بقلم: مينا ملاك عازر
يخطئ من يتصوَّر أنه شرط أن تفسد السمكة من رأسها؛ فالحقيقة أن السمكة تفسد من رأسها إن كانت "سمكة"، وأما إن كانت نظم حكم أو إدارة، فقد يبدأ فسادها من المحيطين برأس السمكة. ويدخل الحاكم من دول القصر بعد ما كان مافيش حد معبَّره، فجأة تلاقي ليه شلة طويلة عريضة من آكلي بقايا طعامه، ودول بيسميهم علم الأحياء الطفيليين.
ويدخل حاكم تاني القصر أو المكتب، تلاقي حوله "شلة" ممن عملوه حاكم، فيبقى فضلهم عليه وجميلهم مغرَّقه من ساسه لراسه.. ودول بيسميهم علم السياسة "المنتفعين والسنيدة". ويبقى الحاكم من دول ساند عليهم وواثق فيهم، رغم أن السنين قد تثبت له غبائهم، وأن ضررهم أكثر من نفعهم، لكنه يبقى حافظ لهم الجميل، ومستني اللحظة إللي يرده لهم.
وحاكم تالت يخش ومعاه شلته جاهزة، عملوه وعملهم، مرتبهم للحظة دي، عشان يلاقي هتيفة ليه، وناس تقاسمه لقمته الحرام أو الحلال في البداية، وإللي غالبًا بتقلب حرام لما بيزيد تمجيدهم ليه، فيتوحَّد بالكرسي ويبقى هو والكرسي واحد، ويبدأ ساعتها إللي حوليه يحكموه ويتحكَّموا فيه، وإن فتح أحدهم بقه بكلمة توجيه صحيحة، يكسر عينه بامتيازات مش من حقه تخليه ساكت، وإن لم يسكت يضطهدونه فيطردونه أو ينسحب من تلقاء نفسه. وتبقى شلة الحاكم فاسدة فتفسده، سواء بفسادها أو بمجاملته وهتافها له على الصح والغلط.
ولذلك في "مصر" من أفسد الرئيس هو أهل بيته، وعدو الإنسان أهل بيته. وطيبته على أهل بيته والقسوة على إللي بره. ويقولون: "عنيد"، طب كان خلاه عنيد على من أفسدوه وهتفوا له، أحسن ما كان عاند الشعب! ولو جئت للحق، أكيد برضه فساد أهل بيته صادف هوى لدى الرئيس، وإلا ما كان تركهم يفسدون أو قل شاف الفساد وسكت عشان بيحبهم، وحب يدلعهم، ففسد وفسدوا وسقط النظام.
وفي يوم ما، دخل الحاكم الفاسد على شلته الفاسدة، والتي أفسدته أكتر ما هو فاسد، بخيبتها وعدم قدرتها على أن تقول له لا لفساده، وقال: هاي شلة، فقالت له الشلة: هاي ريِّس. فسألهم: أنا جعان وعايز أفطر، نفطر إيه؟ فردُّوا: إللي تشوفه يا ريِّس، مش حانفطر على حساب الوطن؟ فسكت. وقال: بس دي تبقى رشوة، ولا أقول لكم: الضرورات تبيح المحظورات، خلاص نفطر كافيار وسيمو فيميه، طالما على حساب صاحب المحل.
ويبقى لي كلمة، لو لكل حاكم قدرة أن يطهِّر من حوله كل حبة، يبقى أحسن. خصوصًا لما يحس إنهم بيحضوه على الفساد. يبقى حاكم جدع، وليه كلمة. لكن ساعات بيستحلوها، والطبطبة الكتير على العيال تطلَّع عيال مش متربية.
المختصر المفيد، إن ألف منافق يجلسون في ثنايا تاجك، رغم إنهم يجلسون في ذلك الحيز الضيق، إلا أنهم يفسدون القطر كله.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com