بقلم: شاكر فريد حسن
قبل عشر سنوات غادرنا الشاعر جورج نجيب خليل الى عالم الخلود ، تاركاً وراءه مسيرة حياة حافلة بالعطاء الأدبي . وجورج من اوائل المبدعين العرب الفلسطينيين المقيمين في وطنهم ، الذين سجلوا حضوراً ادبياً فاعلاً في الحركة الثقافية في حدود العام 1948. انه كنار الجليل وعندليب الشعر الذي سحرته بلاده فحاك من خيوط الشمس اجمل العبارات واعذب الكلمات والالحان ونسج احلى العباءات لصبايا الوطن الفاتنات . كان شاعراً متمرساً ومربياً عظيماً وانسانياً حتى المجازفة ، فارعاً بالعذوبة والرقة والطيبة.
عرف جورج نجيب خليل ببساطته وعشقه للغة العربية ومتبحراً في علومها ، وكان بمثابة موسوعة ادبية ولغوية ومشاركاً فعالاً في شلأن لغتنا والحفاظ عليها . كما كان من الضالعين في علم العروض ومن انصار واتباع القصيدة العمودية الفراهيدية ، الموزونة المقفاة. جاء جورج نجيب خليل الى الدنيا في قرية \"عبلين\" سنة 1932 وتعلم في مدرستها وانهى الثانوية في مدرسة صفد ، وعمل في سلك التدريس الى ان تقاعد عن العمل سنة 1983 بسبب حالته الصحية، وفي اواخر كانون الثاني من العام 2001 قضى نحبه. وهو من مؤسسي رابطة الكتاب وسكرتيرها الأول ، وقد اصدر مجلة \"الرسالة\"في فترات متباعدة ومن ثم مجلة \"مشاوير\" التي ساهمت في نشر الادب الانساني وتوقفت عن الصدور لأسباب مالية.
وهو اول من اصدر ديوان شعر باللغة العربية بعد النكبة بعنوان \"ورد وقتاد\". نشر جورج نجيب خليل نتاجه الشعري والأدبي في مجلة \"الفجر\" التي كان يحررها الشاعر الراحل راشد حسين ، وفي \"اليوم\"و\"الأنباء\"و\"الشرق\"و\"مشاوير\"و\"الاتحاد\" و\"الصنارة\" وغيرها من الصحف والمجلات. من اعماله الأدبية: \"ورد وقتاد،من حقل الحياة، الشعر العربي في خدمة السلام، دموع لا تجف، حضارة الكلمة ، المؤودة\" وغيرها.
قصائد جورج نجيب خليل مختلفة الأبعاد والمضامين ،جاءت في خضم الأحداث والمناسبات السياسية والوطنية والاجتماعية، واهتمت بالموضوعات الأكثر الحاحاً وبروزاً. وقد نظم شعراً صادقاً عن الوطن والمرأة والحب والأرض والطبيعة والجمال والانسان والخيام ومجزرة الخليل وملكة الجمال دينامور ، وغنى لحيفا ويافا وعكا والقدس وغزة . وايضاً رثى كبار المطربين العرب ام كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب .. ومما قاله في العندليب الأسمر: غاب عبد الحليم في ميعة العمر وغصن الشباب منه رطيب وهو من اطرب الملايين حتى كان من فنه لكل نصيب ان شدا للغرام لحناً رخاء راح يسري في كل عرق دبيب او شدا للأوطان فجرب بركاناً فملء الفضاء منه لهيب نبرات جليته ذات جرس عبقري، تجنبت منه ما يعيب فهي شهد مقطر ذو صفاء وهي نفح معطر وطيوب كم شجتنا انغام (قارئة الفنجان) يحلو سماعها ويطيب كيف ننسى مواقف البلبل الصداح او تستكين منا الجنوب وجورج في شعره كان مخلصاً كل الاخلاص وصادقاً كل الصدق في التعبير عن احاسيسه الوطنية وتعلقه بتراب وطنه ، وحبه لبيته وحارته وعلاقاته الاجتماعية والأدبية ، وحنينه الى ذكريات الطفولة والصبا بين حقول الزيتون والبرتقال والصبار.
وبالرغم من ان جورج لم يكن شاعراً مقاوماً وسياسياً بالمفهوم الثوري الا انه كتب اشعاراً كثيرة في الوطنية والقومية والعروبة ، بعيداً عن الشعارات والخطابية والتقريرية ، وكان داعية للسلام والتعايش والمصالحة التاريخية والمحبة بين الشعوب قاطبة.. ومما قاله: لا ارتضي الذل حتى لو ابيح دمي فعزتي هي انجيلي وقرآني اسطورة الذل تصميمي يحطمها ومركب المجد يرسو عند شطآني وفي حياته كان جورج يتألم ويتأسى لما آلت اليه اوضاع الأمة العربية وما حل بلبنان وما اصاب اهله من خلاف وشقاق.. فيرثي بيروت ، شطآنها وواحاتها قائلاً: بيروت يا زهرة الشرق التي ذبلت وساد ربعها شؤم وترجاف وجورج كان يجيد الوصف والغزل ، والغزليات تحتل مكان الصدارة في دواوينه ، ومن قوله في الغزل: والقد حلو سكرنا من تأوده كأنه شمعة في دير نساك فليس احلى من التعذيب تبعثه حسناء ذات جبين ضاحك باك وقوله ايضاً: ماذا جنيت لأشقى يا ملوعتي هل الغرام بتعذيبي وتغريمي تمزقت كبدي من جور فاتنتي فمن يوحدني من بعد تقسيمي جورج نجيب خليل شاعر رصين ،ذكي، شفاف، لم يؤلف الشعر فحسب ،بل سكب روحه في نصوص لا اجمل ولا اروع، وسيبقى بشعره وروحه وسيرته وانسانيته حياً في اعماقنا ووجداننا وذاكرتنا.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com