ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

لحظة للتأمل

د. حمدي الحناوي | 2011-01-28 00:00:00

بقلم: د.حمدي الحناوي
نتحدث عن الوطن باعتباره كيانا شاملا لا يتجزأ، ولكن مشكلات الوطن تتجزأ. يقال أن مصر مستهدفة وأننا يجب أن نحرص على الشرعية، وخروج المتظاهرين فى يوم الغضب لم يكن خروجا على الشرعية أو تهديدا للوطن. ما يهدد الوطن حقا هو نزول قوات الأمن بأعداد غفيرة لمحاصرة المتظاهرين. الوطن فى قلبنا ونحن لا نحبه فقط بل نشعر أننا نحن الوطن، وأنه ليس منفصلا عنا. وما هى إلا مزايدة على النفاق أن يقال "ما تقولش إيه ادتنا مصر قول هندى إيه لمصر". وهل يستطيع أحد أن يعطى لمصر أكثر من حل مشكلات أبنائها، ليعيشوا أحرارا وسعداء؟
يعانى المواطن من مشكلات يحق له أن يعبر عنها، وبديهى أن يعطى كل منا أولوية لمشكلاته الخاصة. لا يستطيع الجائع أن يساعد الفقراء، ولا المريض أن يزيد إنتاجه، أو المهموم أن يعمل أكثر. وقد آن الأوان لأن يكف الدراويش عن تهويماتهم ويتكلموا بلغة مفهومة. نسمعهم دائما يطالبون الناس بأن يصبروا ويتحملوا من أجل الوطن، وبهذا المنطق يصبح الوطن شيئا غير مفهوم، كأنما هو صنم مطلوب من الناس أن يعبدوه، دون أن يملك لهم ضرا ولا نفعا. وقد تحمل الناس كثيرا فإلى متى تهويمات الدراويش؟
اللغة التى يفهمها الجميع لا بد أن تستمد مفرداتها من حياتنا اليومية، وهى تجعلنا نشعر بوجودنا، وبأن الدراويش مثلنا آدميون، لم يخلقهم الله من طينة أخرى، وليسوا منزهين عن الخطايا التى تؤرق عموم البشر. وعندما تتفجر ثورات الجياع كان يتضح دائما أن الدراويش ليسوا ملائكة ولا رهبانا فى حب الوطن، بل يعرفون الأنانية والغش والطمع، كما اتضح دائما أنهم كانوا أكثر المستفيدين من السلطة التى فى أيديهم.
لن نكف عن الحديث عن الوطن، ولكن بواقعية، فأرضه أرضنا، وحياتنا حياته. ويحق لنا أن نتكلم عن مشكلاتنا دون أن نخشى اتهاما بأنا ننظر للأمور نظرة ضيقة، لا تتجاوز حدود أشخاصنا أو أسرنا أو جماعاتنا الدينية. وفى النهاية، فإن قضايانا الجزئية ومشكلاتنا الخاصة هى التى تعوق اتساع رؤيتنا، لا لخوف أو نقص فى الذكاء أو الوطنية. قدرة الفرد محدودة مهما كبرت وعمره محدود، وليس عدلا أن ينقضى العمر فى معاناة بلا أمل.
لا يستطيع فرد أن يضحى بلا حدود، ولا يتحتم أن يتحدث كل فرد عن رؤية شاملة كرؤى الدراويش. وستصبح الرؤية شاملة عندما يستطيع كل فرد أن يتحدث بحرية، وعندما يفتح الباب لحل المشكلات. نعم، سيأتى الحاوى بألاعيبه، فيكلمنا عن "اهتمامه" بتطبيق الشريعة الإسلامية حلا لجميع المشكلات، وسيعلن أنه متعصب لا للشريعة بل لحل مشكلاتنا. ولا عذر لنا إن لم نقبل وجوده، فهو أيضا من قضايا الوطن، وعلينا أن نفكر ونتساءل ونبحث، كيف ظهر ولماذا وما السبيل إلى مواجهته. 
يجب أن تختلف المواجهة عما اعتدنا عليه. لا نفترق حين نختلف، بل نبقى معا ونواجه خلافاتنا. لست وحدى من يرفض التعصب ودعوته لتطبيق الشريعة الإسلامية. لا أرفض الإسلام وشريعته، فهنا كلمة حق يراد بها باطل، ويقع ضررها على المسلمين قبل غيرهم. وقد كان التطبيق شكليا حتى الآن، ركز على لبس الجلابيب، وإذاعة الصلوات بمكبرات الصوت، وفرض الحجاب على المرأة، والمطالبة بالنقاب وفصل النساء عن الرجال. والمرأة لا تنفصل عن الرجال فى الحرم المكى، لكن التعصب هيكل فارغ بلا رسالة، ولهذا فهزيمته آتية لا ريب فيها. سنواجهه فى حينه، أما الآن فلن نتوقف عنده ونغفل عن مشكلات أهم، نحلها لنصبح أقوى وأقدر على المواجهة.

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com