بقلم: شاكر فريد
حسن الثقافة في مدلولها وجوهرها العام هي موقف ذا طابع جدلي. إنها سباحة ضد التيار السائد وخلخلة البنى الاجتماعية الهيكلية القائمة، بهدف بناء وتأسيس بنى جديدة تتماشى وتتلاءم مع روح العصر. ومن يسبح مع التيار تنتفي عنه سمة الثقافة.
وللمثقَّف دور هام، إيجابي ومؤثِّر، تصب حصيلته المعرفية التنويرية في مجرى التحوُّل الاجتماعي والثقافي والفكري، وإحداث التغيير الديمقراطي المنشود. ولا قيمة للمثقَّف الذي يزعم أنه مثقَّف ولا يملك موقفًا تجاه الأحداث والتحولات الجذرية العميقة في مجتمعه ووطنه. فكم من مثقَّف غاب عن ساحة الفعل النضالي الكفاحي والمواجهة مع المؤسسة السياسية الحاكمة من أجل مصالحه الخاصة؟!
إن هؤلاء ينتمون إلى مجموعة المثقَّفين المزيَّفين والمنافقين والمدجنين الذين لا تتوفر لديهم الشجاعة والاستعداد لمثل هذه الصدامات والمواجهات. وفي خضم الثورة المصرية المباركة التي فجَّرها وقادها شباب 25 يناير، وقف القاص والروائي المصري البارز "بهاء طاهر" كالمارد، معلنًا بصوت مجلجل أنه يرد جائزة "مبارك" للآداب- وهي أرفع الجوائز الثقافية في "مصر"ـ التي كان قد قبلها في عام 2009. وكما قال: إنه يردها بكل راحة الضمير، بعد أن أهدر نظام "مبارك" الاستبدادي والاضطهادي دماء المصريين في ميدان "التحرير".
و"بهاء طاهر" هو قاص وروائي مجدِّد، ومبدع متميز، ومثقف متنوِّر حر وصادق، ينتصر للحرية ومواجهة قوى الطغيان والقهر والتسلط- ثقافية كانت أو سياسية أو اجتماعية- ولم يتخل يومًا عن ايمانه الراسخ بدور الثقافة المعرفية وحاجة الناس إليها، حيث يرى فيها أداة للتغيير والتنوير، ورسالة سامية، وقضية إنسانية، والتزام وطني وأخلاقي، ومرادفة للحرية والوعي والعطاء الشريف والنظيف الطاهر.
إن هذا الموقف الجريء الذي صدر عن مثقف مصري حقيقي، يستحق آيات الإعجاب والثناء والتقدير، ويضعه على الضفة الأخرى من النهر، وعلى طرف نقيض من أشباه المثقَّفين وأيتام العهد البائد ومرتزقة الفكر الذين داهنوا وتملَّقوا النظام الدكتاتوري الفرعوني، مثل "جابر عصفور" الذي تسلَّم وزارة الثقافة، وحين رأى انبثاق خيوط فجر الثورة قدّم استقالته لأسباب صحية!
فكل التحية والاحترام والإجلال لـ"بهاء طاهر"، مع التأكيد على أننا بحاجة إلى مثقَّفين أمثاله، أصحاب مواقف، يمارسون دورهم التحريضي الفاعل والحقيقي في قيادة التغيير والحراك الثقافي والعمل النضالي الثوري، بغية تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي وتغيير الواقع.
ومن الضروري أن يعيد الكثير من المثقَّفين العرب النظر في ممارساتهم ومسلكياتهم ومواقفهم، لكي يدخلوا خانة المثقَّف الحقيقي، والنزول إلى مجتمعاتهم، والعمل مع شعوبهم والارتباط بهمومهم، ومشاركتهم معاركهم الوطنية والطبقية الحضارية، من أجل إنجاز التحوُّل الديمقراطي الجذري المأمول في كل المنطقة العربية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com