بقلم منيربشاى
الشىء الذى يفرق بين المظاهرات والثورات هو أن المظاهرات عادة تخرج لتعبر عن مجرد إحتجاجات ضد أحوال معينة وتطالب بالاصحلاح. أما الثورات فهى تتعدى الإحتجاج والمطالبة وتنجح فى إحداث التغيير الجذرى فى المجتمعات.
الثورات يقوم بها عادة جماعات يدفعها أهداف معلنة وتقودها قيادات واضحة. وبعد نجاح الثورة فى الإطاحة بالنظام القائم تتولى قيادتها مقاليد الحكمر لتنفيذ الإصلاحات المنشود التى نادوا به. ولكن ثورة الشباب التى قامت فى ۲٥ يناير ٢٠۱۱ تختلف عن الثورات بمعناها التقليدى. فقد رأينا فى البداية مجموعة من الشباب من الطبقة العليا والتى كانت تناقش فيما بينها هموم الوطن عبر وسائل الإتصالات الحديثة "الفيس بوك" والتى كانت تحس ينوع من الضجر إزاء ما يجرى من أوضاع تتعلق بغياب الحريات وإنتقاص فى تطبيق الممارسة الديمقراطية.
وبإعتراف العديد من هؤلاء الشباب كانت المطالبة بإصلاح هذه الأمور المحدودة كل هدفهم، ولم يكونوا يطمعون فى القيام بثورة كبرى تنادى بإسقاط النظام. وفوحئوا عندما تطورت مظاهراتهم الى هذا المنعطف الخطير.
ولكن يبدوا أنه حدث إنضمام جماعات أخرى من الشعب استطاعت تحويل مسار هذه المظاهرات ونتيجة لإستجابة النظام بتقديم بعض التنازلات إزدادت شهية المتظاهرين إلى طلب المزيد إلى أن نجحوا فى النهاية إلى إسقاط النظام. والشباب الذين كانوا عصب هذه المظاهرات قد غادروا الميدان بعد ۱٨يوما من الإحتجاجات. وبعد سقوط النظام سلم النظام المخلوع السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليقود البلاد فى مرحلة إنتقالية يتم تسليم السلطة بعدها إلى حكومة مدنية ينتخبها الشعب. كما عهد لهذا المجلس العسكرى إجراء التغييرات التى نادت بها الثورة.
لقد إنتهى دور من قاموا بالثورة من الشباب بمجرد إعلان مطالبهم. لم يحاولوا هم أن يستولوا على السلطة أوأن ينفذوا هم ما خرجوا للتظاهر من أجله. وإستلم مطالب الشباب من إعتلى السلطة وهو المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وهؤلاء لا يمثلوا الشباب لا من حيث السن ولا الرغبة فى التغيير. بل أنهم هم أنفسهم كانوا قبلا جزءا من النظام السابق ولم يعترضوا يوما على ما كان يقوم به النظام من ممارسات. ويقال أن البعض من قياداتالجيش كانت ممن اغتنى نتيجة النهب الذى قام به كبار المسئولين فى النظام المخلوع. فهل يمكن إستئمان هؤلاء على القيام بالتغيير المطلوب؟
وعلى أى حال فمهما كانت امانة وإخلاص من ستوكل لهم مهمة اجراء الاصلاح فان نتائج لاصلاح لن يلمسها المواطن العادى فى حياته اليومية الا بعد زمن طويل. فإذا كان التغيير للأسوأ قد إستمر على نحو ستة عقود وبالذات فى الثلاثة العقود الأخيرة، فإن التغيير للأفضل قد يستغرق عدة عقود حتى نرى نتائجه الإيجابية. ولكن إن لم يبدأ التغيير فى إتجاهه الصحيح فالتغيير للأفضل لن يتحقق بل قد يستمر التغيير للأسوأ. ولا أدرى اذا كان المواطن العادى يستطيع ان يتحمل الانتظار. فبعد مغادرة الشباب لميدان التحرير عاد اليه فى الجمعة التالى آلاف العمال الذين يطالبون بارتفاع الاجور وتخفيض الأسعار. وبالنسبة لهؤلاء الجوعى فان رغيف الخبز يأخذ أولوية فوق الديموقراطية. ولا أظن ان الدولة لديها عصا سحرية تستطيع بها تحقيق هذه المعجزة فى ظل إفلاس الخزينة. ولإرضاء الجماهير ربما تلجا الدولة الى حيلة طبع المزيد من الجنيهات وتضاعف المرتبات. ولكن ما سيحدث هو أن الجنيه ستتناقص قيمته الى النصف وبذلك نصل الى نفس النتيجة.
أحد المطالب الرئيسية لثورة الشباب كان مدنية النظام والذى يضمنها وجود دستور ذو مرجعية مدنية وليست دينية. ولكن من البداية إصطدم هذا مع توجهات الأخوان والمتأسلمين الذين حذروا من المساس بالمادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع. وأصدر الشيخ الطيب شيخ الجامع الأزهر بيانا حذر فيه من المساس بهذا البند لأنه فى رأيه من ثوابت الأمة. وجاء تعيين المستشار البشرى رئيسا للجنة صياغة التعديلات الدستورية محبطا لكل الآمال التى تطالب بدستور مدنى لأن الرجل معروف بتوجهاته المتأسلمة وكتاباته المناهضة للأقباط وللكنيسة. فكيف يتحقق التغيير فى بناء الدولة المصرية المدنية إذا كان أساس البناء وهو الدستور باق كما هوعدم الإهتمام بالتحرك نحو الديمقراطية أمر يثير القلق لدى دول العالم الحر. فالإتجاه نحو تحديد إطار زمنى سريع لإجراء الإنتخابات مثل تحديد مدة شهرين لإجراء التغيير الدستورى وستة أشهر للإستفتاء هذا معناه انه لن يعطى الوقت الكافى للعناصر التى قامت بالثورة لتنظيم نفسها داخل أحزاب ترعى وتضمن التغيير نحو الديمقراطية التى قامت الثورة من أجلها. ومن عوامل القلق أيضا تقرير المجلس الأعلى للقوات المسلحة مد حالة الطوارئ التى حكمت مصر على مدى الثلاثة العقود الماضية والذى كان أحد المطالب الرئيسية لثورة الشباب.
التغيير الجذرى للأمور هو أهم سمات الثوارات. فإذا فشل المجلس العسكرى الذى يحكم البلاد فى تحقيق هذا وهو الذى يملك قوة التخويل الممنوحة له بالثورة ولجأ إلى أنصاف الحلول أو تأجيل الحلول الصعبة فمن يقوم بالتغيير، ومتى؟ هل يمكن أن تقوم بالتغيير حكومة مدنية ضعيفة بعد أن ينتهى مفعول الثورة ويفتر حماس الجماهير؟
ما يقلقنى كثيرا أن تظل الأمور فى النهاية على ما هى عليه فيما عدا بعض الإصلاحات الشكلية التجميلية. وبذلك يتم إجهاض الثورة وتضييع مجهودات ملايين المتظاهرين وإهدار دماء المئات ممن إستشهدوا وجرحوا وتخيب آمال الشعب المصرى كله. وبذلك ينطبق علينا المثل: كأنك يا أبو زيد ما غزيت. وربنا يستر...
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com