلوب حضاري لا يفرضها على الآخر، وليس عدم قبولي برأيك معناه إني ضدك، ودون أن نلجأ لشريعة الغاب  والعنف اللفظي أو الإيذاء، ولكن مجرد النقاش نفسه وعرض الأفكار على الطرف أو الأطراف المقابلة، وقيام الآخيرين بتسلُّم هذه الأفكار بصدر رحب ونفسية إيجابية. فهذا بحد ذاته غاية توفِّر التعددية المطلوبة في المجتمعات التي تكفل الحرية فيها للجميع. وترفقنا بالآخر يبعد عنا الضغينة والأحقاد، ويُجبر الناس على احترامنا وقبولنا.
 
التنوع في الطبيعة، والحياة تعلمنا..
إننا إذ ننظر حولنا للحقول والزهور والبيوت، وحتى في جسم الإنسان، نرى التنوع من سنن الحياة، وهذا ما يثري الحياة ويغنيها، ويزيدها جمالًا وبهاءًا.. لا يوجد إنسان على ظهر الأرض تماثل بصمته بصمة الآخر.. نحن في العالم العربي حضارتنا تتميز بالتنوع الفكري والثقافي والديني والعرقي والمذهبي، ولقد تسبَّب عدم قبول الآخر والمختلف عبر التاريخ  في كوارث وانشقاقات كنا ومازلنا في غنى عنها. نحن أحوج الناس إلى احترام أنفسنا ومن هم حولنا، ومن لا نستطيع أن نتخذه صديقًا يجب ألا نجعله عدوًا.
 
نحتاج إلى فكر مشترك يتسع لقبول المختلف عنا في الرأي أو المعتقد أو الفكر أو العرق أو الدين.. نحتاج لكل يد تبني في المجتمع. كلنا لنا ألسنة وعقول ونستطيع أن نعرض آرائنا دون تهديد أو وعيد ولا تصفية للمختلف ونفي له؛ فالتعدد والتنوع سمة العصر والحياة والطبيعة. وهذا الأسلوب الراقي واحترام الآخر نحتاجه  في البيوت والمقاهي والشوارع قبل وسائل الإعلام من صحف وإذاعة وتلفزيون، لما لها من دور في توجيه الذوق والرأي العام. نحتاج للاحترام والمنطق والقبول في الجوامع والكنائس، في المدارس وكتب التعليم، وإلا سنجد أنفسنا نتخلف ونتراجع، ليست عن روح العصر فقط بل في مختلف مجالات الحياة.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com